30-أبريل-2023
يتشارك السودانيون اللقمة مع أقربائهم وأصدقائهم النازحين من مناطق الحرب (Getty)

يتشارك السودانيون اللقمة مع أقربائهم وأصدقائهم النازحين من مناطق الحرب (Getty)

منذ تفجر الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل الجاري، نزح عشرات الآلاف إلى الولايات السودانية "البعيدة عن المعارك نسبيًا"، وحسب روايات الهاربين من الحرب، فإن نظام الأخوية والمجتمعات المضيفة خففوا من آثار هذه الحرب، بإيواء الآلاف في مناطق آمنة وظروف اقتصادية طاحنة في ذات الوقت.

عادة ما يردد السودانيون عبارة "البيت بيتك" عند استقبال ضيف من المتوقع أن يقضي بعض الوقت برفقتهم

وعادة ما يردد السودانيون عبارة "البيت بيتك" عند استقبال ضيف من المتوقع أن يقضي بعض الوقت برفقتهم، ويحث صاحب البيت ضيفه ليكون في كامل الراحة دون حرج في التعامل مع المنزل كأنه منزله، ولربما هي الجملة الأكثر تكرارًا هذه الأيام عقب نزوح الآلاف من الخرطوم إلى الولايات ليقيموا في بيوت أقربائهم وأصدقائهم البعيدة عن مناطق الاشتباكات.

يقول حسن الذي وصل إلى مدينة ودمدني بولاية الجزيرة وسط البلاد، في حديث لـ"الترا سودان"، إنه وصل مع عائلته إلى مدينة ودمدني، وجميعهم يقيمون في منزل عائلة صديقه ويحصلون على "ضيافة رائعة".

وعندما اشتد النزاع المسلح في العاصمة السودانية قبل أسبوعين، كان آلاف الذين فروا يعتقدون أن الحرب قد تتوقف، لكن مع استمرار المعارك في يومها الثاني والثالث وحتى الأسبوع الثاني، قرر عشرات الآلاف التوجه إلى ولايات الجزيرة والقضارف وكسلا والنيل الأبيض وبعض ولايات دارفور وكردفان والولاية الشمالية، فيما فضل الآلاف العبور إلى مصر عبر منطقة أرقين الحدودية بمدينة وادي حلفا شمالي البلاد.

تقول صفا العاملة الطوعية بمدينة وادي حلفا في حديث لـ"الترا سودان"، إن الجميع هنا كانوا يعتقدون أن الحافلات والسيارات التي تنقل المغادرين من العاصمة السودانية ربما ستتمكن من دخول مصر بسهولة، لكن لاحظنا تكدس الآلاف في  المعابر، حينها قررنا فتح مراكز إيواء في المدارس ومنازل المواطنين، كما امتلأت الفنادق بالنزلاء.

وأضافت: "جمعنا التبرعات والطعام من المواطنين في المدينة، والآن أغلب من كانوا يقيمون في هذه المراكز غادروا إلى مصر، ولكن أيضًا هناك مئات العالقين والذين وصلوا حديثًا من العاصمة إلى المعبر، ونحن نعمل على إيوائهم".

ومع انعدام اليقين حول توقف المعارك العسكرية، فإن هذا الصراع الذي حول بعض أحياء العاصمة إلى "مسرح حرب"، قد يدفع بمئات الآلاف من المدنيين إلى مغادرة بيوتهم بحثًا عن الأمن. 

وما يفاقم الصراع أيضًا حالات النهب والسرقة وانتشار العصابات المسلحة، والتي روعت المدنيين وقتلت بعض المواطنين خلال عمليات السرقة التي عمت العاصمة.

وقالت عزة التي وصلت إلى مدينة ودمدني بولاية الجزيرة لـ"الترا سودان"، إنها قررت الخروج من العاصمة السودانية في اليوم الرابع للقتال مع عائلتها حينما لاحظت تزايد النهب والسرقات واقتحام بعض المناطق، لأن الشعور بفقدان الأمن لا يمكن تحمله.

https://t.me/ultrasudan

تضيف: "نحتاج إلى التعافي من هذه الحرب. لا ندري متى ستتوقف، ويبدو أن الحسم العسكري لن يكون حلًا لإيقاف القتال في ظل المعطيات الراهنة، لذلك السلام هو الخيار المناسب" - بحسب تعبيرها.

في شارع النيل المحاذي للنيل الأزرق بمدينة ودمدني، يقضي بعض الشبان ساعات الظهيرة وحتى المساء يحاولون طي ذكريات المعارك العسكرية التي دارت فوق منازلهم، وأحيانًا اخترقتها الرصاصات.

هذه المدينة الواقعة جنوب شرق العاصمة السودانية هي عاصمة ولاية الجزيرة التي يوجد بها أكبر مشروع زراعي في السودان، وتعتمد على أعمال الفلاحة إلى حد كبير في تسيير شؤونها الاقتصادية، إلى جانب العمل في المؤسسات الحكومية والتجارية في العاصمة.

ومع وصول الآلاف إلى ولاية الجزيرة، هناك مخاوف من الضغط على الخدمات الأساسية الشحيحة مثل المستشفيات والمياه والكهرباء والخبز والوقود.

وكانت حكومة الولاية شكلت بعض اللجان لمتابعة الخدمات الأساسية لمقابلة تدفق المواطنين من العاصمة السودانية إلى الولاية، ومع ذلك فإن نظام الأخوية والترابط الاجتماعي يلعبان دورًا في امتصاص المشكلات التي تواجه الفارين من المعارك العسكرية.

قال معزالدين الذي غادر الخرطوم تجنبًا للمعارك الحربية، لـ"الترا سودان"، إنه استقل شاحنة تقوم بالنقل مجانًا مراعاة لظروف الحرب. يقطن هذا السائق ولاية الجزيرة، وعندما وصلنا إلى قرية صغيرة على تخوم الولاية، أُوقفنا بإصرار وقدموا لنا الطعام والمياه والعصائر.

وأردف: "على مدار اليوم يجلس سكان قوى صغيرة تقع على جانبي الطريق الرئيسي وهم يوزعون المياه والطعام ويبتسمون في وجهك .. إنهم يجعلونك تنسى آلامك" - يضيف هذا الشاب.