29-أبريل-2023
أسد يحديقة السودان للحياة البرية (حديقة السودان للحياة البرية/فيسبوك)

أسد بحديقة السودان للحياة البرية (حديقة السودان للحياة البرية/فيسبوك)

لم يكن من باب المبالغة عندما تحدثت السيدة مريم المنصورة الصادق المهدي، في مداخلة هاتفية لقناة الجزيرة، بصوت متهدج، عن آثار الحرب التي لم تقتصر على الإنسان السوداني فقط؛ بل "الحيوانات السودانية الأشجار السودانية الحشرات السودانية، نحن روعناها ترويعًا غير مسبوق" - بحسب تعبير المنصورة وزيرة خارجية السودان أثناء فترة الحكومة الانتقالية التي حُلّت على خلفية الانقلاب في العام 2021.

حديقة السودان للحياة البرية

ومنذ اليوم الأول للحرب في السودان، أبلغت حديقة السودان للحياة البرية عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن وصول الاشتباكات لمبانيها، حيث أكدت سقوط العديد من الذخائر داخل المحمية، واختراق صواريخ "آر بي جي" للأقفاص، مشيرة إلى هروب بعض الحيوانات.

منذ اليوم الأول للحرب في السودان، أبلغت حديقة السودان للحياة البرية عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن وصول الاشتباكات لمبانيها

الحديقة التي أنشئت بمجهود شعبي محلي وعالمي أكدت أن الأقفاص الرئيسية للضباع والأسود لم تتضرر، لكنها كشفت عن تعرض العديد من ممتلكاتها للنهب، بما في ذلك الطعام والشراب بكافتيريا الحديقة، كما كُسرت كاميرات المراقبة والكشافات. وقالت في وقت لاحق إن قوات الدعم السريع "سرقت سيارتها من الخرطوم 2" - وفقًا لصفحتها الرسمية.

وتحتوي الحديقة على (25) من الأسود وستة ضباع بجانب عدد كبير من القرود والسلاحف والطيور وغيرها من الحيوانات.

ولم تتوقف إدارة الحديقة عن تقديم الرعاية للحيوانات على الرغم من المخاطر الكبيرة التي تحيط بموقعها، حيث تقع بالقرب من منطقة عسكرية شهدت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والدبابات منذ الوهلة الأولى للحرب، ولكنها أطلقت نداء استغاثة بعد أن ضاق عليها الحصار لانقطاع الكهرباء ونفاد مخزونها من أكل وشرب الحيوانات، بجانب سرقة السيارة التي تستخدمها في أداء المهام اليومية، وشح الوقود في العاصمة الخرطوم.

وقالت حديقة السودان للحياة البرية في بيان لها عقب أيام من اندلاع الحرب، إن انقطاع الكهرباء أصبح مهددًا حقيقيًا لوسائل الحماية التي تعتمد فيها على الأجهزة الكهربائية بصورة أساسية، بالإضافة لصعوبة الوصول لمباني الحديقة لإجراء أي صيانات أو توفير ما يمكن توفيره، حيث "انعدمت السلع والمواد وجفت كل الأسواق وانعدمت في أيدينا الحيلة" - بحسب تعبير البيان.

وعقب هدوء الأحداث بشكل نسبي نتيجة للهدنة المعلن عنها بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في الخرطوم، أعلنت إدارة الحديقة إصلاحهم الطاقة الشمسية التي تغذي السياج الكهربائي لأقفاص الأسود، ونجاحهم في إعادة تعبئة خزانات المياه بما يكفي لأكثر من ثلاثة أسابيع.

متحف السودان للتاريخ الطبيعي

يقع متحف السودان للتاريخ الطبيعي بالقرب من جامعة الخرطوم، في موقع شهد أعنف الاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وذلك لقربه من القصر الجمهوري والقيادة العامة للقوات المسلحة، والعديد من المواقع الإستراتيجية الأخرى التي صارت محل نزاع مستمر في الاشتباكات. ويحتوي المتحف على العديد من الحيوانات الحية والمحنطة من مختلف البيئات في السودان، كما يعد أحد مختبرات جامعة الخرطوم المهمة بالنسبة لعلوم الأحياء والتنوع الحيوي في السودان.

مديرة المتحف الدكتورة سارة سعيد على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، كتبت في ثالث أيام الحرب عن الـ"كارثة" التي يمر بها المتحف، فكل الحيوانات الحية بحاجة للإمدادات بالماء والغذاء المخزن بالمتحف، وقالت إن هذا نداء للمساعدة لمن يعرف أي منظومة بإمكانها دخول المنطقة. بعدها أشارت إلى أنه قد تواصل معها عدد مقدر من المهتمين بأمر المتحف، بعضهم من منسوبي القوات المسلحة لتقديم المساعدة.

الدكتورة سارة سعيد مديرة متحف السودان للتاريخ الطبيعي، عادت لاحقًا لتعلن أن كل الجهود لإنقاذ حيوانات متحف التاريخ الطبيعي مُنيت بالفشل، وقالت على صفحتها بـ"فيسبوك": "اتصل بي العشرات من مختلف الفئات وكلهم نيتهم طيبة في المساعدة ولكن هيهات.. أكره أن أنقل خبرًا كهذا والحسرة تمزقني ولا أستطيع أن أوصف مدى الألم في نفسي ولا اظنني قد أتعافى من هذه الخسارة فشعوري كشعور قائد السفينة الذي يحب أن يغرق معها وليس لدي ميل للانتحار حاشا لله ولكن هي المسؤولية الواجب تحملها حتى النهاية"، وأضافت: "لا أدري ما هو الموقف هناك، ولكن حقائق بيولوجية لا يمكن أن تعيش أنواع منها لمدة أسبوع بدون طعام وشراب".

حيوانات السودان تحت القصف

مصانع الأدوية البيطرية أيضًا لم تسلم من آثار الحرب، وتعرض مصنع "باشفارما" للأدوية البيطرية لتخريب كبير ونهب نتيجة للانفلات الأمني الناتج عن الحرب في الخرطوم. ونشر ناشطون على مواقع التواصل مقاطع فيديو تظهر التخريب الذي طال المصنع الذي يعد الأكبر في السودان.

وحتى حيوانات الشوارع صارت تظهر سلوكيات غريبة ربما نتيجة للأصوات المرعبة للقصف وتبادل إطلاق النار. ونال مقطع فيديو لكلب شوارع يدور حول نفسه أثناء الحرب حظه من الرواج على مواقع التواصل.

ربما لا يمكننا تقدير الخسائر الكلية الناتجة عن الحرب التي تدور رحاها في العاصمة الخرطوم؛ فقد الكثير من المواطنين حيواتهم في هذه الاشتباكات، ومُنيت البنية التحتية للبلاد بخسائر قد تحتاج سنوات طوال لإعادتها لسيرتها الأولى، ولكن آثار الحرب لم تقتصر على الإنسان في السودان، وهو ما ذهبت إليه مريم المنصورة بصوتها الناحب في مداخلتها الهاتفية على قناة الجزيرة وهي تناشد بإيقاف الحرب.