11-سبتمبر-2023
قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

(Getty) - قائد قوات الدعم ااسريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

كما لو كان القتال الذي يستعر في الخرطوم اختبارًا لقدرات السودان العسكرية، ستوضح الصورة النهائية ما إذا كان السودانيون قادرين على الوصول إلى جيش موحد متوافق عليه لأول مرة منذ استقلال بلادهم.

لأكثر من ثلاث سنوات ظلت قوات الدعم السريع تستورد مضادات الطيران في انتظار يوم تعلم أنه قادم لا محالة ستكون فيه أمام مرمى طيران الجيش

لم تكن حرب منتصف نيسان/أبريل 2023 وليدة لحظة صباح ذلك اليوم الرمضاني الساخن، إذ كانت التوقعات تشير إلى ذلك، علنًا وسرًا. وفي الخفاء تُجرى الاستعدادات على قدم وساق قبيل شهر من القتال على الأقل، لكن في الحروب عادةً تستعد الدول قبل عشرات السنين، وليس فقط أشهر قليلة، وقد يستغرق تحريك قطع حربية أسابيع كاملة.

في كلمات ألقاها دبلوماسيون أميركيون زاروا العاصمة الخرطوم بعد عامين من سقوط النظام السابق، ذكروا علانية أمام مسؤولي الحكومة الانتقالية أن بناء جيش موحد "رغبة ملحة" لواشنطن من الناحية الإستراتيجية، ومع ذلك فإن هذا الطريق محفوف بالمخاطر وقد ينتهي بالحرب في هذا البلد المحاصر بالجماعات المسلحة وانتشار ثقافة اقتناء السلاح.

ربما يشعر بعض الجنرالات بالندم عندما يعودون بالذاكرة إلى العام 2014، حينما نشرت قوات الدعم السريع أكثر من لواءين حول العاصمة الخرطوم، بعد عام من "احتجاجات سبتمبر" 2013 التي هزت أركان نظام البشير في ذلك الوقت، لكن هل كان بإمكان ضباط من الجيش مواجهة البشير في ذلك الوقت وهو يتحصن بعتاة الضباط في جهاز الأمن.

https://t.me/ultrasudan

توزعت معسكرات الدعم السريع حول العاصمة، وكأنها درست بـ"عناية شديدة" كيفية حصار العاصمة، مركز السلطة، التي تتحكم في جميع أنحاء البلاد. ويمكن القول إن الطموحات السياسية لقائد الدعم السريع وإن كانت أقل في ذلك الوقت، ولكنها تنامت عقب الإطاحة بالبشير في نيسان/أبريل 2019 إلى درجة أن المدينة التي لا تعرف الأسرار تحدثت عن اشتراطه في ذلك الوقت اختيار بعض أعضاء المجلس العسكري الانتقالي.

ومع ذلك، يبدو أن جنرالات الجيش تعاملوا مع المعطيات في تلك الأوقات العصيبة بشيء من سياسة التقاط الأنفاس ثم الانتقال إلى مرحلة خلخلة هذه القوات، لكن ربما لم يضعوا في الاعتبار العوامل الإقليمية لجنرال كان يُسمح له بلقاء الدبلوماسيين الأوروبيين والأميركيين ومسؤولي الأمم المتحدة قبل إسقاط نظام البشير وبعده. واشتدت وطأة هذه اللقاءات بعد الإطاحة بالنظام السابق.

وقع حميدتي على الاتفاق السياسي مع قوى الحرية والتغيير في 2019 نيابةً عن المكون العسكري
وقع حميدتي على الاتفاق السياسي مع قوى الحرية والتغيير في 2019 نيابةً عن المكون العسكري (Getty)

سألت جنرالًا في الجيش عن كيفية التعامل مع طموحات الدعم السريع قبل اندلاع القتال بعامين، وذهب إلى الإجابة المتداولة بكثرة عن إمكانية التعامل مع جميع المخاطر عبر سلاح الطيران والمدرعات والمدافع الثقيلة. وعلى ما يبدو لم تكن هناك وسيلة ناجعة وسلمية للتحكم في تسليح قوات دقلو طوال أربعة أعوام عبر الحدود والمطارات والموانئ، ولكن هل طرح سؤال داخل الجيش بشأن أسباب سعي قوات الدعم السريع إلى امتلاك مضادات الطائرات، خاصةً في الأعوام 2019 و2020 و2021 و2022؟

وبتعمق أكثر، هل يمكن للبلدان إنشاء قوات موازية تحت ذريعة محاربة الجماعات المسلحة من دون النظر إلى عوامل إقليمية قد تستميل هذه القوات إلى الاضطلاع بأدوار في حفظ مصالحها الحيوية (الاقتصادية والأمنية) في بلد مضطرب وشاسع مثل السودان؟

في فترة عصيبة مرت على البشير أظهر خشيته على فقدان سلطته جراء الضغوط الشعبية وحتى من داخل النظام السابق أو الجيش؛ فلجأ إلى تكوين قوات الدعم السريع ذات النواة العشائرية بملايين الدولارات لسحق الجماعات المسلحة، بينما كان يمكن صرف هذه الملايين في تنمية تلك المناطق التي شهدت مواجهات مسلحة في سني القتال في دارفور والمنطقتين. هذا ما يقوله المنطق، لكن المنطق ليس حلًا في بلد مثل السودان، لأن الواقع يختلف عنه تمامًا.

قد تكون للولايات المتحدة الأمريكية رغبة من الناحية الإستراتيجية في الحفاظ على تماسك الجيش، لكن بما أن الجميع متفقون على عبارة "جيش موحد" لوضع حد للقتال في السودان، ويختلفون في "نواة الجيش"، إذ يطمح الجنرالات في الجيش حاليًا إلى عدم المساس به، في حين تدخل معادلة المجتمعات المهمشة في مطالب الجيش الموحد. وبدقة أكثر هل يمكن للجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" الذهاب نحو "جيش موحد" تاركًا كتلته الصلبة في الدعم السريع؟ وما هي الضمانات لرجل يتكئ على بندقيته للوصول إلى الحكم باعتباره "سودانيًا" يحق له ذلك حال عبوره "بوابة العدالة" بأن لا يجد نفسه خارج المعادلة حال تذويب قواته؟ قالها ذات مرة من قلب العاصمة الخرطوم: "ما بترمونا عضم"، قبيل القتال بأشهر قليلة، في إشارة إلى أن استئجار البندقية لا يكفي للحفاظ على المصالح وأنه لا بد من اقتسام "كيكة السلطة".