ينتظر مئات العمال شاحنة تتوقف على رصيف الميناء الشمالي في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر شرق البلاد، ضمن عمليات شبه يومية لتحميل البضائع إلى العاصمة والولايات.
لم تكن موانئ السودان بعيدة عن الأطماع في استثمارها من قبل الدول في المحيط الإقليمي، خاصة في العامين الأخيرين، بينما تؤدي الاضطرابات السياسية والاحتجاجات الشعبية ضد العسكريين إلى تأجيل تفاهمات حكومية في هذا المضمار نتيجة لحالة "انعدام اليقين".
كانت الموانئ تمثل موردًا حكوميًا مهمًا ولكنها الآن تغيب عن الخارطة لأنها "بحاجة إلى إصلاحات عميقة"
ومنذ كانون الثاني/يناير الماضي طرحت الإمارات على المسؤولين السودانيين بناء موانئ جديدة في أبوعمامة الواقعة شمال بورتسودان، لكن هذا الطلب الذي تميل السلطة في الخرطوم للاستجابة له، يجد معارضة كبيرة وسط السودانيين والفئات العمالية والحقوقية وكذلك الشعوب المحلية في البحر الأحمر.
وقال أيمن وهو مخلص جمركي في موانئ بورتسودان لـ"الترا سودان"، إن الموانئ هنا بحاجة إلى إصلاحات عميقة لأن فكرة الاستثمارات تعني تجفيفها، وبالتالي تسريح آلاف العمال بلا عمل في ولاية لا توجد فيها فرص توظيف.
وتشكل التهديدات الصادرة من زعماء القبائل بإغلاق الطرق المؤدية إلى الموانئ الرئيسية على ساحل البحر الأحمر، بعضًا من المخاطر التي تواجه هذه الاستثمارات، ويقول المستثمرون ورجال الأعمال إن هذه التهديدات تأخذ على محمل الجد.
الشهر الماضي حاولت "شركة ميرسك" تقليص استثماراتها وأعمال الشحن في السودان بسبب التهديدات القبلية، لكن مسؤولين بثوا تطمينات إلى هذه الشركة التي تراجعت عن خطة التقليص.
ويقول بدر خلف الله وهو محلل متقاعد من هيئة الموانئ البحرية لـ"الترا سودان"، إن الموانئ السودانية قد تدر ملياري دولار إذا وجدت المخلصين ممن يهتمون بزيادة الريع الحكومي، لكن عندما تفكر في طرحها للاستثمارات الأجنبية فإنك تهزم هذه الخطط.
وأضاف: "هناك دول الجوار التي تتخوف من انتعاش الموانئ السودانية لذلك لديها تأثير على الوضع السياسي للتحكم في الموانئ السودانية وإضعافها"، مشيرًا إلى أن التفكير أن الموانئ لن تنهض إلا عبر الاستثمارات الأجنبية "وهم كبير".
ويوضح خلف الله أن الموانئ السودانية كانت تحقق إيرادات سنوية بلغت نصف مليار يورو في العامين الماضيين، وانخفضت مع تأثر الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية وبالتالي تراجع الاستيراد بنسبة (40)%.
وتابع: "لم يعد السودان يستورد سنويًا بقيمة (10) مليار دولار كما كان يحدث قبل خمسة أعوام، لذلك توقف الدولار الأمريكي في السوق الموازي في حدود (580) جنيهًا لانخفاض الاستيراد".
ويأمل السودان في بناء شبكة قطارات بين موانئ بورتسودان وغرب البلاد في الحدود مع تشاد، وهي ممولة من منظمة التعاون الإسلامي بقيمة (15) مليار دولار وفق الصفقة التي وقعت منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في العاصمة الخرطوم.
ويوضح أيمن وهو متعامل جمركي، أن حركة الشحن والتفريغ ليست كما كانت في مطلع العام 2021، حيث أدى الإغلاق العام الماضي إلى تقليص الاستيراد والصادرات. "أعتقد أنهم يشعرون بالندم" يقول أيمن.
بإمكان خطة حكومية لتحقيق إصلاحات في الموانئ السودانية شرق البلاد أن ترفع مستوى دخل الفرد في البحر الأحمر
وبإمكان خطة حكومية لتحقيق إصلاحات في الموانئ السودانية شرق البلاد أن ترفع مستوى دخل الفرد في البحر الأحمر إلى أكثر من (10) دولارات يوميًا، بحسب ما يقول بدر خلف الله.
وأردف: "هل لدى الحكومة أو صانع القرار خطة أو مجرد تفكير لرفع دخل الفرد؟ لا أعتقد ذلك. وفي النهاية يتحالفون مع زعماء أهليين يعرقلون أي تحديث لهذه المرافق الاستراتيجية".
وقال: "في نهاية المطاف هناك دول تريد ابتلاع الموانئ السودانية دون مقابل".