09-أغسطس-2022
الخليفة الطيب الجد

الخليفة الطيب الجد

أثارت مبادرة الشيخ "الطيب الجد" أحد قيادات الطرق الصوفية في السودان الجدل مرة أخرى حول طبيعة العلاقة بين "السياسة والقداسة" أو بعبارة أخرى العلاقة بين المكونات السياسية والمكونات الاجتماعية مثل الطرق الصوفية في المشهد السياسي السوداني.  

نقلت المبادرة الصراع السوداني الموروث بين القداسة والسياسة إلى صراع حول مشروعي النظام البائد والثورة

وفي آذار/ مارس بدأت تحركات الطيب الجد مطلقًا -مع عدد من شيوخ الطرق الصوفية- مبادرة "نداء أهل السودان" التي حظيت بترحيب عدد من القوى الاجتماعية والسياسية والشبابية باستثناء أحزاب الحرية والتغيير (المجلس المركزي).

وترتكز مبادرة الطيب الجد على الدعوة إلى مائدة مستديرة خلال آب/ أغسطس، يجتمع فيها ممثلون عن كل أهل السودان بدون عزل لأي طرف وبعيدًا عن أي تدخل أجنبي، ليتم التوافق على رؤية لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية عبر حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية تركز على الأمور المعيشية والأمن وبسط القانون والعدالة وصولًا إلى انتخابات يختار فيها الشعب قيادته.

https://t.me/ultrasudan

ومنذ انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي يبحث السودانيون عن ما يحقق التوافق بين المكونات السياسية المختلفة وهو ما انطلقت لأجله العديد من المبادرات، آخرها مبادرة نداء أهل السودان. ووصل عدد من السفراء المعتمدين بالخرطوم إلى منطقة "أم ضوًا بان" استجابة لدعوة صاحب المبادرة وسط غياب لافت لسفراء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسعودية والإمارات.

وطرحت مبادرة الشيخ سؤال العلاقة بمكونات النظام الذي خلعته الثورة أكثر من طرحها سؤال العلاقة بين الصوفية والفعل السياسي في السودان. وينظر إليها كثيرون على أنها محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وضمان موقع للمؤتمر الوطني عبر "السجادة" الصوفية بعد أن أسقطته الثورة.

وتعزز هذه الفرضية المواقف السابقة لصاحب المبادرة من حكومة الفترة الانتقالية؛ فقد سبق أن أعلن رغبته في إسقاطها على خلفية محاولات لصياغة منهج تعليمي جديد. وسبق للخليفة الطيب الجد أن دعا إلى الخروج في مسيرات "الزحف الأخضر" التي سيرها أنصار النظام السابق من أجل إسقاط حكومة حمدوك.

وفي تموز/ يوليو الماضي أعلن رئيس مجلس السيادة في السودان عبدالفتاح البرهان عن قبوله للمبادرة ودعمه لها من أجل تحقيق التوافق الوطني، خلال كلمة ألقاها أمام حشد من المصلين شرقي الخرطوم. وحث قائد الجيش السودانيين على التكاتف للعبور بالسودان إلى بر الأمان، وناشدهم بنبذ العنصرية والقبلية والجهوية.

وفي وقت وجدت فيه المبادرة قبولًا ودعمًا من قيادات لها ارتباطات بالنظام السابق وانبروا للدفاع عنها بوصفها فرصة لا يمكن تعويضها من أجل معالجة الأزمات وإخراج البلاد من أزمتها الراهنة - قال الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) شهاب إبراهيم عن مبادرة الشيخ الطيب الجد ود بدر المعروفة بـ"مبادرة أهل السودان للتوافق" - إنها محاولة لإيجاد حاضنة اجتماعية وسياسية للانقلاب.

وقال إبراهيم في تصريحات لــ"الترا سودان" إن البرهان لن يستطيع تشكيل حكومة لجهة أنه سعى طيلة الأشهر التسعة الماضية إلى إيجاد حاضنة وفشل في ذلك.

وتدعو المبادرة المختلَف حولها إلى التوافق على تعيين رئيس وزراء مستقل وتشكيل حكومة غير حزبية تتولى السلطة لفترة انتقالية قصيرة. وتنص على ألا تتعدى الفترة الانتقالية عامًا ونصف العام على أن تليها مباشرةً انتخابات حرة ونزيهة.

وأعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) عن عدم مشاركتها في مبادرة الخليفة الجد. وقال القيادي في التحالف وجدي صالح لـ"الترا سودان" إن موقفهم كتحالف "معلن وواضح" وهو ضرورة إنجاز أهداف الثورة ووضع البلاد على طريق التحول الديمقراطي، لافتًا إلى أن هذه الأمور "لا يمكن تحقيقها في ظل استمرار الانقلاب".

ويرى وجدي في المبادرة المطروحة "محاولةً لإعادة إنتاج الانقلاب بشكل جديد بتحويل المشاركين فيها إلى حاضنة مدنية تفتح أمامه الطريق لتشكيل حكومة"، لافتًا إلى أنهم "كقوة مناهضة للانقلاب" لن يشاركوا في المبادرة. وكشف وجدي عن تلقيهم دعوة للمشاركة في المبادرة من قبل القائمين عليها، مؤكدًا أن ذلك لن يغير من موقفهم المعلن برفض "أي خطوة من شأنها أن تمنح الانقلاب عمرًا جديدًا أو تقطع الطريق على تحقيق طموحات السودانيين في الحرية السلام والعدالة".

ونقلت مبادرة الخليفة الجد الصراع السوداني الموروث بين "القداسة والسياسة" إلى صراع جديد، صراع حول الانتماء إلى مشروع النظام البائد أو مشروع الثورة التي أطاحت به قبل ثلاث سنوات.

وبدأ توظيف الطرق الصوفية وشيوخها من أجل تحقيق أهداف سياسية منذ وقت باكر في السودان، ما أفرز صراعًا بين تيار المثقفين في الحزب الاتحادي الديمقراطي وتيار الطريقة الختمية، ويومها حدث أول انشقاق في حزب الحركة الوطنية في خمسينات القرن الماضي، فيما ظلت قضية فصل الحزب عن طائفة الأنصار أهم القضايا التي شغلت تفكير الزعيم التاريخي لحزب الأمة القومي الإمام الراحل الصادق المهدي.

ولا يرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد حمدنا الله لمبادرة الشيخ الجد فرصةً للنجاح في اختراق المشهد السوداني في الوقت الراهن، ويتجاوز الربط بين المبادرة ومنسوبي النظام البائد باعتبار أن ذلك أبرز عوامل فشلها إلى نقطة أخرى.

ويشير حمدنا الله في حديثه لـ"الترا سودان" إلى أن المعركة في سودان ما بعد الثورة هي معركة بين "حاضر" الشباب الذين يرون أنفسهم قادرين على تجاوز المشكلات وتقديم الحلول للمستقبل، وبين "ماضي" نخبة يرون أنها مسؤولة عن كل مشكلات البلاد ويرون حتى في المعالجات التي يقدمها امتدادًا للمشكلات لا حلًا لها.

حمدنا الله: أزمة مبادرة الشيخ الجد هي نفسها أزمة المبادرات الأخرى التي عجزت عن الاستجابة لمتطلبات جيل الثورة

ويردف حمدنا الله -مع تأكيده للدور الكبير للطرق الصوفية في المشهد السوداني وفي تأثيرها على المجتمع- أن أزمة مبادرة الشيخ الجد هي نفسها أزمة المبادرات الأخرى التي عجزت عن الاستجابة لمتطلبات جيل الثورة وتظن أن من السهولة بمكان الانقلاب عليه.