قالت محكمة سودانية إن الرئيس المعزول عمر البشير فشل في بيان أوجه أو مصدر مشروع لاكتسابه واقتنائه وحيازته مبلغ 25 مليون دولار، واعتبرت ما ذكره عن أن المبلغ مرسل من ولي العهد السعودي بصورة أو صفة شخصية ليتصرف فيه كيفما يشاء، وهو في قمة هرم الدولة، "يفتح المجال لعدة تفسيرات".
محكمة الاستئناف تؤيد حكم الإدانة ضد المعزول بإيداعه إحدى مؤسسات الإصلاح والرعاية الاجتماعية لمدة عامين ومصادرة المبالغ التي تم ضبطها بالعملة الوطنية والأجنبية
ووفقًا لقرار محكمة الاستئناف برئاسة القاضي مهدي الدسوقي أحمد، الصادر في 24 آذار/مارس الماضي، فقد تقرر شطب الطعن الذي تقدم به الدفاع ضد قرار محكمة الموضوع، وتأييد إدانة المتهم عمر البشير بوضعه بإحدى مؤسسات الإصلاح والرعاية الاجتماعية لمدة عامين ومصادرة المبالغ التي تم ضبطها بالعملة الوطنية والأجنبية، المحددة بمستند الاتهام لصالح حكومة السودان .
اقرأ/ي أيضا: مصادر لـ"الترا سودان": خلافات في وزارة الداخلية بشأن تبعية جهاز الأمن الداخلي
وكانت محكمة الموضوع بالخرطوم شمال قد أصدرت في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي حكمًا في مواجهة المتهم، إلا أن هيئة الدفاع رفضت وتقدمت باستئناف في 26 كانون/ديسمبر داخل القيد الزمني المحدد قانونًا، ولذلك اعتبره قاضي الاستئناف مقبولًا شكلًا.
وتلخصت وقائع الدعوة والتي بدأت بعد سقوط نظام الإنقاذ بثورة شعبية، بأن المتهم كان يشغل منصب رئيس الجمهورية وتم التحفظ عليه بمقره بتوجيه من مدير الأمن العسكري، وأصدرت نيابة أمن الدولة أمرًا بتفتيش مقر إقامته حيث وجد بالخزنة الملحقة بمكتبه مبلغ 6,997,500 يورو ومبلغ 315,770 دولار، بالإضافة إلى 5 مليون جنيه سوداني، وتم فتح الدعاوى واتخاذ كافة الإجراءات القانونية والتحريات اللازمة وتم تحويل الدعوى للمحكمة التي سمعت القضية واستجوبت المتهم ومن ثم استمعت لقضية الدفاع وأصدرت الحكم محل الطعن.
وأوضح الدسوقي أن ورقة الاتهام بمحضر الدعوى صيغت بصورة صحيحة، وفق القانون، حيث بينت أركان الجريمة فيما يتعلق بقانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي لسنة 1981، وقانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989، كما استوفت عناصر الجريمة وأسسها في القانون. لكن بالمقابل عاب القاضي على محكمة الموضوع عدم اشتمال ورقة الاتهام على بيان مصدر الهدية ومقدار المبلغ الذي تعامل به مع المتهم الهارب طارق سر الختم بالمخالفة لقانون تنظيم التعامل في النقد الأجنبي.
وأكد أن مسألة بيان مصدر الهدية ومقدار المبلغ الذي تعامل فيه المدان مع المتهم الآخر سر الختم يعتبر من قبيل الوقائع التي تثبت بالبينة، وقد حدد المدان الجهة مصدر الهدية، وأوضح الدسوقي أن عدم إيراد مصدر الهدية لا يؤثر في صحة صياغة ورقة الاتهام التي تمت صياغتها بصورة واضحة ومفهومة، بينما يري الدفاع بطلان انطباق نص المادة (6) من قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه، حيث إن المستأنف لم يحول مبلغ 25 مليون دولار لمصلحته أو مصلحة غيره ولم يثبت الاتهام ذلك.
وأكد القاضي بأن هذا السبب لدحض حكم محكمة الموضوع "غير سليم"، حيث ثبت أن المدان يحتفظ بالمبلغ في خزنة خاصة ملحقة بمقره مفاتيحها بيده، ويتصرف في المبلغ كيفما شاء. واعتبر الدسوقي أن المدان حول المبلغ بعد استلامه الهدية لمصلحته أو مصلحة غيره ممن ذكرهم من المؤسسات والأفراد.
القاضي: المدان احتفظ بالمبلغ في خزنة خاصة ملحقة بمقره مفاتيحها بيده ويتصرف في المبلغ كيفما شاء
وجدد التأكيد على أن محكمة الموضوع وجهت بتحريك إجراءات في مواجهة كل من تسلم مبالغ من المدان لاستردادها وعدم الرد لا يعني أن المدان لم يخالف نص المادة 6 من مكافحة الثراء الحرام .
اقرأ/ي أيضا: خفايا موكب 6 نيسان/أبريل.. أسرار تقال لأول مرة
كما كذب الدسوقي ادعاءات الدفاع بانتفاء صفة الموظف العام عن المدان لأنه كان يشغل منصب رئيس جمهورية، وبالتالي فإن البلاغ يسقط ركنًا من أركان الجريمة ويسقط الاتهام بموجب هذه المادة تمامًا، بجانب تعريف الموظف العام في قانون مفوضية مكافحة الفساد لا يشمل رئيس الجمهورية لأنه ينتخب من جميع الشعب.
إلا أن القاضي أشار إلى أن المشرع اعتبر رئيس الجمهورية موظفًا عامًا، أما عدم بيان مصلحة محمد بن سلمان من إرسال الهدية لا يعني انهيار العنصر الجوهري للمادة 6 من قانون الثراء الحرام والمشبوه، مشيرًا إلى أن القول مردود عليه حيث لم ينص المشرع بنص المادة المذكورة بأن إثبات المصلحة عنصر جوهري لارتكاب الجريمة.
ورأت المحكمة أن المبلغ محل الدعوى المرسل من الأمير السعودي باليورو بينما وجد بالدولار، لا يشكك في صحة قرار محكمة الموضوع بالإدانة، ولفتت إلى أن إفادة المدان بأنه سلم المبلغ للفريق عبد الرحمن دلقو لا تسقط تهمة الحيازة.
أخيرًا انتقهى القاضي إلى أن محكمة الموضوع وفقت في اختيار التدابير المنصوص عليها بنص المادة (48) من القانون الجنائي لسنة 1991، وإيداعه إحدى مؤسسات الإصلاح الاجتماعي مدة لا تتجاوز العامين، وأكد أن لمحكمة الموضوع سلطة تقديرية في اختيار التدبر المناسب، وقضت بتأييد الحكم وشطب الاستئناف وإخطار مقدمه .
اقرأ/ي أيضا:
الحكومة السودانية: "أجهزة معلومة لدينا" تقف خلف الأصوات المناهضة لسد النهضة
تقاسم الولايات.. أزمة جديدة تطل برأسها بين شركاء الحكم في جنوب السودان