27-يونيو-2022
أسامة داؤود وبن زايد وحمدوك

أتت تصريحات داوود عقب أيام من لقائه ببن زايد معزيًا في وفاة أخيه ومعه رئيس الوزراء السابق حمدوك (فيسبوك)

يعد رجل الأعمال أسامة داوود عبداللطيف الخليفة، أحد أهم رجال الأعمال السودانيين، حيث تعمل مجموعة شركاته المعروفة باسم "دال"، في أغلب قطاعات الأعمال في البلاد، وتهيمن على الصناعات الغذائية، بجانب التوكيلات العالمية لأهم العلامات التجارية، وعلى رأسها شركة المشروبات الباردة "كوكاكولا"، بجانب توكيلات السيارات والآليات الثقيلة الحصرية، مثل كاتربيلر وميتسوبيشي، وغيرها من العلامات.

وتثير ثروة أسامة داوود الكثير من التساؤلات لدى العديد من المتابعين، حيث يطرح صعود شركاته وهيمنتها على السوق السودانية في فترة حكم النظام البائد العديد من الأسئلة، وهي الأسئلة التي عادت للطفو إلى السطح عقب الأنباء التي نقلتها رويترز على لسان صاحب مجموعة دال، والتي كشفت عن تفاهمات بين سلطة الانقلاب في السودان ودولة الإمارات لإنشاء ميناء جديد في بورتسودان، بشراكة مع أسامة داوود.

تثير ثروة داوود الكثير من التساؤلات.. وهي التي عادت للطفو إلى السطح عقب تصريحاته المثيرة للجدل عن شراكته مع الإمارات لبناء ميناء في بورتسودان

وتقول السير الذاتية للرجل الغامض شحيح الظهور في الإعلام، إنه ولد في نيسان/أبريل من العام 1951، ودرس بالخرطوم الابتدائية، ثم الأميرية الوسطى، ثم الخرطوم الثانوية، بعدها سافر للمملكة المتحدة حيث درس إدارة الأعمال. وتعرض هذه السير الشحيحة للرجل، قصة ورثته وإخوته لشركة والدهم للمعدات الثقيلة، وتطويرها للمجموعة الحالية الضخمة مترامية الأطراف في البلاد.

وبحسب حوار صحفي نادر للرجل، فإن اسم المجموعة "دال" يأتي من اسم مؤسسها والده داوود عبداللطيف، حيث انبثقت نشاطاتها عن شركة الوالد للمعدات الثقيلة، لتتوسع في مجالات توكيلات السيارات والمعدات، ولتدخل بعدها في مجال الصناعات الغذائية. وترتكز المجموعة حاليًا على عدة أقسام تفاصيلها كما يلي:

المجموعة الهندسية

وهي التي تمتلك توكيلات كاتربلر ومرسيدس وميتسوبيشي وكيا في السودان، بالإضافة لعملها في الأنشطة الهندسية المختلفة.

مجموعة الصناعات الغذائية

وهي المجموعة ذات المنتجات الأكثر انتشارًا في البلاد، حيث تندرج تحتها مؤسسة سيقا للمنتجات الغذائية والتي تدير مطاحن الغلال وتنتج المعكرونة ومشتقاتها، بجانب مصانع الأعلاف ومصانع ألبان "كابو" ومشتقاتها، ومصنع دال للصناعات الغذائية الذي ينتج المياه المعدنية والعصائر والمشروبات وعلى رأسها الماركة المميزة "كوكاكولا".

وتتبع لمجموعة الصناعات الغذائية بيوت محمية وحظائر أبقار ومزارع في شرق النيل بالعاصمة الخرطوم، وأبوحمد وحلفا القديمة في شمال السودان. 

مجموعة التطوير والاستثمار العقاري

وهي التي تدير منطقة المقرن التجارية المركزية، بجانب شركة سوبا للتطوير العقاري وغيرها من المشاريع العقارية في البلاد.

أوزون ومدارس كيكس

تمتلك دال أيضًا مطعم أوزون الشهير وسط الخرطوم، والذي يعد الوجهة المفضلة للعديد من الهيئات الدبلوماسية والسياح، كما تمتلك المجموعة مدارس كيكس (Khartoum International Community School) بالخرطوم، وهي أيضًا المفضلة لأبناء البعثات الدبلوماسية وكبار المسؤولين والأثرياء في البلاد.

صعود محيِّر

صعود أسامة داوود وشركاته التي "ولدت كبيرة"؛ محير على أقل تقدير، وذلك إن أحسنّا الظن. بالذات في ظل نظام الإنقاذ الذي حكم البلاد طوال فترة توسع وازدهار ثروة الرجل، وهو النظام الذي عرف بالفساد الذي سيطر على شتى مفاصل البلاد، وتسبب في هجرة رؤوس أموال كبيرة وراسخة من البلاد، وعزوف أخرى عن الاستثمار تفاديًا للمخاطر الجمة التي تتخلل العمل تحت نظام دكتاتوري متسلط يسيطر صقوره على الاقتصاد ومنافذ ومداخل البلاد بقبضة حديدية راكمت ثروات أساطينه وقللت من فرص منافسيهم. بالإضافة للحظر العالمي الذي رزح السودان تحت نيره لعقود طويلة مقيدًا الاقتصاد بالعقوبات الأمريكية، بجانب الاضطرابات مع دول الجوار التي لازمت حكم النظام البائد، الأمر الذي تسبب في هزّات اقتصادية كبيرة، خصوصًا فترة الحرب الأهلية في الجنوب وإقليم دارفور، ولاحقًا استقلال دولة جنوب السودان آخذة معها جُل الموارد النفطية للبلاد.

علاقة مريبة مع نظام الإنقاذ

صعد أسامة داوود في ظل علاقة متذبذبة ولكن راسخة مع نظام الإنقاذ، وكان النظام قد دأب على تمكين سدنته في مفاصل الدولة والاقتصاد السوداني، وتمكن من ذلك في أغلب الأحوال. ولكن بالنسبة لحالة أسامة داوود حصل العكس، فتمكن الرجل -رغم عدم ولائه ظاهريًا للنظام- من جمع ثروة ضخمة، مع حفاظه على علاقة تجارية بالحكومة، بجانب توفير سيارات للقوات النظامية والمؤسسات الرسمية عبر توكيلاته المتعددة.

https://t.me/ultrasudan

التساؤلات بخصوص ثروته متعددة، وعلاقته المريبة المواربة مع نظام البشير زاوية واحدة من زوايا الحيرة بخصوص الرجل الغامض الأغنى في السودان، غض النظر عن تاريخ أسرته، والاتهامات التي تطالهم فيما يتعلق بقضية السد العالي الذي أغرق آثار السودان، ورحّل النوبيين من أراضيهم التاريخية.

الميناء الإماراتي في بورتسودان

ويظهر أن أطماع أسامة داوود لا حدّ لها، ويبدو أن التعاون مع الدكتاتوريات العسكرية هي طريقة عمله المفضلة، حيث فاجأ داوود السودانيين في الأيام الماضية بتصريحات مطولة على غير عادته، لوكالة رويترز للأنباء، عن اشتراكه في مشروع إماراتي مع السلطة الانقلابية في السودان، بقيمة ستة مليارات دولار، لإنشاء ميناء جديد "ينافس الميناء الوطني" بحسب ما نقلت رويترز، في استمرار للمشروع الإماراتي التوسعي في البحر الأحمر، حيث تظل الموانئ السودانية هي الموانئ الأخيرة التي لم تسيطر عليها في هذا البحر، وذلك بسبب مقاومة جماهيرية امتدت منذ فترة حكم النظام البائد، رفضًا للخصخصة والأطماع الإماراتية في بحر السودان، هذه الأطماع التي لم تغادر الغرف السرية والاجتماعات المغلقة خوفًا من ردة الفعل الشعبية حتى في ظل القبضة الأمنية المحكمة لنظام الإنقاذ، إلى أن أتى داوود بتحالفه مع المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في العام 2021، ليعلن عن الصفقة التي تعني فيما تعني "تدمير الموانئ الوطنية"، بحسب تعبير رئيس النقابة البديلة لهيئة الموانئ البحرية في حديث سابق لـ"الترا سودان".

أسامة داوود وعمر البشير
رجل الأعمال أسامة داوود والرئيس السابق عمر البشير

داوود أعلن في تصريحاته لرويترز، أن الإمارات ستقدم في مشروعها الذي سيكون شريكًا فيه؛ حزمة استثمار بقيمة ستة مليارات دولار في السودان، مقابل الميناء، بجانب مشروع زراعي ومنطقة تجارة حرة، كل ذلك مقابل وديعة بقيمة (300) مليون دولار ستذهب لبنك السودان.

تأتي هذه الأموال لتنقذ المجلس العسكري الذي واجه احتجاجات شعبية كبيرة في الداخل، ومقاطعة اقتصادية عالمية رفضًا للانقلاب الذي أطاح بالحكومة الانتقالية، وقطع مسار التحول الديمقراطي في البلاد، حيث تم التوافق على الخطوط العريضة للصفقة، خلال زيارة قام بها البرهان مؤخرًا إلى أبوظبي.

تفاهمات سرية ومعارضة جماهيرية

تصريحات صاحب مجموعة دال لرويترز أكدت أن التفاهمات حول المشروع وصلت "مراحل متقدمة"، حيث اكتملت الدراسات والتصاميم -على حد قوله، غض النظر عن المعارضة الكبيرة لمثل هذه المشاريع في البلاد، حيث يعتمد الآلاف في ولاية البحر الأحمر على الموانئ، والتي يعمل بها بشكل مباشر أكثر من (16) ألف عامل وموظف، سيكون مصيرهم التشريد في ظل المنافسة غير العادلة التي سيطرحها الميناء الإماراتي الجديد.

توسع دال والإمارات في السودان لن يتوقف على ولاية البحر الأحمر، حيث قالت رويترز إن (1.6) مليار دولار من الحزمة الإماراتية، ستذهب لتوسيع وتطوير مشروع دال الزراعي في أبوحمد شمالي البلاد، حيث سيتم تأجير أكثر من أربعمائة ألف فدان للشريكين لزراعة المحاصيل النقدية. في وقت أكد فيه مسؤولون بالحكومة الانتقالية المحلولة، أن نسخة مختلفة من الحزمة الإماراتية كانت قد عرضت عليها، لكنها لم تتقدم لتحفظات عليها، بحسب ما نقلت رويترز.

نشرت شركة موانئ أبوظبي عقب تصريحات داوود توضيحًا للسوق تقول فيه، إنها لم توقع أي اتفاقات فيما يخص مشروع الميناء بعد

وعقب ردة الفعل الكبيرة محليًا وعالميًا من المهتمين على خلفية تصريحات الرجل، نشرت شركة موانئ أبوظبي توضيحًا للسوق تقول فيه، إنها لم توقع أي اتفاقات فيما يخص مشروع الميناء بعد، وأن الأمر ما يزال في مرحلة المناقشات مع السلطات في الخرطوم.

ولكن يظل السؤال، بأي حق يبيع عبداللطيف ويشتري في الأراضي والموانئ السودانية لدولة أجنبية؟ ربما كانت هذه طريقة عمله القديمة في التعاون مع الدكتاتوريات العسكرية لتحقيق أطماعه على الرغم من الثروة المهولة التي تمكن من جمعها في أصعب الأزمنة التي مرّت بها البلاد، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستمكنه من تحقيق طموحاته دون اكتراث بردة الفعل الشعبية، ولا المصالح السيادية العليا للبلاد.

يستمر أسامة داوود في تعاونه مع العسكر في السودان، هذه المرة مع حليف أجنبي له أطماع قديمة في البحر الأحمر والموانئ الوطنية. يقوم بذلك مستندًا على ثروة كبيرة وشبكة علاقات واسعة يعتقد أنها ستحميه من ردة فعل السودانيين. وفوق كل ذلك، تأتي تصريحاته في وقت تستعد فيه الجماهير للإطاحة بالمجلس العسكري الشريك الثالث في الصفقة الإماراتية، كأنها قشة قد تنقذ الاقتصاد الغارق في بحر من الأزمات التي فاقمها الانقلاب، وربما هو يسارع للتصريح الآن لأنه يعلم أن مثل هذا المشروع بشكله  الذي أعلن عنه لا يمكن أن يقوم في البلاد إلا في ظل نظام دكتاتوري، يُسكت الرافضين بالبندقية.