تقترب الحرب بين الجيش والدعم السريع في السودان من شهرها الثامن، ويقول مواطنون في مناطق تشهد اشتباكات مسلحة بين الحين والآخر في العاصمة الخرطوم إن حياتهم تسير نحو الأسوأ.
مواطنة في أم درمان غربي الخرطوم لـ"الترا سودان": لم نعد نشعر بالأيام، جميعها أضحت متشابهة بعد الحرب
واندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع (قوات شبه عسكرية) في 15 نيسان/أبريل الماضي، وخلفت نحو (10) آلاف قتيل في صفوف المدنيين وفق موقع أمريكي لتحليل النزاعات، بالإضافة إلى نزوح (6.2) مليون شخص بينهم (1.2) مليون شخص عبروا الحدود إلى خارج السودان.
وتقول لمياء التي تقطن في أحد أحياء الثورات في أم درمان –وهي منطقة خاضعة لسيطرة الجيش– إن الحرب غيرت معالم الحياة لديهم، فلم تعد تذكر في كثير من الأحيان في أي يوم هي، هل الثلاثاء أم الأربعاء أم الخميس. "كل الأيام يشبه بعضها بعضًا" – تضيف هذه الفتاة التي كانت تعمل قبل الحرب في شركة بالعاصمة الخرطوم.
تقول لمياء إن عائلتها حين نوت الخروج من العاصمة الخرطوم صوب الولايات الأقل تأثرًا بالقتال لم تجد مفرًا من الإقامة في مركز إيواء في وضع إنساني حرج أو استئجار منزل بمليون جنيه سوداني شهريًا أي ما يعادل ألف دولار أمريكي. وتضيف لمياء لـ"الترا سودان: "قررنا البقاء هنا في منزلنا بأم درمان". "نشعر بأن قرارنا على قسوته أفضل من الذهاب نحو المجهول" – أردفت لمياء.
اعتاد المواطنون في أحياء وسط مدينة أم درمان على أزيز الطائرات الحربية ودوي المدافع، فالأصوات هناك "لم تعد مصدر قلق" لهم، لكنهم يحاولون تجنب القذائف والصواريخ ما استطاعوا.
وفي بعض الأحيان يقضون أسبوعًا أو أكثر من دون كهرباء أو مياه. وكعادة السودانيين فإن التجمع في منزل أحد الجيران قد يوفر عناء البحث عن هذه الخدمات التي يشاركها الجميع مع بعضهم بعضًا وفق لمياء.
في الأسبوع الماضي وبعد تفكير، قررت عائلة سودانية العودة إلى منزلها جنوب العاصمة الخرطوم تاركةً ولاية كسلا شرقي السودان الأقل تأثرًا بالقتال بين الجيش والدعم السريع.
يقول معز الذي عاد رفقة عائلته إلى حي الكلاكلة جنوب الخرطوم في حديث إلى "الترا سودان" إنهم أصبحوا جزءًا من "يوميات الحرب"، ولم يعد لديهم القدرة على تحمل نفقات البقاء في الولايات؛ فقررت عائلته، بعد التنقل بين أكثر من ثلاث ولايات شرقي البلاد، العودة إلى منزلهم بالخرطوم.
بإمكان هذه العائلة أن تحصل على بعض الدقيق والسكر من سوق صغير يقع على بعد ثلاثة كيلومترات، مع وقوع هذا السوق تحت سيطرة الدعم السريع يقاوم المواطنون الخوف ويتشبثون بالأمل في أن العيش في منطقة حرب قد يكون ممكنًا.
تقول الباحثة الاجتماعية عزة حسن لـ"الترا سودان" إن المجتمع السوداني غير معتاد على البقاء من دون أمل. وتوضح أن مواطني الخرطوم الذين نزحوا إلى الولايات كانوا يأملون في توقف الحرب خلال أسبوع أو شهر، ومع استمرارها ثمانية أشهر، سيطرت عليهم الرغبة في العودة إلى منازلهم "مهما كان الثمن" – بتحليل عزة.
تقول هذه الباحثة عن الذين عادوا إلى منازلهم في مناطق الاشتباكات إنهم يحاولن "طرد الخوف" من قلوبهم، لافتةً إلى أن "هذا الشعور أفضل من الشعور بالعجز عن سداد الإيجار أو تحمل تكلفة العيش في الولايات، خاصةً من اضطروا إلى الإيجار بمبالغ كبيرة". وأردفت الباحثة الاجتماعية: "البقاء في منطقة حرب على خطورته –على من يودون العودة إلى منازلهم بالخرطوم أو أولئك الذين عادوا بالفعل– أفضل من البقاء بعيدًا عن المنزل وفي ظروف قاسية".
ونزح نحو (6.2) مليون شخص من منازلهم خلال حرب السودان، منهم (1.2) مليون شخص عبر الحدود إلى دول أخرى، في حين تبلغ نسبة النازحين من الخرطوم (69%) من إجمالي النازحين. ومع استمرار الحرب، يتضاءل الأمل لدى ملايين السودانيين في العودة إلى منازلهم.
وتتوقع الباحثة الاجتماعية عزة حسن أن يكيّف السودانيون حياتهم وفق ظروف الحرب في حال لم تتوقف قريبًا وشعروا بطول أمدها. "قد لا يعود بعضهم إلى منزله ومنطقته التي تركها، لكن أغلبهم قد يعود للبقاء في المنزل والتكيف مع الحرب" – حسب ما تقول عزة.