14-أغسطس-2020

وزارة الخارجية الأمريكية (Getty)

موقفان أمريكيان خلال أسبوع واحد أظهرا مراقبة واشنطن للأحداث وتطوراتها في البلاد بشكل دقيق للغاية، ففي نهاية الأسبوع الماضي 6 آب/أغسطس الجاري أصدرت الخارجية الأميركية تحذيرات لرعاياها بعدم السفر إلى السودان مبررة ذلك باحتمالات وقوع أعمال عنف وقمع القوات الأمنية للاحتجاجات الشعبية المرتقبة كما مضت التحذيرات الأميركية إلى أبعد من ذلك وتحدثت عن اقتحامات للمنازل واختطاف دون أن تحدد رقعة جغرافية.

خففت واشنطن الضغط عن الحكومة المدنية بتهديد شخصيات متهمة بتقويض الحكم المدني بوضعها على لائحة العقوبات

أما الموقف الثاني فهو إصدار الخارجية الأميركية بيانًا مساء أمس الخميس أعلنت فيه وضع شخصيات من النظام السابق والحالي على لائحة العقوبات إذا استمرت في تقويض الحكم المدني، وينبغي أن يقرأ هذا التهديد في سياق الأحداث القبلية التي وقعت في شرق السودان ومناطق أخرى، وربما ترى واشنطن أن شخصيات سياسية وجهات مؤثرة وراء تأجيجها، وبالتالي هي رسائل أيضًا في بريد بعض الدول التي تغذي هذه الصرعات بحسب الاتهامات التي تصدرها جماعات سياسية إلى دول بعينها خاصة في ظل سباق دولي محموم نحو الموانئ.

واستبقت التحذيرات أحداث عنف وقعت في مدينة بورتسودان واستمرت ثلاثة أيام من الأحد حتى الأربعاء، فيما صدرت التحذيرات الأميركية الخميس أي قبل يومين فقط من وقوع أعمال العنف في المدينة الواقعة بولاية البحر الأحمر شرق السودان، وربما لا تنفصل التحذيرات الأميركية عن التحركات الخفية لصناعة العنف في بورتسودان.

اقرأ/ي أيضًا: حاكم النيل الأبيض يشكل لجنة للتخطيط الولائي

ويرى المحلل السياسي والمدير السابق لمكتب رئيس الوزراء عبد الله ديدان، في حديث لـ"ألترا سودان" أن الولايات المتحدة الأميركية لديها وكالة الأمن القومي التي تُملك المعلومات إلى سفاراتها في جميع أنحاء العالم، وبالتالي غير مستبعد أنها كانت على علم بوقوع أعمال عنف وهذا إجراء طبيعي أن تصدر تحذيرات لرعاياها بتجنب السفر إلى المناطق التي تشهد توترات.

ولم تمر على التحذيرات الأميركية سوى ساعات حتى وقعت أعمال عنف في مدينة بورتسودان إلى جانب إغلاق كامل للجسور ومحيط السوق العربي الجمعة الماضي بالتزامن مع احتجاجات محدودة للجماعات الإسلامية على التعديلات القانونية، وهي المخاوف التي دفعت واشنطن إلى إصدار تحذيرات إلى رعاياها بوضع جميع الاحتمالات في حزمة واحدة وإصدار نصائح مشددة: "تجنبو السفر إلى السودان".

غير أن الولايات المتحدة لم تتوقف عند التحذيرات بل تعبتها الأسبوع الجاري الذي كان حافلًا بالمواقف الأميركية المختلفة، بتخفيف العقوبات المالية على السودان والسماح للبنوك الأميركية بالتعامل مع النظام المصرفي السوداني بجانب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مساء الخميس 13 آب/أغسطس الجاري بتهديد شخصيات سياسية من النظام السابق والحالي بوضعها على لائحة العقوبات.

ويقرأ التهديد الأمريكي لعناصر مؤثرة في تقويض الحكم المدني في السودان على أنه دعم للحكومة الانتقالية التي تتعرض إلى ضغوط هائلة خاصة هذا الأسبوع الذي كان حافلاً بأحداث بورتسودان والإضطرابات في كسلا والانتقادات التي طالتها لعجزها عن التدخل وإطفاء التوترات الأهلية، ويبدو أن المساندة الأميركية خففت الضغوط عن السلطة المدنية خاصة في ظل اتهامات تصدرها قوى مدنية بضلوع جهات في إشعال التوترات.

متحدث الخارجية: التحذيرات الأميركية اختلفت هذه المرة لكنها روتينية ولا ترتبط في بعض الأحيان بمخاطر عالية تهدد النظام السياسي

ويوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية السفير حيدر بدوي، في تصريح لـ"ألترا سودان" أن الولايات المتحدة تتابع الوضع في السودان عن كثب رغم أن التحذيرات التي أصدرتها روتينية لكنها كانت مختلفة إلى حد ما هذه المرة والسودان في مستوى واحد مع السعودية.

ويضيف بدوي: "أجرت واشنطن تحديثات على التحذيرات وهي تصدرها بشكل دوري لرعاياها في جميع بلدان العالم، وهناك دول أوروبية تقع ضمن نطاق التحذيرات فالحماية مرتبطة لرعاياها من الجرائم المختلفة والإرهاب والعنف والاشتباكات الطائفية لذلك نحن لم نر فيها شيئًا مزعجًا".

كيف يمكن أن يتلقط المدنيون المحفزات الأميركية بوضع شخصيات تقوض الحكم المدني في البلاد على اللائحة السوداء؟ هذا أمر في غاية الصعوبة نظرًا لتعقيدات الأوضاع داخل كابينة السلطة التي وصفها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عشية 30 حزيران/يونيو الماضي، بالتوازن الحساس، خاصة وأنها شراكة بين العسكريين والمدنيين.

وتُطرح اسئلة كثيرة عما إذا كان المكون العسكري يخضع إلى السلطة المدنية في المواضيع المتعلقة بالتحركات الأمنية والعسكرية، غير أن هذا الإجراء صعب على الأرض لطبيعة المكون العسكري الذي يشعر بالشراكة أكثر من خضوعه إلى السلطة المدنية فالعسكريون الذين يقودون القوات المسلحة هم أنفسهم من يشاركون المدنيين في مجلس السيادة، أعلى هيئة انتقالية.

اقرأ/ي أيضًا: حملة لتغيير نظام امتحانات ذوي الإعاقة والتربية تتمسك بالنظام السائد

إلى جانب ذلك يعتقد المحلل السياسي والمدير السابق لمكتب رئيس الوزراء عبد الله ديدان، أن الشق المدني في مجلس السيادة مختلف عن مجلس الوزراء وأن المدنيين في السلطة مختلفون عن قوى التغيير، وإذا بحثنا عن مركزية القرار الحكومي والسياسي في نفس الوقت، لن نجدها لدى المدنيين بمختلف تشكيلاتهم -مدنيو السيادة–مجلس الوزراء–قوى التغيير.

وبالتالي في نظر ديدان لا يمكن استغلال مساندة الخارج ما لم يتم توحيد التحالف السياسي الحاكم، ليس من الحد الأدنى فقط بل يجب على كل طرف سياسي في قوى التغيير أن يترك رؤيته الحزبية جانبًا، عند ما يأتي ممثلًا لحزبه في التحالف الحاكم.

وينتقد ديدان افتقار الحكومة الانتقالية إلى أجهزة الإنذار المبكر، موضحًا أن مهمة المخابرات تمليك المعلومات إلى مجلس الوزراء للتحرك على ضوئها وتفادي التوترات والمخاطر والكف عن لعب الحكومة دور الجودية، لحل النزاعات الأهلية وتطبيق القانون فورًا.

ومع توسع رقعة النزاعات الأهلية في الولايات تقل شعبية الحكومة المدنية بالتالي ربما أدركت واشنطن ذلك وحاولت مد طوق النجاة للشق المدني الذي يتمتع بعلاقة جيدة، نظرًا لطبيعة العلاقة بين حمدوك ووزير الخارجية الأميريكي ميك بومبيو علاوة على وضع تشريعات مساندة للمدنيين أمام الكونغرس الأميركي منذ كانون الأول/يناير 2020.

غير أن الاضطرابات الأهلية إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة ربما وضعت حكومة حمدوك أمام وضع حرج للغاية، فمثلًا شعبية حمدوك في كانون الأول/ديسمبر 2019 العام الماضي، لا تقارن بشعبيته في آب /أغسطس 2020 الجاري، والتي انخفضت بشكل ملحوظ، وبنظرة سريعة إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، نلاحظ ذلك خصوصًا مع توسع رقعة النزاعات وعجز الحكومة عن حلها.

وتقول إحصائيات غير رسمية أن ما لا يقل عن (400) شخص قتلوا في صراعات أهلية بسبعة ولايات سودانية خلال عام، وأن هذه التوترات صورت السلطة المدنية وكأنها مشلولة أمام اتخاذ الحلول الجذرية والتي تتطلب إجراءات أمنية وعسكرية فعالة واحترافية.

مصدر بمكتب رئيس الوزراء: واشنطن على دراية بخفايا التعقيدات ولذلك سارعت إلى دعم المدنيين

غير أن مسؤولًا في مكتب رئيس الوزراء تحدث إلى "ألترا سودان" مشترطًا حجب اسمه، لحساسية الأمر، ذكر أن الأسباب الحقيقية التي تصور الحكومة المدنية وكأنها عاجزة عن التدخل في الصراعات الأهلية والتوترات، هي خلل ليس بالضرورة أن يتم توضيحه لمن هم خارج السلطة المدنية.

وأضاف: "نحن نتفهم التعقيدات ونعمل على تفاديها مع الوقت، وهي ليست بالمواقف المتطرفة وواشنطن على دراية بخفايا التعقيدات ولذلك سارعت إلى دعم المدنيين".

اقرأ/ي أيضًا

الطوارئ الاقتصادية تصدر قرارات حاسمة وتجري تحقيقًا حول عودة صادر الماشية

حاكم القضارف يشارك في "حملة الحق في الحياة" لمنع النزاعات الأهلية