05-أبريل-2020

الرئيس سلفاكير ونائبه الأول ريك مشار (Getty)

مضى الآن ما يقارب الشهر على تعيين وزراء الحكومة الانتقالية بجنوب السودان، في إطار معادلة قسمة السلطة التي نصت عليها اتفاقية السلام المنشطة والموقعة في العام 2018، وقاد عدم الاتفاق بين مجموعة الحكومة بقيادة الرئيس سلفاكير والمعارضة المسلحة التي يقودها النائب الأول وزعيم المعارضة المسلحة الدكتور ريك مشار إلى تأجيل إعلان تعيين حكام الولايات العشر، وذلك بسبب فشل الطرفين في التوافق على معادلة مرضية. وفي ظل غياب حكام الولايات تعطلت كليًا عملية تقديم الخدمات ووقع فراغ دستوري كبير ما قاد المنظمات الدولية إلى مطالبة الحكومة للإسراع بإعلان حكام الولايات من أجل تقديم المساعدات الإنسانية المطلوبة خاصة وأن فصل الخريف بات على الأبواب، في وقت توقف فيه كل شيء بسبب جائحة فيروس كورونا.

المعارضة كانت قد أعلنت في وقت سابق من الشهر الفائت بأنها حصلت على ثلاث ولايات لكن الحكومة نفت ذلك

بمتابعة الموقف الخاص بقضية تقاسم مقاعد حكام الولايات عن كثب، تبدو مواقف الأطراف متباعدة جدًا، فالمعارضة كانت قد أعلنت في وقت سابق من الشهر الفائت بأنها حصلت على ثلاث ولايات من جملة العشر، وحددتها بولايات البحيرات، غرب الاستوائية وأعالي النيل، لكن الحكومة نفت تلك التصريحات وأبانت أنها لم تصل إلى أي اتفاق مع المعارضة بشأن تقاسم الولايات، ويرى بعض المتابعين أن الحكومة تعرضت لضغوط كبيرة من مجتمعات أعالي النيل التي كانت متحالفة معها طوال فترة الحرب الأخيرة منذ العام 2013، وهي تريد أن يكون حاكم الولاية من نصيب مجموعة دينكا أفدانق المقيمة في أعالي النيل، خاصة وأنها لم تحصل على أي مقعد وزاري في التشكيل الحكومي الأخير، لذلك تريد أن يكون منصب الحاكم تعويضًا لها بعد أن تم تذويب ولاية شمال أعالي النيل وإعادتها لولاية أعالي النيل القديمة، بينما ترى مجموعة سوا الموقعة على اتفاق السلام في إطار تحالفها الجديد مع الحكومة بأن يتم منحها منصب حاكم ولاية أعالي النيل، الذي تقول إنه يجب أن يذهب لقبريال شانغسون رئيس مجموعة (سوا) المنقسمة خاصة وأنه لم يتم تعيينه في أي منصب بالحكومة الاتحادية.

اقرأ/ي أيضًا: جوبا.. التحالفات الجديدة تغلب على الولاءات القديمة في الحكومة الانتقالية

 المأزق الكبير الذي تعيشه مجموعة مشار حاليًا بسبب معضلة الولايات، والذي يدفعها للتمسك بمنصب حاكم ولاية أعالي النيل، هو أنها كانت قد وعدت مجموعة الشلك التابعة لجونسون أولينج قائد الفرقة الرابعة لقوات المعارضة المسلحة بأن منصب حاكم الولاية سيكون من نصيبها، لذلك لم تشارك في الحكومة الاتحادية بناء على تلك الوعود التي قدمها لها مشار، وكذلك الأمر بالنسبة لولاية البحيرات التي رشح لها مشار واحدًا من كوادره المنضمة حديثًا، حيث انحصرت المنافسة بين تيلار رينق دينق، وجوزيف مالوال.

المسألة الآن لا تتمثل في الوعود التي قدمها كل طرف لأنصاره وحلفائه الجدد والقدامى، إذ إن النقاش بين الأطراف قد انتقل إلى حيز جديد، يتمثل في كيفية تفسير المادة الخاصة بقسمة السلطة وتمثيل كل طرف في الولايات العشر على ضوء المعادلة التي وضعتها الاتفاقية، في تحديد نسبة كل طرف في المشاركة على المستوى الاتحادي والولايات، إذ تنص المادة (1-16-1) من اتفاق السلام على أن نسبة الحكومة في قسمة السلطة هي 55% بينما خصصت للمعارضة المسلحة نسبة 27%، ولتحالف أحزاب المعارضة (سوا) نسبة 10%، على أن تنال مجموعات المعارضة الأخرى ما نسبته 8% من معادلة التمثيل في السلطة.

فمثلًا الدكتور لام أكول، رئيس الحركة الديمقراطية الوطنية، يرى أن المسالة لا تحتاج لهذا القدر من الجدل، إذ إن نسبة الحكومة بموجب الاتفاقية هي ست ولايات، إذا تم جبر الكسر في نسبة الـ55% ، باعتبار أن الحكومة يجب أن تحصل على النسبة الأكبر في المشاركة، لكن يبدو أن التفسير الذي قدمه أتينج ويك أتينج السكرتير الصحفي لرئيس جنوب السودان، يختلف كثيرًا عما قدمه أكول لنفس المادة المشار إليها، حيث قام بجمع النسب المخصصة لفصائل المعارضة المختلفة، فكانت محصلتها هي نسبة 45% مقابل 56% للحكومة، معتبرًا أن نسبة المعارضة المسلحة ستكون هي 27% والتي تتمثل في ولايتين فقط بعد إسقاط نسبة السبعة في المائة، ما يعني أن الحكومة ستحصل على سبع ولايات، كما سيحصل تحالف المعارضة على ولاية واحدة فقط، وتلك جدلية تتطلب تدخلًا واضحًا من مفوضية مراقبة تنفيذ اتفاقية السلام، حتى تحسم ذلك الجدل في القريب العاجل استنادًا إلى المنطق الرياضي الصرف غير المسيس.

لا يتوقع أن تنتهي أزمة الولايات سريعًا، هذا إن لم تكن تشكل تهديدًا حقيقيًا للفترة الانتقالية

بغض النظر عن وجود سوء نية سياسية في قضية تقاسم الولايات، فإن تلك المعادلة البسيطة اكتست بتعقيدات كبيرة لأن كل طرف يريد أن يظفر بالنسبة الأكبر، فالحكومة تريد إقناع المعارضة بصدق حجتها وفي ذات الوقت تطالبها بتقديم مزيد من التنازلات هذه المرة، باعتبار أنها سبق وأن تنازلت في موضوع التراجع عن قرار الـ32 ولاية ووافقت على العودة-للعشر-ولايات الذي نصت عليه اتفاقية السلام، لذلك لا يتوقع أن تنتهي هذه الأزمة سريعًا، إن لم تكن تشكل تهديدًا حقيقيًا للفترة الانتقالية، فقبول المعارضة بإعلان أسماء الوزراء دون الاتفاق على الولايات كان رهانًا خاسرًا قد تدفع فيه الثمن آجلًا أم عاجلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جنوب السودان.. جدل الولايات وإشكالية نظام الحكم

تقاسم كيكة السلطة.. معركة كسر العظام بين الحكومة والمعارضة الجنوب سودانية