19-أغسطس-2022
احتجاجات

احتجاجات رافضة للحكم العسكري في السودان

يزداد الوضع تعقيدًا في السودان مع فراغ دستوري مقترن بأزمة اقتصادية ونزاعات ذات طابع عرقي وتباعد الشقة بين الفاعلين في المشهد السياسي والمواجهات المستمرة بين المدنيين والعسكريين حول أحقية قيادة الفترة الانتقالية.

محللة سياسية لـ"الترا سودان": المطلوب الآن هو تحديد حقيقي لموازين القوى مع الوضع في الاعتبار أن أوضاع البلاد لا تحتمل استمرار النزاع

وبعد مرور ثلاث سنوات على توقيع الوثيقة الدستورية لإدارة الانتقال في آب/ أغسطس 2019؛ الوثيقة التي انقلب عليها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 فيما أسماه إجراءات "تصحيح مسار الثورة"، وفي ظل تنامي المخاوف من انزلاق البلاد في أتون الفوضى، ارتفعت المطالبات بضرورة إنجاز تسوية سياسية بين المكونات المختلفة لتجاوز الأزمة.

وتعني التسوية السياسية تقديم تنازلات سياسية أو مادية لقوة معادية في سبيل تجنب النزاع، وهي إحدى الطرق السلمية والودية لحل النزاعات، وإحدى مراحل إدارة النزاع أو الصراع بغية السيطرة عليه ومنع تفاقمه.

وترى المحللة السياسية وأستاذة العلوم السياسية بجامعة النيلين إجلال عبداللطيف ضرورة إنجاز تسوية في السودان وفي أقرب فرصة. وبالنسبة إلى إجلال، فالتسوية في واقع السودان الراهن تبدو "المرغوب المرفوض" في وقت نفسه من قبل الفاعلين السياسيين المطلوب منهم إعادة قياس موازين القوى بواقعية. والتسوية وفقًا لإجلال هي "محصلة دقيقة لميزان القوى بين أطراف الصراع". وتضيف: "المطلوب الآن هو تحديد حقيقي لموازين القوى مع الوضع في الاعتبار أن الأوضاع لا تحتمل استمرار النزاع".

https://t.me/ultrasudan

وتثير كلمة "تسوية" حفيظة الحزب الشيوعي السوداني أحد الفاعلين في المشهد الثوري، وسبق للحزب الذي أسّس قبل (76) عامًا أن غادر تحالف قوى الحرية والتغيير في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 احتجاجًا على سلوك ما أطلق عليها "قوى التسوية" التي قال إنها "تعقد الاتفاقات السرية والمشبوهة داخل البلاد وخارجها وتقود التحالف نحو الانقلاب على الثورة، والموافقة على السياسات المخالفة للمواثيق والإعلانات المتفق عليها" - وفقًا لبيان أصدرته اللجنة المركزية للحزب في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

وأبرزت المواقف المتباينة من التسوية انشقاقات داخل القوى التي أنجزت الثورة ضد الرئيس المخلوع، ارتبطت وقتها بالموقف من المحاور الإقليمية، بينما زادت حدة هذه الانشقاقات بعد الانقلاب استنادًا إلى الموقف من المكون العسكري وهو الصراع الذي يطلق عليه المعركة بين "الجذريين" وقوى "الهبوط الناعم".

وتدعم القوى الدولية والإقليمية خيار إنجاز تسوية سياسية في البلاد على هدى قيم الثورة، وضرورة انسحاب الجيش من العملية السياسية. وتمارس الولايات المتحدة الأمريكية ودول الترويكا والسعودية ضغوط على الفاعلين في المشهد السوداني بغية قبول التسوية وهو ذات الخط الذي تدعمه الأمم المتحدة عبر مبعوثها في السودان فولكر بيرتس.

وبالنسبة إلى وائل عمر عابدين القيادي في حزب بناء السودان وفي حكومة الظل، فالتسوية هي "الطريق الوحيد" الذي يمكن أن يقود السودان إلى الأمام ويساهم في تحقيق أهداف الثورة وغاياتها. ويقول إن من شأنها أن تقطع الطريق على "معادلة الفشل" المستمرة في السودان منذ بواكير تكوينه.

ويتساءل عابدين عن مخرجات المواجهة والصراع الجذري في البلاد ورفض القبول بمبدأ التسوية، ويقول إن هذا الطريق هو ما أوصل البلاد إلى هذه النقطة وأنه لا خيار سوى تغيير قواعد اللعبة السياسية برمتها.

الأحد الماضي، أقر الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني وعضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) إبراهيم الشيخ - أقر بما وصفه بـ"الإقصاء المتبادل بين القوى السياسية"، محذرًا من "فش الغبينة"، وقائلًا إن البلاد "لن تجني منه شيئًا". وكتب الشيخ في صفحته على فيسبوك: "أعود بعد تأمل عميق للحال والمآل اليوم. أنا أدرك جيدًا أن لا مناص لنا كسودانيين من قبول بعضنا البعض وفتح أفق جديد".

وفسرت تصريحات الشيخ بأنها نفاج في الطريق نحو التسوية السياسية، خصوصًا بعد أن أعلن الأمين العام لقوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني) مبارك أردول عن ترحيبه بالتصريحات وأكد استعدادهم لطي الماضي وفتح صفحة جديدة.

لاحقًا، قطع عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني نور الدين صلاح الدين بأنهم ماضون في "العمل المقاوم". وقال صلاح الدين في تصريح لـ"الترا سودان" أنهم لا يتحدثون عن تسوية بل عن عمل مقاوم لانقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وأضاف صلاح الدين: "وجهتنا السياسية على مستوى حزب المؤتمر السوداني وتحالف قوى الحرية والتغيير، وما نتحدث عنه بوضوح هو أننا نسعى إلى إسقاط الانقلاب".

ويوم الثلاثاء نقلت صحيفة السوداني عن القيادية بقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) ونائبة رئيس حزب الأمة القومي مريم الصادق المهدي حديثها عن اتفاق جديد سيتم في الشهر الجاري بين الفرقاء، ما عزز فرضية تحقيق تسوية في السودان. وتزامنت تصريحات مريم مع الإعلان عن مخرجات مبادرة "نداء أهل السودان" التي يرعاها الشيخ الطيب الجد وتلاحقها اتهامات بأنها محاولة لإعادة منسوبي النظام المعزول.

وتواجه عملية الوصول إلى تسوية في السودان مصاعب جمة على رأسها النظر إليها من فاعلين في المشهد السياسي على أنها محاولة لقطع الطريق على الثورة عبر إعادة منسوبي النظام السابق وحلفائه من القوى السياسية التي كانت جزءًا من السلطة حتى 11 نيسان/ أبريل 2019 بقيادة حزب المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.

تزداد التسوية صعوبة وتعقيدًا بسبب رفضها من القوى الشبابية التي تواصل تظاهراتها في الشوارع تحت شعار: " لا شراكة، لا تسوية، لا مساومة"

وتزداد عملية التسوية صعوبة وتعقيدًا بسبب رفضها من القوى الشبابية التي تواصل تظاهراتها في الشوارع تحت شعار: " لا شراكة، لا تسوية، لا مساومة"، وهي ذات الشعارات التي يرفعها الحزب الشيوعي السوداني، مستندًا في ذلك أيضًا إلى مخرجات التسوية عبر الوثيقة الدستورية التي انتهت بانقلاب العسكر عليها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.