إذا صُنف اسوأ شيء في حرب السودان فإنه قد يكون أولئك الذين دفنوا في مدافن اقتصرت على الأرقام فقط وسط الأحياء السكنية، خاصة في العاصمة الخرطوم دون وضع شواهد على تلك القبور التي انتشرت خلال النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع منذ قرابة العام.
ساحات عامة وسط الأحياء في السودان تحولت إلى مقابر خلال الحرب
في 13 نيسان/أبريل الجاري نشرت لجان مقاومة بانت شرق في أم درمان صورًا لفناء دار لجان الخدمات بالحي، والذي تحول إلى مقبرة بعد أن فرضت الدعم السريع حصارًا على المنطقة دام لتسعة أشهر.
القبور التي انتشرت على الساحة أغلبها لم تحمل أسماء الموتى الذين قد يكون بعضهم ضحايا معارك عسكرية من الجنود بين الجانبين. المفارقة أن الوضع الأمني هو الذي حال دون نقلهم إلى المقابر.
ذكر أكثر من شاهد من مدينة أم درمان أن قوات الدعم السريع تمنع باستمرار في مناطق سيطرتها المواطنين من تشييع الموتى إلى المقابر وفي بعض الأحيان تطلق الرصاص الحي على المشيعين.
القبور وسط الأحياء وفي المنازل دفعت سيدة قبطية حسب ما نقلت منصة القوات المسلحة، الأربعاء، إلى إطلاق مناشدة للجنة الدولية للصليب الأحمر لنقل القبور من المنازل إلى المدافن المعتادة. وقالت إن هذه القبور تحول دون عودة السكان إلى المنازل التي تحول بعضها إلى قبور.
حرب السودان لم تمنع الدفن فقط، بل إن انتشال الجثث من الشوارع خاصة ضحايا المعارك العسكرية لم يكن ممكنًا. وفي الأسابيع الأولى للحرب شكت المنظمات الإنسانية من هذا الأمر، وقالت إن انعدام الممرات الآمنة يحول دون الوصول إلى الجثث خاصة سيما في قلب العاصمة الخرطوم التي شهدت أعنف المعارك الحربية وخلفت مئات الضحايا.
لم تتمكن عائلات الضحايا في حرب السودان من إلقاء النظرة الأخيرة على موتاهم ناهيك عن وضع الشواهد التي تحمل الأسماء على المقبرة، وفي هذا الصدد فإن آلاف السودانيين قد يكونوا معرضين لهذا المأساة.
يقول محمد أحمد حسان وهو عامل سابق في منظمة دولية، لـ"الترا سودان"، إن القبور المنتشرة في شوارع العاصمة والمدن الأخرى التي شهدت معارك عسكرية طاحنة، ظاهرة توضح مأساة هذه الحرب التي لم تسمح حتى بدفن الموتى، ما يعني أنها حرمت ملايين المدنيين من الممرات الآمنة.
ويقول حسان إن الممرات الآمنة تعني أيضًا ايجاد طرق من الأحياء إلى المقابر وإلى المستشفيات وإلى الأسواق هذه من الأمور التي يجب وضعها في الاعتبار عندما تندلع المعارك العسكرية، ولكن في السودان "كل شيء سيء" حدث خلال الحرب.
ويقول حسان إن ساحات شهيرة وسط العاصمة تحولت إلى مقابر تضم ضحايا المعارك والموتى الذين لم يجد المشيعون طرقًا لنقلهم إلى المقابر من بين تلك الساحات في محطة البلابل شرق العاصمة الخرطوم جوار شارع عبيد ختم.
وأضاف: "نقل هذه القبور من المنازل والساحات والأحياء يحتاج إلى مساعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الدولية، وقد يستغرق وقتًا طويلًا، وقبل ذلك يحتاج إلى اتفاق وقف العدائيات".
وتقدر تقارير أولية ضحايا المعارك العسكرية من المدنيين خلال الحرب في السودان بأكثر من (14) ألف خلال عام من القتال.
ويقول عضو المجموعة السودانية للأشخاص المختفين قسريا عثمان البصري، لـ"الترا سودان"، إن "قبور الأرقام" منتشرة في جميع الأحياء بالعاصمة الخرطوم، وقد تشكل أزمة في المستقبل لأن الدفن قد يكون بالطرق التقليدية دون التقيد بالبروتكولولات المعروفة.
وأضاف: "كان من المهم اتخاذ إجراءات معروفة في هذا الصدد، خاصة إذا حاولنا معرفة مصير المفقودين ويضطر الناس إلى البحث عن المختفين قسريا وسط قبور كثيرة جدًا ولأشخاص دفنوا بلا معايير متبعة فيما يتعلق بدفن موتى بطرق قد تكون مستعجلة لطبيعة الظروف الأمنية خلال الحرب".