01-يونيو-2022
المرضى النفسيون عرضة للأذى والاستغلال في الغالب الأعم أكثر من كونهم خطرين (NUL)

المرضى النفسيون عرضة للأذى والاستغلال في الغالب الأعم أكثر من كونهم خطرين (NUL)

في الطرقات وعلى أرصفة الشوارع، تنتشر شريحة مهمة من المجتمع، وهم مرضى الحالات النفسية. وبملابس بالية وأقدام حافية ولحى طويلة تغطي ملامح الوجه، تنتشر هذه الشريحة في الأسواق والطرق الرئيسية في مدن العاصمة والولايات، دون وجود رعاية طبية أو سند من المجتمع الذي يتخوف أفراده من الاقتراب منهم، أو تقديم المساعدة.

ويمكن أن تصنع مبادرة صغيرة وبسيطة مثل تقديم الصابون والملابس المستعملة، والكلمة الطبية، فرقًا كبيرًا في حياة هذه الفئة، كما يجب أن تتضافر جهود الدولة والمجتمع معًا، لتقديم الرعاية الطبية اللازمة.

هذه الفئة حاضرة في تفاصيل الحياة اليومية ونادرًا ما يوجد بينهم شخص عدواني

في التقرير التالي، نتتبع قضية هذه الفئة من المجتمع والتي نراها في تفاصيل الحياة اليومية، وعبر إفادات مختصين نتلمس البحث عن حلول لهذه القضية الشائكة.

صناع الأمل

بدأت مبادرة صناع الأمل في العاصمة نيالا جنوب دارفور، منذ 2020 وانتشرت بمسميات مختلفة في ولايات السودان، حيث تقوم بتقديم العون والمساعدة لمصابي الأمراض النفسية في الشوارع.

ويحدثنا العضو المؤسس للمبادرة طارق مكي، قائلًا لـ"الترا سودان": إن هذه الفئة حاضرة في تفاصيل الحياة اليومية. ووجه رسالة للمجتمع بعدم التخوف منهم، وقال: "ربما يبدو مظهرهم مخيفًا، لكن بالكلمة الطيبة يتجابون، ونادرًا ما يوجد بينهم شخص عدواني".

وأكمل: "هذه الشريحة في حاجة لمساعدة المجتمع، يمكن أن تكون المساعدة في هيئة تقديم الطعام، أو المساعدة على النظافة الشخصية، ونبذ الألفاظ الجارحة والتخويف منهم، واستبدالها بالكلمة الطيبة، والاحتواء والأمان، بكل الوسائل المتاحة لكل فرد".

وشدد مكي، على أهمية تقديم المساعدة في جانب النظافة الشخصية، لأن غيابها يمكن أن يسبب الأمراض. ودعا المواطنين إلى تفقدهم، لأن حتى حالات الموت يكتشفها أفراد من ذات الشريحة في أغلب الأحيان. ووجه في حديثه لـ"الترا سودان" رسالة إلى الأهل، بتفقد مرضاهم وإن كانوا في الشوارع، وتقديم المساعدة لهم. داعيًا الجهات الرسمية بتوفير مصحة نفسية في إقليم دارفور.

ضحايا

ويعاني المتواجدون في الشوارع من كثير من الاضطرابات النفسية، نتيجة لفقدان السند والحماية والرعاية. ويصبحون بمرور الوقت، ضحايا للمجتمع، ويمكن استغلالهم في عالم الجريمة. 

تقول اختصاصية الطب النفسي يسرا أحمد إبن إدريس، إن الفئة المنتشرة في الشوارع؛ أما مفقودون أو تعرضوا للخطف أو من نازحي الحرب أو ممن ولدوا في الشوارع. وتشرح الاضطرابات التي يمكن أن يعانوا منها بالقول: إن اضطراب ما بعد الصدمة هي العرض البارز عند المتأثرين بالحرب. ويمكن أن يورث هذا المرض، من الأم التي عانت من الصدمة إبان الحرب.

https://t.me/ultrasudan

وأشارت إلى أن البعض يعاني من مرض الفصام، الذي ينقسم لأنواع مختلفة، ويمكن أن يكون نتيجة وراثة، وفيه يشعر المريض بأن ثمة من يتآمر عليه، ومرض تعدد الشخصيات، حيث يمكن أن تصل الشخصيات إلى عشر شخصيات -والحديث ليسرا- دون أن تعترض شخصية الأخرى، ويظهر عند من ينشأ في بيئة صعبة، أو نتيجة التشرد والحرب.

وأردفت: "يعاني مريض اضطراب ما بعد الصدمة من فقدان الذاكرة، في حين تتسبب كل صدمة في فقدان جزئي للذاكرة". 

وتابعت: "بالإضافة لمشاعر الكره والنبذ وفقدان الأمل في المستقبل، يمكن أن توظف هذه الشريحة في الجرائم، ويقعون ضحايا شتى أنواع الجرائم، بداية من السرقة وحتى القتل"، وهنا -بحسب الاختصاصية النفسية- تظهر أهمية علم نفس الجريمة، ودور الاختصاصيين النفسيين في مؤسسات السجون والإصلاحيات.

دور الجهات الرسمية

وفي سياق متصل، اشتكى عدد من المواطنين الذين استطلعهم "الترا سودان"، من غياب مؤسسات الرعاية الصحية النفسية في عدد من الولايات، ما ساهم في تزايد أعداد أصحاب الأمراض النفسية في الأسواق وعلى جانب الطرقات.

وفي هذا الإطار تقول استشاري الطب النفسي فتحية شبو: إن الفئات المتواجدة في الشارع تنقسم إلى فئتين: فئة غير مصابة بالأمراض النفسية لكن تنقصها دور الإيواء، وهنا يظهر واجب الدولة؛ وفئة أخرى مصابة بالأمراض النفسية، وهم في حاجة للرعاية الطبية لتسليمهم بعد ذلك إلى ذويهم، أو إلى دور رعاية. 

وبحسب ما ترى شبو، فإن المستشفيات لا تستطيع أن توفر إقامة دائمة ومستمرة مدى الحياة للمرضى.

تسببت الأوضاع الاقتصادية وهجرة الأطباء في تزايد أعداد أصحاب الحالات النفسية في الشوارع

وتعزو أسباب انتشار هذه الفئة في الشوارع إلى المشاكل الأسرية، وعدم قدرة الأهل على توفير الرعاية الطبية، مع تواجد شريحة لا تملك حق الدواء. وفي هذه الحالة توفر الدولة خدمات الرعاية الطبية شبه المجانية، مثل مصحة عبدالعال الإدريسي، ومختلف المصحات الحكومية. 

وعزت غياب مصحات العلاج النفسي في الأقاليم مثل إقليم النيل الأزرق والولاية الشمالية، إلى هجرة الأطباء والكوادر الصحية إلى الخارج، ومضت بالقول: "نظرًا للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، لا يمكن أن نلقي اللوم كله على هجرة الأطباء".