31-أكتوبر-2015

كفاءات السودان تهاجر(سيمون مينا/أ.ف.ب)

تزداد أعداد الكفاءات الشابة المهاجرة من السودان يومًا بعد يوم ويتواصل النزيف بشكل غير مسبوق. تفيد الإحصاءات الرسمية أن عدد المهاجرين، في الفترة بين عامي 2009 و2014، قد بلغ ثلاثمائة وسبعة وأربعين ألف مهاجر كما صارت الهجرة ظاهرة في السودان منذ حوالي ربع قرن. في العام 2015، والذي لم ينقض بعد، تجاوز عدد المهاجرين خمسة وسبعين ألفًا معظمهم من الأطباء والكوادر التعليمية، حسب تقرير حكومي صدر عن وزارة العدل.

تفيد الإحصاءات الرسمية أن عدد المهاجرين من السودان، في الفترة بين عامي 2009 و2014، قد بلغ ثلاثمائة وسبعة وأربعين  ألف مهاجر 

وأعلن جهاز تنظيم شؤون العاملين بالخارج عن هجرة خمسين ألف كادر من الكفاءات السودانية، أساتذة جامعات، أطباء، صيادلة ومهندسين أساسًا، من ضمنهم ثلاثمائة أستاذ من جامعة واحدة وخلال عام واحد. ولا يزال نزيف العقول متواصلًا فعدد التأشيرات المنجزة للهجرة، حسب جهاز العاملين بالخارج، في ارتفاع يومي. في الأثناء، يخرج علينا من هم في سدة الحكم غاضبين من هذه الأرقام، ولكن لا أحد منهم يفكر في تصحيح الوضع، ولا أحد منهم يذكر سنوات طويلة انقضت والسودان لم ير خلالها غير هلاك ودمار وتفتيت، تحت عباءة الدين، وإن تتأمل جيدًا فلن تجد تحت العباءة غير الدجل والنفاق والسوء والقذر السياسي، واليد الممتدة لكل شيء لا تعرف حلالًا أو حرامًا.

أكثر من ربع قرن وسيف الصالح العام مسلط على رقاب كل من لا ينضوي تحت عباءة الإنقاذ. أكثر من ربع قرن والقوانين تسن من أجل أهل الحظوة، أفحموهم بفقه السترة وفقه التحلل وغيرها من القذر السياسي المتدثر بالدين. أكثر من ربع قرن ومؤتمرات الحوار تعقد ولكنها لا تفتح أفقًا للشباب ولا تقيم عدالة اجتماعية، فكفر الشباب بالوطن، فالحكومة تريده حوارًا لا ينقص من سلطانها شيئًا وتريده حوارًا يرضى فيه الآخر بالفتات وإلا فعلى الآخر الصبر على كيل من اتهامات العمالة والخيانة والخروج عن الملة. في ظل هذا الوضع القاتم والأفق المسدود، أضحى كل اهتمام الشباب البحث عن سبيل للخروج، فقاعة المغادرة بالمطار هي أحب بقاع الوطن للشباب السوداني مؤخرًا!

تأثرت معظم المجالات الخدمية في السودان بهجرة العقول الشابة، وأكثر المجالات تأثرًا هما مجالي الصحة والتعليم. فقد المجال الصحي كوادره من أطباء وممرضين واختصاصيي وفنيي المخابر والأشعة ويرجح أن أكثر من نصف أطباء السودان قد غادروا البلاد. وحسب تقارير هيئة الصحة العالمية، من الضروري وجود مائة وستين طبيب لكل مائة ألف نسمة ولكن بالسودان، وفي أحسن الأحوال يتوفر أربعون طبيبًا لكل مائة ألف نسمة. ومن أهم أسباب هجرة الأطباء بيئة العمل غير الملائمة كغياب المعدات والوسائل والمرافق المطلوبة حتى يتمكن الكادر الطبي من أداء وظيفته والإبداع فيها.

ويروي بعض الأطباء أن فرص الابتعاث للخارج والتدريب يتم توزيعها "خلف الأبواب الموصدة" ولا تتسم بالشفافية والعدالة في معايير الاختيار وإنما تخضع لمعايير سياسية والمحسوبية، ولا يوجد قانون واضح يحدد حجم الفرص للابتعاث والتدريب ولا شروط واضحة لنيلها. وبعيدًا عن المجال الصحي أيضًا، تأثر المجال التعليمي تأثرًا بالغًا بهجرة العقول الشابة، وهو القطاع الأهم لأن عليه مهمة تغذية كل المجالات الأخرى بالكوادر المؤهلة. ومن أهم أسباب هجرة الكادر التعليمي أيضًا، الرواتب المتدنية في السودان، والتي يعجز معها الأستاذ الجامعي عن تلبية متطلبات أسرته وتوفير العيش الكريم لها. هكذا أدى كل هذا إلى تردي التعليم الحكومي وارتفاع الحاجة إلى التعليم الخاص وعدم توفر العلاج بالمستشفيات الحكومية واللجوء إلى المستشفيات الخاصة.

ولا تزال الصحف ووسائل الإعلام السودانية تفاجئنا بتصريحات مسؤولين يشجعون من خلالها على الهجرة. يشجع المسؤولون على هجرة الكوادر من البلد بالرغم من كل الآثار السلبية على المواطن والوطن، وذلك بحثًا عن سد فجوة النقد الأجنبي التي تسبب بها الانفصال عن الجنوب وما أنتجه من ضعف في عائدات النفط، إذ يدفع الطبيب المهاجر ما بين ستين إلى سبعين ألف جنيه كرسوم للدولة لكن لا يتم الانتباه إلى الفقر البشري الذي تعانيه مرافق الدولة وخدماتها الأساسية.

اقرأ/ي أيضًا:

الثقافة في السودان.. حكم البيروقراطية والمناورات

السودان.. اغتراب طلبة المدارس الأجنبية