05-نوفمبر-2020

(الترا سودان)

"حاسين بيكم" أو "إنت ما مجنون، إنت مجهول"، بهذه العبارات انطلقت فعاليات المبادرة في مدينتي الأبيض ونيالا، حيث يهتم الأعضاء بالمرضى النفسيين المشردين في الشوارع، وبأدوات حلاقة بسيطة وقليل من الشامبو والصابون، يعود المريض شخصًا آخر.

 اعتمد عبدالفضيل يوسف على مبادرات مشابهة انطلقت في دول الجوار  وقرر البدء بحملة تغيير مظهر المرضى المشردين

في مدينة الأبيض، اعتمد عبدالفضيل يوسف قوية، على مبادرات مشابهة انطلقت في دول الجوار مثل مصر وإثيوبيا، وقرر البدء بحملة تغيير مظهر المرضى المشردين، توجه إلى مسجد قريب بخطاب شخصي، وفوجئ بكمية الدعم المادي والمعنوي من أهل المسجد.

اقرأ/ي أيضًا: أحمد المصطفى.. العميد

مبادرة إنسانية

بدأ يوسف قوية بمساعدة شباب من مدينة الأبيض بتكوين المبادرة وجمع التبرعات، بحسب أن كثير من الحالات قابلة للتعافي، ويسرد لـ"الترا سودان"، أن أسباب التشرد العمى وعدم مقدرة المريض على العودة، أو إصابات جسدية حادة مثل حالة وجدت من منطقة "أبيي"، وقال إن تكلفة نظافة الفرد الواحد تقدر بألفي جنيه، وقال إن المبادرة لا تملك دارًا خاصًا بها، مع ذلك، تتم متابعة الحالات بشكلٍ دوري. ويضيف أن تغيير المظهر الخارجي يسهم في تغيير نظرة المجتمع لهذه الفئة، ويسهل عملية دمجهم داخل المجتمعات.

بدايةً بـ"مارتلو" وانتهاءً بحفل ختان

بدأ طارق مكي بالاهتمام بفئة المرضى النفسيين والمشردين منهم، عند ملاحظة كيفية الرعاية التي كان يقدمها والده لهذه المجموعات، حيث يعمل والد طارق كرئيس لقسم شرطة بمدينة نيالا، ويقدم لهم المال والطعام ويتفقد أحوالهم. 

منذ ذلك الوقت شغلت القضية ذهن طارق، إلى أن وجد شخصًا يدعى "مارتلو" من هذه الفئة وقرر مساعدته، اتصل بصديق وبدأت عملية تغيير مظهر المريض، بعد نجاح العملية توسعت الفكرة لتتضمن في مبادرة كاملة في مدينة نيالا، بدأت قبل عامٍ كامل، ونشطت في مساعدة كثير من الأفراد. 

واجهت طارق كثير من العقبات، يحدثنا عنها قائلًا: "وجدت تحذيرات من المقربين، بعدم الاقتراب من هؤلاء الأفراد خوفًا من تعرضي للأذى" وتساءل عن عدم وجود دار للمرضى بالولاية، إضافةً إلى غياب دور الدولة في القيام بدورها تجاه المرضى.

في ذات السياق، يقول مكي إن عدد الحالات التي تلقت المساعدة تفوق الـ(50) شخصًا. لا يقتصر دور مكي على عمليات النظافة وحدها، وجدناه في الخرطوم مرافقًا لثلاثة حالات؛ اثنان منهم مصابون بالسرطان، والثالثة بالعمى. وكشف لـ"ألترا سودان" عن تجهيزات جارية لموكب مشردين ومختلين عقليًا، احتجاجًا على تردي أوضاعهم أمام مباني الرعاية الاجتماعية.

في جانب آخر، تفاءل مكي بتقبل المجتمع للمبادرة، ويقول أن المجتمع لا يزال يوصم المريض، لكن العقبات المجتمعية يجب أن لا توقف الجهود، ويمكن تغيير نظرة المجتمع في حال وجد تحسنًا في الحالة وتغيرًا في المظهر. 

الجدير بالذكر أن المبادرة بعد تقديم الخدمات لعدد من الأطفال، كانت أحدى رغباتهم هي الخضوع لعمليات ختان، وهو الأمر الذي نفذته المبادرة لاحقًا.

مع المبادرة ولكن..

يشير منسق الصحة النفسية بوزارة الصحة بولاية جنوب دارفور، أحمد خليل، إلى زيادة أعداد المصابين بالأمراض النفسية والمشردين بعد تصاعد حدة التوترات والحروب التي شهدتها الولاية وانتشار ظاهرة اللجوء والنزوح. ويضيف أن كل هذه الأسباب تجلب من ورائها الفقر الذي اضطر كثيرًا من الأسر للدفع بأبنائها إلى سوق العمل في سنٍ مبكرة لمساعدتها اقتصاديًا. 

ويتابع منسق الصحة النفسية بالقول: "داخل السوق، يكون الأطفال والمراهقين عرضة للدخول إلى عوالم التعاطي وغيرها من الممارسات السالبة"، إضافةً إلى حالات العنف الأسري، وتابع "عند تحدثنا مع كثير من هؤلاء الأفراد، وجدناهم هاربين من الأسرة، وينزحون من ولاية إلى أخرى". 

وأكد أحمد خليل، أن كثيرًا من هذه الحالات يتوافدون، أيضاً، من دول الجوار مثل تشاد، إفريقيا الوسطى، ونيجيريا، وذلك بهدف التسول، وهروبًا من ذات المشاكل سابقة الذكر.

ووفقًا لخليل لا يوجد مستشفى خاص بالأمراض النفسية في الولاية، لأنه لا يزال مكون صحي مهمل، ونشأت إدارة الصحة النفسية قبل عامٍ واحد، وتعاني الكثير من التعقيدات، يوردها خليل بالقول أن الدعم الأكبر يأتي من المنظمات، والميزانية الخاصة بالمكون الصحي المحلي لا تعطى لهم، وداخل الوزارة لا يوجد مكتب خاص بالإدارة، ويستطرد بالقول إن المنفذ الخدمي الوحيد المتاح هو العيادة المحولة بمستشفى نيالا، ومع ذلك تعمل العيادة مرةً واحدة في الأسبوع، وتفتقر إلى وجود عنابر لإيواء المرضى، وغياب مراكز علاج الصدمة النفسية. ويقول أن غياب هذه المراكز في مراكز النزاعات يشكل المهدد الأول لظهور حالات مرضى في الشوارع.

فيما يرى خليل أن المبادرة توضح للمجتمع أهمية الاهتمام بهذا الجانب الصحي المهمل، لكن، على صعيد آخر، يقول إن الطريقة المتبعة غير صحيحة، ويتابع: "بجانب الاهتمام بالمريض، يوصم بالمرض عن طريق تصويره، وتؤثر الصور على عملية التعافي مستقبلًا في حال وجد صورته القديمة". 

اقرأ/ي أيضًا: تطبيع السودان أم الدعم السريع؟

ويشير منسق الصحة النفسية بوزارة الصحة بولاية جنوب دارفور، إلى أن التصوير يخالف معايير حقوق الإنسان، عن طريق نشر صور شخص فاقد الأهلية دون أخذ إذن من ذويه، وأوضح أن مساعدة مريض بالنظافة ليست حلًا عمليًا للمشكلة، لأنه سيعود في الغد إلى ذات الوضع، في حال لم تقدم له الخدمة النفسية كاملة. 

ذوي المرضى ربما يتدخلون ويتساءلون عن سبب تصوير ذويهم

وأكد خليل عدم مقدرتهم كمعالجين نفسيين على التدخل كما تفعل المبادرة، لأن ذوي المرضى ربما يتدخلون ويتساءلون عن سبب تصوير ذويهم، ويمكن رفع الأمر للقضاء. وطالب الدولة بالتدخل في القضية، وتوفير مراكز ومشافي للخدمات النفسية، وشدد على دور وزارة الرعاية الاجتماعية في معالجة القضية.

اقرأ/ي أيضًا

الخلاوي في السودان

ماذا بعد مواكب 21 أكتوبر؟