قرر قاضي محكمة قاتلي معلم خشم القربة، إسدال الستار على القضية التي هزت المجتمع السوداني، وشغلت الثوار في مختلف مدن السودان، وحدد تاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر الجاري موعدًا للنطق بالحكم في القضية التي يتهم فيها (38) من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات العامة بعد تداول استمر نحو أربعة أشهر.
يتزامن النطق بالحكم في قضيتي المخلوع البشير وقتلة الأستاذ أحمد الخير مع إحياء الذكرى الأولى للثورة
بدأت َمحاكمة المتهمين بقتل المعلم أحمد الخير بخشم القربة، بجلسة إجرائية في 22 آب/أغسطس الماضي برئاسة القاضي الصادق عبد الرحمن الفكي، وهو نفسه القاضي المسئول عن محاكمة الرئيس المعزول عمر البشير، ولعل من المصادفات أن قرار النطق بالحكم في القضيتين يأتي بالتزامن مع إحياء الذكرى الأولى لثورة 19 كانون الأول/ديسمبر، فقد حدد القاضي منتصف الشهر الحالي لإصدار الحكم على المعزول وبعده بأسبوعين على منسوبي جهاز الأمن المشاركين في قتل الأستاذ أحمد الخير عبد الكريم أثناء المظاهرات التي أطاحت برأس النظام المحلول، والذي استشهد في زنازين جهاز الأمن جراء التعذيب الوحشي المتواصل لمدة يومين.
اقرأ/ي أيضًا: أسر الشهداء تتقدم موكب "القصاص" وتدفع بمذكرات للقضائية ومجلسي السيادة والوزراء
وكشف تقرير الطب الشرعي حول أسباب الوفاة أن المجني عليه أحمد الخير البالغ من العمر (40) عامًا، تعرض لإصابات بالغة بسبب التعذيب المستمر، ووجود كدمات وكسور عديدة في أجزاء متفرقة من جسده إضافة إلى ضرب في المؤخرة. وأن جسم المتهم به تمزق وجرح من الخلف يبلغ أربعة سم وتوجد حوالي (15) سحجة صغيرة، وتكدم في عموم الظهر إضافة إلى تكدمات قطعية من الداخل من الجهة اليمنى تظهر بلون بني، وبالكشف على الرأس للتأكد من الفروة، قال التقرير إن الجمجمة خالية من الكسور والمخ سليم من الإصابات الظاهرة أما الصدر والبطن وتجاويف الصدر والعين فقد خلت من الأنزفة الدموية. وكذلك عظام الصدر سليمة من الكسور، وتم أخذ عينات دم من الكبد ومن محتويات المعدة ولم تثبت هناك كسور ظاهرة، إضافة إلى أن المجني عليه كما ورد في التقرير تعرض لعنف، ولا يوجد تهتك أو معالم إصابة للقولون.
فيما قال أخصائي الطب الشرعي بمشرحة القضارف الدكتور عبد الرحيم محمد صالح لدى مثوله أمام محكمة القسم الأوسط أمدرمان يوم الثلاثاء، إن الفحص كشف عن وجود كدمات بظهر المجني عليه متداخلة، مع ظهور آثار ضرب َمبرح على الجلد، وأكد أن أحمد الخير تم التحقيق معه ثلاث مرات وأن سبب وفاته هي الإصابات المتفرقة بالجسم وما نتج عنها من مضاعفات، وأشار إلى أنه وبتاريخ 2 حزيران/يونيو جاءت نتيجة التقرير النهائي من المعامل الجنائية لتوضح نتيجة فحص العينات باحتواء الدم علي مادة فيتامين (بي3)، وهي تستخدم كمكمل غذائي ولم تؤثر على الوفاة ولم يتبين منها معالم مادة سامة.
وتوالت إفادات الطبيب، الذي ذكر أن الإصابات التي تعرض لها القتيل تنتج عنها ثلاثة آليات متفق عليها علميًا وهى ارتفاع في نسبة البوتاسيوم والذي يؤثر على القلب ويؤدي إلى هبوط تدفق الأدرينالين إلى الجسم ما يسبب الوفاة، وكذلك مضاعفات الآلام الحادة والخوف وينتج عنها صدمة عصبية تؤثر على الأوعية الدموية وتؤدي إلى توقف القلب والوفاة، بالإضافة للفشل الكلوي الحاد، وأكد الطبيب أن جميع المضاعفات أو جزءًا منها يؤدي إلى الوفاة، ورجح الطبيب أن يكون سبب وفاة المجني عليه هو الفشل الكلوي وارتفاع البوتاسيوم.
اقرأ/ي أيضًا: مشروع إلغاء "النظام العام".. بين فرح الثوار وسخط أنصار النظام البائد
ونفى أخصائي الطب الشرعي الشاهد، وجود آثار إصابة على الدبر أو وجود اغتصاب، كما نفى وجود كسور أو جروح عند تشريحه للجثة، وقال إن العضلات الخلفية للكلية بها تهتك ولكن الداخلية لا يمكن معرفة إصاباتها بالعين المجردة، وأوضح أن الكدمات قد تتسبب في الفشل الكلوي.
وأخصائي الطب الشرعي، عبدالرحيم تخرج من جامعة جوبا عام 1999 وعمل طبيبًا عموميًا بولاية القضارف حتي العام 2007، ثم التحق بجامعة القاهرة وتخصص في مجال الطب الشرعي والسموم حتى العام 2009، بعدها عمل بمشارح مستشفيات الخرطوم وأمدرمان، ومنها غادر إلى دولة ليبيا وعمل هنالك لمدة ثلاثة أعوام ثم عاد وعمل بمشرحة القضارف حتى تاريخه.
وقال شاهد الدفاع رقم (12) النقيب بجهاز المخابرات العامة، أسامة محمد نور، إنه تلقى توجيهًا من الرائد عوض الكريم عبدالله بتجهيز قوة دون عربات لإدارة أمن الولاية للسفر في مأمورية إلى مدينة خشم القربة للمساندة في احتمالية اندلاع مظاهرات يوم الجمعة، وأضاف الشاهد بأنه قام بتجهيز قوة ما بين (30-35) فردًا، وتم تسليحها بعدد ست بنادق كلاشنكوف بحوزة الحكمدارين المتهمين الخامس والسادس وآخرين، بالإضافة لبندقيتي بمبان بحوزة المتهمين الثامن والتاسع، وعربة مدفع رشاش "دوشكا"، أما باقي القوة فقد زودت بخراطيش ودروع، وارتدت زيًا رسميًا وأحذية عسكرية "بوت، باتا".
وأكد الشاهد وصول ما بين أربع إلى خمس سيارات بقيادة ضابطين وهما المتهمان الثاني والثالث، وذكر أن القوة تحركت من قطاع العمليات بعد صلاة الظهر متجهة إلى محلية خشم القربة، بتعليمات لدى الضباط، ونفى الشاهد علمه بمدى انضباط القوة والتزامها بالتعليمات المستديمة في خشم القربة، كما نفى علمه بالكشف بأسماء القوة الذي قدمته إدارة أمن ولاية كسلا للنيابة، وأكد أن المتهمين الماثلين أمام المحكمة كانا في ذات القوة التي خرجت من قطاع العمليات، عدا بعض المتهمين التابعين لمكتب أمن خشم القربة.
اقرأ/ي أيضًا: الصحفيات والإعلاميات في السودان.. أوضاع متردية وجهود لتحقيق بيئة آمنة
تحديد جلستين لإيداع مرافعات الاتهام الختامية عن الحق العام والخاص في منتصف كانون الأول/ديسمبر والدفاع في 26 عن جميع المتهمين.
ونفى الشاهد وجود صلة له بالمجني عليه وذكر بأنه كان يعمل في جهاز الأمن بمدينة كسلا منذ العام 2012، وذكر أن طبيعة عمل قطاع هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات العامة هي قوات مساندة ودورها فض الشغب، وترتبط بأمن ولاية كسلا وتتحرك بتوجيهات من أمن الولاية عند الحاجة لقوة، ويتم تجهيزها من الضابط المعني. وأرجأ القاضي سماع أقوال شاهد الدفاع الثالث عشر وهو عميد في الأمن إلى جلسة الأربعاء.
وأغلق القاضي يوم الأربعاء قضية الدفاع بسماع شاهد الدفاع الأخير وحددت المحكمة جلستين لإيداع مرافعات الاتهام الختامية عن الحق العام والخاص في 15 كانون الأول/ديسمبر و26 منه، لإيداع مرافعات الدفاع الختامية عن جميع المتهمين.
ورفضت المحكمة عدة طلبات لهيئة الدفاع التمست منح دفاع المتهم الأول فرصة لإحضار بعض الشهود، إلا أن القاضي رفض، وقال إن الدفاع منح فرصًا كثيرة، لكنه فشل فشلًا واضحًا في إحضار شهوده، كما أنه استغنى عن بعضهم.
اقرأ/ي أيضًا: "سياج" الثورة.. حوار من "الشارع" حول مصير لجان المقاومة
ورفض القاضي طلبًا آخر لدفاع بقية المتهمين يلتمس فيه عرض أسطوانة "سي دي" خاصة بطابور التعرف على شخصية الجناة، بحجة أن شهود الاتهام مثلوا أمام المحكمة وقدموا بيناتهم وأنه "لا حاجة لذلك"، ورفض القاضي كذلك التماسًا ثالثًا بسماع شهادات من وسائل التواصل الاجتماعي، ومقارنتها مع أقوال بقية الشهود، وسبب القاضي الرفض بأنه يمكن قبولها وفقًا لجرائم المعلوماتية، قبل أن يعلن اكتمال إجراءات التقاضي ووصول القضية لمرحلة القرار.
مدير الأمن بولاية كسلا: حبست الضباط الذين كانوا على رأس القوة إلا أن التحقيق أوقف وأفرج عن المتهمين دون إذن النيابة
وأكد شاهد الدفاع الأخير، وهو مدير مكتب الأمن بولاية كسلا العميد السابق علم الدين أدم، أن ولاية كسلا كانت تمر بمرحلة اضطراب أمني وأن المتهم الأول في يوم الحادثة رفع له تقريرًا وطلب قوة إضافية من رئاسة الولاية، وأوضح أنه اختار المتهمين الثاني والثالث للذهاب إلى خشم القربة بمعية ضباط صف وجنود، على أن يكونوا تحت مسؤولية المتهم الأول.
وأشار علم الدين إلى أنه اتصل برئيس الأمن بخشم القربة بعد علمه بوفاة المجني عليه الخير، وطلب منه إحضار جميع الضباط الذين كانوا على رأس القوة، كما كون مجلسًا للتحقيق حول الحادثة ووضع جميع المتهمين بالحبس، وتطرق الشاهد إلى تشكيل لجنة عليا أخرى برئاسة أمن الولاية، وبموجبها أوقف التحقيق الأول وتم الإفراج عن المتهمين دون إذن النيابة، ونفى استلامه تقريرًا حول وفاة الخير بسبب التسمم، وأكد علمه بتعرض المجني عليه للضرب والتعذيب.
ووجد قرار القاضي بتحديد موعد للنطق بالحكم، ارتياحًا بالغًا في أوساط الشارع السوداني الذي يستعد لإحياء الذكرى الأولى لثورته، والتي كان أحمد الخير أحد شهدائها الملهمين، حيث شغلت وقائع قضيته الرأي العام المحلي والخارجي، للطريقة البشعة التي لقي بها مصرعه تحت وطأة التعذيب الوحشي والمستمر بمعتقلات جهاز الأمن.
اقرأ/ي أيضًا
مناقشة قانون النقابات.. نحو تأمين الديمقراطية ومواجهة الانقلابات
أول واقعة فساد حكومي تحاصر الحكومة.. ومطالب بالمحاسبة والإقالة