انطلق العام الدراسي في عدد من ولايات السودان، بما في ذلك الولاية الشمالية وغرب كردفان وولاية سنار، في ظل تصاعد الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني. أدى هذا الصراع إلى توقف قطاع التعليم عن العمل تمامًا، مما أثر بشكل مباشر على الطلاب والمعلمين. حيث تواجه عملية انطلاق العام الدراسي في البلاد العديد من التحديات، ويبقى السؤال حول كيفية تأثير ذلك على بقية الطلاب النازحين وكيف كانت تجربتهم في أيامه الأولى؟
مواطن لـ"الترا سودان": النازحون المتواجدون في المدرسة قاموا في اليوم الأول برشق المعلمين بالحجارة رفضًا لاستئناف الدراسة
ويقول الطاهر صلاح المقيم في ولاية سنار، إن مخرجات اجتماع اللجنة الأمنية بالولاية مع قطاع التعليم أوصت بفتح المدارس في الخامس عشر من شهر أيار/مايو الجاري، بالإضافة إلى وضع حلول للنازحين المتواجدين في المدارس، بحيث يتم جمعهم بمدرسة واحدة في الفترة الصباحية، وتدريس الطلاب في المدرسة الأخرى.
رشق بالحجارة
وأشار صلاح، في حديثه مع "الترا سودان"، إلى أن هذه المعالجة لم تنجح بسبب عدم قدرة السلطات على تحديد أوقات محددة لنقل النازحين والطلاب في الفترتين الصباحية والمسائية بين المدرستين، مؤكدًا على استئناف طلاب المدارس الخاصة فقط لأيامهم الدراسية في مطلع الأسبوع الجاري، مشيرًا إلى وجود تحديات تواجه الطلاب فيما يتعلق بمواصلة العام الدراسي والجوانب النفسية والاجتماعية.
وأوضح الطاهر صلاح، أن المدارس الحكومية لم تستطع فتح أبوابها، ولم يباشر المعلمون والطلاب يومهم الدراسي في الموعد المحدد سابقًا، مبديًا استياءه لعدم وجود حركة في السوق لشراء احتياجات المدرسة، وغياب فرحة الطلاب ببداية العام الدراسي، ولكنه عاد ليقول إن هناك بعض المدارس الحكومية حاولت فتح أبوابها للتلاميذ، لكن النازحين في المدرسة قاموا في اليوم الأول برشق المعلمين بالحجارة رفضًا لفتح المدارس.
ويرى أن استقرار العام الدراسي غير ممكن في هذه الأيام، بسبب عدم وجود آلية لنقل النازحين من المدارس، ويعتقد أنه في ظل الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي تواجه الولاية، فإن قرار لجنة أمن الولاية غير موفق، وطالب بضرورة معالجة مشاكل النازحين قبل فتح المدارس، بالإضافة إلى إعادة ترتيب وصيانة المدارس، حيث لا تزال غير مهيئة لاستقبال الطلاب.
ازدحام الفصول
فيما ذهب أحد المعلمين في محلية مروي فضل عدم الإفصاح عن هويته، إلى أن المحلية مقسمة إلى خمس وحدات إدارية، وأضاف أنه في وحدة كريمة على مستوى المرحلة الثانوية تم تجزئة البنين لثلاثة أيام والبنات لثلاثة أيام أخرى، في مدرسة كريمة الثانوية للبنين.
ويرى المعلم في حديثه مع "الترا سودان" أن اليوم الأول للطالبات شهد تكدسًا كبيرًا بسبب العدد الكبير للطالبات، مما دفعهم إلى فتح مكاتب إضافية لتحويلها إلى فصول دراسية، وأشار إلى الصعوبات التي واجهوها والتي تتمثل في عدم توفر الكتب المدرسية ونقص الأثاث وعدم قدرتهم على شراء مستلزمات الدراسة، بالإضافة إلى تذبذ التيار الكهربائي.
ويقول إن مشكلة النازحين الذين يقيمون في المدارس كمراكز إيواء لم تُعالَج، مما أدى إلى تأجيل الدراسة في مدارس وحدة كريمة المرحلة الابتدائية والمتوسطة حتى إشعار آخر، مشيرًا إلى أن المدارس حاولت استيعاب الطلاب النازحين، ولكنه عاد ليقول إن هذا الوضع يؤثر على جميع الطلاب بسبب الازدحام، وعدم الراحة في الجلوس وعدم الاستيعاب الجيد، ما يجعل من توصيل المعلومات والتفاعل مع الطلاب أمرًا صعبًا للمعلم.
الوضع النفسي للطلاب
أما أخصائي الصحة النفسية والعلاقات الأسرية الدكتور يوسف محمد الحسن، فيقول إن عملية فتح المدارس تتطلب وقفة جادة. فرجوع الأطفال بعد انقطاعهم لفترة طويلة عن الدراسة يشكل خطرًا كبيرًا على الصعيد الأكاديمي والنفسي، خاصةً في ظل الحروب، حيث يفتقرون للشعور بالأمان، ومن الصعب تنظيم عملية تعليمية في ظل الخطر الوشيك ووسط أصوات المدافع، حد قوله.
وأشار الحسن في حديثه مع "الترا سودان" إلى إصابة أولياء الأمور بحالة من القلق تجاه أبنائهم وقت الدارسة، بالإضافة إلى تأثير الوضع الاقتصادي على الأسر في ظل استمرار الحرب. وقال في حال قررت السلطات فتح المدارس، فيجب أن تكون هذه الخطوة مصحوبة بإجراءات لتخفيف الضغوط الاقتصادية على أولياء الأمور من خلال إعفاء الرسوم ودعم الطلاب بكل السبل الممكنة.
وأضاف أن عملية الاستيعاب تحتاج إلى استقرار وأمان، وفي حال عدم توفرهما، تصبح العملية التعليمية غير مجدية. ووصف الحسن الوضع النفسي بأنه خطير بالنسبة للطلاب، حيث تواجههم تحديات وصعوبات في المنزل وبيئة الدراسة. وإذا لم تكن المدارس مصحوبة بدعم الدولة، فإن السلطات ستجبر الأسر على مواجهة مشاكل جديدة. طبقًا لـ"الحسن"
وطالب د. يوسف محمد، وزارة التربية والتعليم بأن تراعي لظروف الأسر، بالإضافة إلى ضرورة توفير المرشدين النفسيين في المدارس، لأن الطلاب وأولياء الأمور يحتاجون إلى دعم نفسي كبير لتجاوز هذه الفترة، وشدد على أهمية تعامل الدولة بمسؤولية مع أسر الطلاب ودعمها ماديًا ومعنويًا.
أوضاع الطلاب النازحين
أما المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، يصف قضية استئناف العام الدراسي عن طريق التجزئة بانه خطأ فظيع ويقود إلى تقسيم البلاد وحرمان عدد كبير من الطلاب في مناطق النزاع من نصيبهم في التعليم، وطالب السلطات بالسودان بسياسات عادلة وشاملة وتتسم بالمساواة تجاه قطاع التعليم.
المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر لـ"الترا سودان": استئناف العام الدراسي عن طريقة التجزئة خطأ فظيع ويقود إلى تقسيم البلاد وحرمان عدد كبير من الطلاب من نصيبهم في التعليم
وطالب الباقر في حديثه مع "الترا سودان" السلطات بمراعاة ظروف الحرب بالبلاد، وأضاف أن هناك بعض المناطق التي يمكن استئناف الدراسة فيها، وبعضها يصعب بها استئناف العملية التعليمية إلا باتخاذ إجراءات محددة، مثل فتح المسارات الآمنة والمدارس والمنازل الآمنة. وقال إن الدولة يجب أن تسعى لضمان أن تكون العملية التعليمية متاحة لجميع السودانيين دون استثناء.
وشدد المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، على ضرورة وجود آلية لفتح المدارس بطريقة أو بأخرى، والاستفادة من تجارب العالم الخارجي في حال عدم توقف الحرب في السودان. وأضاف أن الطريقة المثلى هي وقف الحرب لتستمر العملية التعليمية في جميع ولايات السودان، مؤكدًا على أن السلطات يحق لها استئناف العملية التعليمية ولكن بمراعاة الطلاب الذين لا يمكنهم ممارسة العملية التعليمية في مناطقهم بسبب النزاع، وتابع: "نحن ملتزمون بحق جميع التلاميذ في التعليم".