11-أغسطس-2022
أحداث قرطبة

جانب من أحداث العنف التي وقعت على شورى المؤتمر الشعبي في صالة "قرطبة" في 2019

منذ انطلاقتها ضد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في كانون الأول/ ديسمبر 2018 رفعت الثورة السودانية شعار السلمية كخيار أساسي لتحقيق هدف التغيير. وعقب سقوط البشير في نيسان / أبريل 2019 تسرب إلي الشارع شعار آخر "أي كوز ندوسو دوس"، وهو الشعار الذي وجهه الثوار بصورة مباشرة نحو قيادات النظام المخلوع وأنصاره. وبرز قبله شعار "الحل في البل" الذي صدحت به الجماهير خلال المواجهات الدامية التي شهدها محيط القيادة العامة للجيش بين كتائب النظام ومجموعات من ضباط الجيش وجنوده في الليالي الأولى للاعتصام.

محللة سياسية لـ"الترا سودان": استخدام الهراوات لحسم الخلافات السياسية استمرار لاختلال معادلة الممارسة السياسية في البلاد

حادثة قرطبة

في نيسان/ أبريل من العام 2019 بدأ ما يسميه مراقبون "تطبيق شعار المواجهة"، من خلال اعتداء مجموعة قيل إنها تنتمي إلى لجان مقاومة الصحافة على اجتماع لمجلس شورى حزب المؤتمر الشعبي أقيم ساعتها بصالة "قرطبة"، ما عُدّ بدايةً لحقبة حسم الخلافات السياسية بالعصي والحجارة.

وقوبل الاعتداء على المنشط السياسي للمؤتمر الشعبي برفضٍ واسع من المؤسسات السياسية وعلى رأسها قوى إعلان الحرية والتغيير التي وصفته في بيانٍ لها بأنه سلوك منافٍ للثورة ومطالبها في حرية النشاط السياسي والحق في التنظيم المكفول للجميع.

الزحف الأخضر

سعت بعض الدوائر المرتبطة بالحزب المحلول إلى تنظيم حراك جماهيري كان يهدف في ذلك الوقت إلى عودة المؤتمر الوطني المحلول إلى أحضان السلطة التي فقدها بثورة شعبية. وأطلقت تلك الجهات على حراكها الساعي إلى إسقاط الحكومة الانتقالية اسم "الزحف الأخضر".

https://t.me/ultrasudan

ولم يسلم هذا الحراك من العنف والاعتداء على مواكبه الجماهيرية في كل من الخرطوم ومدني بالجزيرة والفولة بولاية غرب كردفان وزالنجي بوسط دارفور. وباتت المواكب التي تخرج باسم "الزحف الأخضر" هدفًا مشروعًا لأنصار الثورة ومناصري حكومة عبدالله حمدوك تحت شعارات مجابهة الفلول.

وفي السياق نفسه، تعرض بعض قيادات النظام البائد ومن يشتبه في دعمهم للمكون العسكري على حساب القوى السياسية المدنية إلى اعتداءات وإن ظلت معزولة، مثلما حدث للناشط السياسي عثمان ذو النون في مدينة سنار، وكذلك تخريب الندوة التي أقامها الناشط هشام الشواني بمعاونة القيادي في التيار الإسلامي العريض معمر موسى في ساحة "أتني" بوسط الخرطوم.

عنف مضاد

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021 تعرضت أول ندوة جماهيرية تقيمها قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) عقب انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر إلى اعتداء بعبوات الغاز المسيل للدموع في ميدان الرابطة بشمبات في بحري شمالي الخرطوم. واتهمت قوى الحرية والتغيير عناصر تابعة للانقلابيين والواجهات المرتبطة بهم بتخريب الندوة.

وقالت في بيان لها إن المعتدين أطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع وهجموا على الندوة بالأسلحة البيضاء وحطموا الكراسي ومعدات الندوة واعتدوا على أجهزة الإعلام والحضور من المواطنين. وعدت ما حدث مقدمةً لقمع ينوي انتهاجه النظام الانقلابي في السودان.

وفي أواخر حزيران/ يونيو الماضي، تعرض موكب دعت إليه قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في منطقة باشدار بوسط الخرطوم، تحت عنوان "السودان الوطن الواحد" للتنديد بخطاب الكراهية والعنصرية والاقتتال القبلي. وعقب تجمع المئات ومع توقعات بانضمام آخرين، ظهرت مجموعة مسلحة بعضها بأسلحة بيضاء وآخرون بأسلحة نارية، وشرعوا في قذف الموكب بعبوات الغاز المسيل للدموع والحجارة، واعتدوا على المشاركين في الموكب. ومع تصاعد العنف، قرّرت قيادات "الحرية والتغيير" سحب الموكب إلى نقطة تجمع أخرى خشية وقوع صدامات دموية، لكن المعتدين لحقوا بهم، فوقعت اشتباكات جديدة في شارع 41 في حي العمارات، وأصيب يومها عدد من قيادات الحرية والتغيير وشباب الأحزاب.

من المسؤول؟

وأعادت أعمال العنف ضد قوى المعارضة السؤال مرة أخرى حول من المسؤول عنها؟ وعلى الرغم إعلان لجان مقاومة الديوم الشرقية عشية موكب الحرية والتغيير – رفضها إقامة أيّ منصة إعلامية لمخاطبة الجماهير في "باشدار" من القوى السياسية الحزبية وتأكيدها أن لجان المقاومة هي الوحيدة المتاح لها مخاطبة الجماهير في تلك المنطقة - إلا أن قوى الحرية والتغيير اتهمت النظام المخلوع والانقلابيين بالاعتداء على الموكب مبرّئةً ساحة لجان المقاومة. وقال عضو مجلس السيادة في الحكومة المنقلب عليها محمد الفكي سليمان عقب انفضاض الموكب في تغريدة له على "تويتر": "لن نخوض مواجهةً ضد أحدٍ سوى سلطةِ الانقلاب وحلفائها من نظامِ الثلاثين من يونيو 1989".

في وقت اتهمت فيه قوى الحرية والتغيير الأجهزة الأمنية بإذكاء نار الخلافات بين مكونات الثورة، والاستثمار فيها بغية الاستمرار في السلطة، ينظر فريق من منافسي قوى الحرية والتغيير إلى أحداث العنف على أنها "بضاعة (قحت) وردت إليها". ويحمّلون "الحرية والتغيير" وزر كل ما جرى في الفترة الانتقالية منذ انطلاقتها. وبالنسبة إليهم، فإن دعم قوى الحرية والتغيير لحراك لجان المقاومة وتصفيقها له في السابق وعدم إدانتها للعنف، حوّلها إلى ضحية له.

اختلال الممارسة

وترى المحللة السياسية وأستاذة العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتورة آمنة أبوراس في استخدام "الهراوات" لحسم الخلافات السياسية استمرارًا لما تسميه "اختلال معادلة الممارسة السياسية في البلاد". وتقول إنه "سلوك مدان أيًا كان مصدره". وتردف في تصريح لـ"الترا سودان": "ما حدث في دار المحامين بالعمارات كان امتدادًا لسلسلة طويلة من العنف لم تبدأ في الفترة الانتقالية". وتزيد: "المفارقة أن من ينتقدونه الآن ساهموا في تمدده بشكل أو بآخر". وتختم أبوراس حديثها لـ"الترا سودان" بالقول إن معالجة الظاهرة التي تتمدد الآن لن تتم من خلال إدانتها فقط وإنما عبر "العمل الجاد لاجتثاثها من جذورها عبر إعلاء قيمة الحوار". والأهم من ذلك -بالنسبة إلى آمنة أبوراس- هو سيادة قيم قبول الآخر المختلِف وتغيير التعاطي مع فكرة السياسة بعيدًا عن نظرية "وجود طرف مرتبط بضرورة تحطيم طرف آخر" – على حد قولها.

ورشة المحامين

وأمس الأربعاء، هاجمت مجموعة من الأشخاص ورشة "الإطار الدستوري" التي نظمتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين في دارها بالخرطوم، وحصبت القاعة بالحجارة وهتفت هتافات مناوئة للجنة. وفيما قالت مصادر لـ"الترا سودان" إن المجموعة المعتدية "محسوبة على النظام البائد"، نفى مدثر آدم علي عضو تجمع المحامين المستقلين علاقتهم بـ"الكيزان". وقال في تصريحٍ لـ" الترا سودان": "ليست لنا علاقة بالكيزان ونفذنا وقفة احتجاجية رافضة للجنة التسييرية وعملها السياسي".

واتهمت قيادات في قوى الحرية والتغيير عناصر من النظام البائد بالوقوف وراء أحداث دار المحامين، ودعمت اتهاماتها بصور من المشاركين في عملية الاعتداء. ولم تنسَ أن تستدعي تاريخ الإسلاميين مع العنف في حسم الخلافات السياسية. ووصفت ما يجري بأنه محاولة من منسوبي النظام البائد لقطع الطريق على عملية تصفية الانقلاب ولجر البلاد إلى العنف. 

إدانات

وقال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة "يونيتامس" في السودان فولكر بيرتس إن الهجوم على ورشة العمل في دار المحامين "غير مقبول". وأضاف في تغريدة له على "تويتر": "من يستخدم العنف لمنع اجتماع سلمي لا يسعى إلى إجماع وطني".

وفي سياق متصل، أدان الاتحاد الأوروبي في السودان "أعمال التخريب" التي حدثت خلال الحوار بشأن الترتيبات الدستورية الانتقالية الجديدة، قائلًا إن العنف "ليس هو الجواب".

كما أدان سفراء دول الترويكا (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج) لدى السودان ما أسموه "محاولات التعطيل عن طريق العنف" لورشة نقابة المحامين السودانيين. وقال بيانُ لدول "الترويكا" إن أولئك الذين يسعون إلى تعطيل الحدث وتخويف القائمين عليه "ليسوا مهتمين بالحوار وتوافق الآراء"، موضحًا أن هدفهم هو "منع التقدم نحو مستقبل ديمقراطي للسودان". وتابع البيان: "يجب ألا يُسمح لهم بالنجاح".

الترويكا: هدف المعتدين على الورشة هو منع التقدم نحو مستقبل ديمقراطي للسودان

وفي متابعة للإدانات المتصلة للحدث، أدان "محامو الطوارئ" الهجوم على الورشة، وأعلنوا مباشرة الإجراءات القانونية في مواجهة المتورطين في هذا السلوك الذي قالت المجموعة إنه "لا يمت لمهنة المحاماة بصلة". وبالطبع لا يمت للفعل السياسي الراشد من جهات أخرى.