03-أكتوبر-2019

استبشرت الناس باختيار ولاء البوشي وزيرة للشباب والرياضة

كان لا بُد من قراءة المشهد الرياضي بعين التغيير الذي طرأ على الدولة السودانية عقب الثورة، والتي بالتأكيد أحدثت انقلاباً، على واقِع امتد لما يُقارِب الثلاثين عاماً لم تنجُ الرياضة بكافة ضُروبها ومناحيها من سياسات التمكين التي انتهجها النظام السابق، لا وبل وركز بصورة أكبر على المشهد الرياضي لمعرفته التامة بقيمة الرياضة الجماهيرية، فاستهدفها على اعتبار أنها تمثل كتلة صماء يمكن أن تنضم بسهولة لقاعدته الحزبية، لعلمه بتأثير تلك الجماهير على المشهد العام في السودان.

لم تنجُ الرياضة في السودان بكافة ضُروبها ومناحيها من سياسات التمكين التي انتهجها النظام السابق في واقع امتد لما يقارب ثلاثين عامًا 

نقرأ هذا المشهد الرياضي وفي بالنا سني حكم المؤتمر الوطني البائد، الذي اختار أن يعطي الشباب والرياضة داخل حزبه أمانة تنظيمية منفصلة، معنية بهذا المشهد ويُطلِق لها "عضلاته" السياسية، لتستخدما في تنفيذ كُل ما يساعدها في التمكين لعناصره ومنسوبيه الناشطين في المشهد الرياضي السوداني.

لم تكُن أمانة الشباب والرياضة في الحزب الحاكِم وقتها إيماناً من الحزب بدور الشباب كطاقات إيجابية في بناء الوطن، ولا بالرياضة وأهلية وديمقراطية إدارتها، بدليل أن كُل سياسات "التمكين" التي مورست، والإنفاق اللامحدود على سياسات الأمانة المُشار إليها، واستحداث أجسام "موازية" للجسم الذي كان من المفترض أن يشرف على المشهد الشبابي والرياضي في السودان وزارة الشباب والرياضة، كإتيانه بما يسمى "الاتحاد الوطني للشباب السوداني"، لم تشفع للحزب الحاكم عندما آن أوان التغيير، لتقوم الثورة السودانية على أكتاف الشباب، كنتاج طبيعي لإهمالهم  وتقديم مصلحة الحزب وأجندته على المصلحة الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا: المؤسسات الإعلامية والصحفية.. مهام المرحلة وصلاحيات الوزير

ظلت تلك الأمانة في حزب المؤتمر الوطني هي المُتحّكِم في رسم المشهد الرياضي في السوداني، من خلال استغلال النفوذ  السياسي للتأثير على مسار أهلية وديمقراطية العمل الرياضي، والذي أكدت عليه كل القوانين واللوائح في المنظمات الدولية والإقليمية، فكان أن تدخل الحزب عبر الأمانة المشار إليها في انتخابات كل الهيئات الرياضية، ليُرسَم المشهد حسب تصوراته هو، لتمكين منسوبيه من إدارة المجالس الرياضية والوزارات ومجالس إدارات الأندية والاتحادات، دون أدنى اكتراث لتعارض هذه الممارسة مع المسار الطبيعي لأهلية وديمقراطية العمل الرياضي .

كان للسلوك "السياسي" المُشار اليه في المشهد الرياضي الأثر السالب المُشابه لكل آثار سياسات النظام الحاكم، على بقية مناحي الحياة في السودان، سواء كان ذلك اقتصادياً أو سياسياً، فتراجعت الرياضة السودانية وغابت عن المحافل الرياضية الدولية والإقليمية، وعن منصات التتويج والمشاركة في المنافسات الدولية والاقليمية كنتيجة طبيعية لعدم توفُر الوعي بقيمة الرياضة كدبلوماسية شعبية.

استبشرت الناس خيراً باختيار المهندسة ولاء البوشي وزيرة للشباب والرياضة، من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير في الفترة الانتقالية المحدودة والمحددة بثلاث سنوات، وهو اختيار يضعها أمام تحدٍ كبير وفي مواجهة ملف صعب وبالغ التعقيد ولا تقل أهميته عن الملف الاقتصادي والسياسي في السودان.

وزارة الشباب والرياضة في الوضع الانتقالي تحتاج لأن تُبنى استراتيجيتها على مُراجعة الإطار القانوني الحاكِم، والذي شهد اختلالات كبيرة أوجدها قانون "هيئات الشباب والرياضة" للعام 2007 والتعديلات التي طرأت على قانون 2016، والتي أوصلت السودان لمستوى المواجهة المباشرة مع المؤسسات الدولية، كالاتحاد الدولي لكرة القدم "FIFA" كمثال، باعتبار أن مواده تُكرّس للتدخُل السياسي في الشأن الرياضي، وتتعارض بشكل أساسي مع "النظام الأساسي" المجاز لتنظيم لُعبة كرة القدم في العالم، الأمر الذي أثر بشكل سالب على النشاط الرياضي في السودان، ووضعه تحت "سيف" عقوبات التجميد.

الرياضة في الوضع الانتقالي تحتاج لأن تضع الوزارة في اعتبارها، أن رُعاة الفساد لم يكونوا بعيدين عن المشهد الرياضي، بل كانوا أطرافاً أصيلة وفاعلة فيه، مُستفيدين من الحصانات التي ظل يوزعها الحزب الحاكم بينه وبين أصحاب المصالح المشتركة، فكان أن صار المال العام يُتداول بينهم بلا رقيب ولا حسيب.

تحتاج وزارة الشباب والرياضة لإعادة هيكلة المؤسسات الرياضية، بحيث لا يسمح بوجود أي كيانات أوجدها النظام السابق

تحتاج وزارة الشباب والرياضة لإعادة هيكلة المؤسسات الرياضية، بحيث لا يسمح بوجود أي كيانات أوجدها النظام السابق، ويتعارض وجودها والصلاحيات الأصيلة لوزارة الشباب والرياضة، ومنها تلك المؤسسات التي ظلت ميزانياتها هدراً للمال العام بالصرف والإنفاق غير المحدود، حتى يُعاد ضبط الإنفاق بما يخدم الرياضة والشباب في السودان. تحتاج الوزارة لأن تعيد تأسيس المشهد الرياضي في السوداني بحيث يقوم ابتداء على فكرة أنه نشاط أهلي تحكمه الديموقراطية في الممارسة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سؤال الأمل وأزمة القيادة في زمن الثورة

السودانيون وعبء الحرية الثقيل