25-يونيو-2022
عاملون بمنظمة الفاو يوزعون الغذاء على المحتاجين في السودان

السودان.. اضطرابات سياسية وأزمة جوع تلوح في الأفق

تحذيراتٌ متواليةٌ تُطلقها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" بنُذْر أزمة جوع في السودان. المنظمة قالت في تقييمٍ جديدٍ صدَر في 16 من حزيران/ يونيو الجاري إن هناك "تزايدًا مُقلقًا للجوع". ويُواجه حاليًا (15) مليون شخص في السودان (ثلث السكان) انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي – بحسب المنظمة.

"الفاو": قد ينزلق ما يصل إلى 40% من السكان أو حوالي 18 مليون شخص إلى انعدام الأمن الغذائي

آثار مجتمعية

وقال ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في السودان إيدي رو: "إن الآثار المجتمعية للنزاع والصدمات المناخية والأزمات الاقتصادية والسياسية وارتفاع التكاليف وضعف إنتاجية المحاصيل، تدفع بملايين الناس إلى مزيدٍ من الجوع والفقر".

ويُرجّح التقييم استمرار حالة الأمن الغذائي "المُقلقة" طوال موسم الجفاف في السودان الذي بدأ في الشهر الجاري حزيران/ يونيو وسيستمر حتى أيلول/ سبتمبر المقبل. وبحلول ذلك الوقت قد ينزلق ما يصل إلى (40%) من السكان أو حوالي (18) مليون شخص في السودان إلى "انعدام الأمن الغذائي" - حسب تقديرات المنظمة.

وقال ممثل منظمة الأغذية والزراعة في السودان باباغانا أحمدو: "في حصاد عام 2021 - 2022م كان السودان قادرًا على إنتاج ما يكفي لتغطية احتياجات أقلّ من ثلثي السكان"، مضيفًا أنه إذا لم يتلقَّ الموسم الجاري "دعمًا قويًا" من خلال المدخلات الزراعية وخدمات الثروة الحيوانية، فإنّ عدد الأشخاص "غير الآمنين غذائيًا" قد يرتفع بصورة كبيرة إلى مستويات "غير مسبوقة" ويؤدي في النهاية إلى مزيدٍ من الصراع والنزوح – على حد قوله.

ويُظهر التقييم الشامل للأمن الغذائي وهشاشة الأوضاع وجود "انعدام الأمن الغذائي" في جميع ولايات السودان البالغ عددها (18) ولاية، وازداد الوضع سوءًا في (16) ولاية، وتقع المحليات العشر الأكثر تضررًا في منطقة دارفور.

https://t.me/ultrasudan

وكانت المحلية الأكثر تضررًا -وفقًا للتقييم- هي "كرينك" في غرب دارفور، حيثُ أودت النزاعات المتجددة في نهاية نيسان/ أبريل الماضي بحياة ما لا يقلّ عن (179) شخصًا ونزوح (125) ألفًا آخرين، فيما يعاني (90%) من سكان "كرينك" من انعدام الأمن الغذائي.

تداعيات الحرب في أوكرانيا

وحذّرت "الفاو" من أن الوضع يبدو "قاتمًا" بالنسبة إلى الملايين، حيث تتسبب الحرب في أوكرانيا في مزيدٍ من الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، خاصةً مع اعتماد السودان على واردات القمح من منطقة البحر الأسود.

وقالت: "سيؤدي انقطاع تدفق الحبوب إلى السودان إلى ارتفاع الأسعار وزيادة صعوبة استيراد القمح". وتبلغ الأسعار المحلية للقمح حاليًا –بحسب المنظمة- أكثر من (550) دولارًا للطن - بزيادة قدرها (180%) مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2021م.

وعلاوةً على ذلك، فإن الارتفاع الحالي في أسعار الأسمدة في الأسواق العالمية سيؤثر حتمًا في قدرة السودان على الاستيراد، ما قد يُعرِّض المحاصيل الحالية والمستقبلية في البلاد للخطر.

الصراعات العالمية

قال المهندس الزراعي عمار حسن بشير من إدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة لـ"الترا سودان": إنّ العالم يسوده كثير من التغيرات العالمية والصراعات التي أثّرت في إمدادات الغذاء العالمية، وأهمها الصراع الروسي الأوكراني الذي أثّر بصورة مباشرة على الإمدادات الغذائية.

وأضاف: "هذا أحد الأسباب التي يمكن معالجتها وتلافيها باستخدام المخزون الإستراتيجي، حيثُ تتدخل الدولة في بداية الموسم في الشراء عبر جهاز المخزون الإستراتيجي، أي يمول المخزون الإستراتيجي مباشرةً عبر شراء فائض الإنتاج بعد الاستهلاك من المزارعين أو المنتجين مباشرةً". ويتم هذا –بحسب عمار- في بداية المواسم الزراعي، حيث يتوافر المحصول وتنخفض أسعاره، ولكن ليس لدى الدولة مخزونٌ إستراتيجيٌّ تستطيع من خلاله مواجهة آثار الحروب والصراعات العالمية بصورة فعّالة.

وحول التحذيرات الصادرة من المنظمات الأممية بنُذْر أزمة جوع في السودان، قال عمار: "السودان لن يواجه مجاعة، بل ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية ليس إلا"، مضيفًا أنّ الفجوات الغذائية والنقص الغذائي "طبيعي حتى في الأوضاع الطبيعية".

المخزون الإستراتيجي

وقال عمار في حديثه لـ"الترا سودان": إن المخزون الإستراتيجي السوداني أحد أهم أعمدة البنى التحتية في توفير الغذاء في الدولة، وهو الآن –طبقًا لعمار- إدارة بداخل البنك الزراعي السوداني. ويضيف عمار أن الدولة لم تهتم بالمخزون الإستراتيجي حاليًا والدليل على ذلك أنها جعلته مجرد إدارة عامة داخل البنك الزراعي.

خضروات

ويرى عمار أن المخزون الإستراتيجي يجب أن يحظى باستقلالية كبيرة حتى يتم "تقصير الظل الإداري" بينه وبين الجهات الممولة كوزارة المالية الاتحادية.

وأضاف: "أخطر ما تم تداوله من دون أي نفي من الجهات الرسمية في السودان أن هناك عمليات تلاعب في المخزون الإستراتيجي، وأنهُ تم بيع المخزون لمنظمة أممية تعمل في مجال الغذاء لتبيعه لدولة أجنبية".

ودعا عمار إلى التركيز على الإنتاج مع تخفيض الاستهلاك وترشيده والتخزين الإستراتيجي. وقال: "هذه العمليات، بهذا الترتيب، كفيلة بتجنيب البلاد أيّ مزالق أو فجوات غذائية كبيرة مستقبلًا".

وفي 15 حزيران/ يونيو الجاري أصدر بنك السودان المركزي منشورًا بتمويل شراء القمح المنتج محليًا، ووجّه بالسماح للمصارف بتمويل المطاحن لشراء القمح من المنتج المحلي مُباشرةً، والسماح بشراء القمح عبر فروع البنك الزراعي السوداني لصالح المخزون الإستراتيجي. ووصف عمار حسن في حديثه لـ"الترا سودان" الخطوةَ بـ"المتأخرة" لبناء المخزون الإستراتيجي.

أسباب سياسية واقتصادية

الصحفية المتخصصة في الشأن الاقتصادي نازك شمام قالت لـ"الترا سودان": إن التحذيرات التي أطلقتها منظمة الفاو عن توقعاتها بحدوث فجوة غذائية بالسودان، "ربما لا تكون لأسباب مناخية"، أُسوةً بما يحدث في دول العالم الأخرى، حيثُ تؤثر تقلبات المناخ في عدم إنتاج المحاصيل الاستهلاكية بصورة تكفي الاستهلاك، فترتفع الأخيرة عن معدلات الطلب، مشيرةً إلى أن "الأسباب في السودان سياسية واقتصادية بحتة".

وأضافت نازك: "الأوضاع التي يمرّ بها السودان جعلت المواطنين يعيشون ظروفًا معيشية بالغة التعقيد منذُ بداية العام الحالي ودخول موازنة العام 2022 حيز التنفيذ"، منوّهةً بأن الموازنة لجأت إلى المواطن بصورة مباشرة لتمويل عجز الإيرادات الناجم عن توقف الدعم الدولي بعد إجراءات البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فضلًا عن تدهور الإنتاج النفطي وانخفاض قيمة الصادرات السودانية – بحسب نازك.

الإنتاج المحلي

وتضيف نازك في حديثها لـ"الترا سودان" عاملًا آخر من العوامل التي قادت إلى تحذيرات الفاو بدخول ما يقدر بنسبة (40%) من السودانيين ضمن الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية، مشيرةً إلى ما يحدث في ملف الإنتاج المحلي من القمح وعجز الحكومة عن الإيفاء بوعودها للمزارعين بشراء جوال القمح بسعر (43) ألف جنيه، ما يساهم في عزوف المزارعين عن زراعة القمح مستقبلًا – حسب ما تقول نازك.

نازك الشمام: الحلول في الوقت الراهن غير مجدية في ظل ضبابية الأوضاع السياسية

وأوضحت: "يحدث هذا تزامنًا مع الصراع بين دولتي روسيا وأوكرانيا التي يستورد منهما السودان ما يقدر بنحو (80%) من حاجته من القمح".

وترى نازك أن الحلول في الوقت الراهن تبدو "غير مُجدية" في ظل ضبابية الأوضاع السياسية وعدم وجود حكومة معينة تستطيع أن تجذب وتهيئ البيئة الاستثمارية لجذب مشروعات كبيرة للأمن الغذائي.