12-فبراير-2021

أرشيفية (تويتر)

منذ أكثر من أسبوع، تسيطرت على البلاد حالة من الاحتجاجات الشعبية، التي اندلعت في عددٍ من مناطق السودان المختلفة، وصاحبت الاحتجاجات حالات نهب وسرقة طالت محال تجارية لمواطنين ومؤسسات ومرافق حكومية في عددٍ من مدن وولايات السودان.

يستطلع هذا المقال آراء كتاب ومحللين سياسيين حول الوضع الراهن وأسبابه وكيفية التعامل معه

وانقسم الرأي العام المراقب للأوضاع حول تعريف طبيعة هذه الاحتجاجات، إذا ما كانت احتجاجات شعبية ناتجة عن الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية التي تمر بها البلاد، أم أن الاحتجاجات -التي تأتي في وقت تشهد فيه البلاد عملية انتقال سياسي وتعيين جهاز تنفيذي جديد- هي من ترتيب وتحريك عناصر النظام المُباد من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي.

اقرأ/ي أيضًا: هيئة علماء السودان تصف "مؤتمر التعايش الديني" بالعمل الاستفزازي لتحريك التطرف

واتهمت لجنة التفكيك وإزالة التمكين عناصر النظام المُباد بالسعي لإحداث حالة فوضى، لتقوم على إثر هذه المزاعم بإصدار قرار يقضي بإلقاء القبض على بعض عناصر النظام البائد.

اختلفت الآراء حول طبيعة الاحتجاجات ومن يتحمل مسؤولية تفاقمها، كما أن الجدل تناوش الخطوات الرسمية التي اتخذتها لجنة إزالة التمكين، إضافة إلى الخطاب السياسي الذي يحمل وزر الأحداث لعناصر الحزب ا المحلول.

ويرجع الكاتب والصحفي "عمر الفاروق" منشأ الاحتجاجات الأخيرة إلى الأوضاع الاقتصادية والضائقة المعيشية، إلا أنه يشير إلى أن هذه الاحتجاجات اتخذت شكلًا غير مألوف، مقارنة بأشكال الاحتجاجات التي ميّزت الثورة السودانية والقوى التي شاركت فيها، ويصف التحول في طبيعة الاحتجاجات بأنه حدث بطريقة غامضة وسريعة، لتتحول الاحتجاجات إلى أعمال تخريب.

يقول الفاروق لـ"ألترا سودان": "طبيعة الأعمال التخريبية التي صاحبت الاحتجاجات جعلت قوى الثورة تتهم عناصر النظام المباد مباشرة بالضلوع في الأحداث".

ويعتبر الفاروق أن جنوح القوى السياسية لهذا الاتهام هو جنوح مفهوم ومعزز بحقيقة أن قوى الثورة لم تلجأ للعنف منذ اندلاع الثورة مرورًا بسقوط النظام وحتى الوقت الحالي، ما يفسر اتهام القوى السياسية لعناصر المباد بالمشاركة والتخطيط لأحداث النهب والاعتداءات بحسب ما يرى الكاتب الصحفي. عمر الفاروق.

ويضيف الفاروق: "إلا أنه رغم ذلك هناك تساؤل يطرح نفسه بجدية وهو التساؤل حول دور الأجهزة الأمنية الشرطية وموقفها من هذه التفلتات. ويرى الفاروق أن هذا السؤال يتخذ أهميته لوجود عدد من القوى السياسية من قوى الثورة تتهم مسبقُا عناصر في الأجهزة الأمنية بالولاء للنظام المباد. كما ينبه إلى أن غياب جهاز الأمن الداخلي، الذي كان من المنتظر أن يضطلع بحماية المواطنين، بحسب قوله، ألقى غيابه بتأثيراته على الوضع الأمني، منوهًا إلى أن الوثيقة الدستورية نصّت على تأسيسه وتشكيله.

يقول الفاروق: "غياب هذا الجهاز يعني غياب المعلومة الأمنية بشكل دقيق ومفصل".

من جهتها تقول قوات الشرطة السودانية أن الاتهامات التي تطال عناصر "فلول النظام" بالاشتراك في الأحداث الأخيرة لا تعنيها، وأنها ليست معنية بالمسارات السياسية، بحسب ما نقلت وسائل إعلامية عديدة نقلت عن صحيفة "الحراك السياسي" يوم أمس الخميس، تصريحات منسوبة للناطق الرسمي باسم قوات الشرطة عمر عبد الماجد.

من ناحية أخرى يعود الكاتب الصحفي عمر الفاروق ليشير إلى جوانب أخرى في أزمة الإجابة عن سؤال الاحتجاجات وما يجب أن يترتب عليها من تحرك رسمي أو سياسي، معتبرًا أن الأوضاع الحالية المرتبكة في البلاد هي نتاج لعملية الانتقال السياسي الذي تمر به البلاد، والذي أنتجت حالة من اللامركزية في عملية اتخاذ القرارات لدى الجهات السلطوية والتنفيذية، مما خلق حالة من الهشاشة. فاتخاذ القرارات قد يكون معقدُا مقارنة بالفترة السابقة لسقوط النظام، بحسب ما يرى الفاروق، مشيرًا إلى أن اتخاذ القرارات في الأوضاع الحالية يتطلب شجاعة يجب أن يتحلى بها صانعي القرار من أجل مسايرة طبيعة المرحلة الانتقالية.

الناشطة السياسية وعضو لجنة تسيير نقابة المحامين السودانيين، نون كشكوش، ترى أن الخطوة التي أقدمت عليها لجنة إزالة التمكين بالأمر باعتقال المشتبهين من عناصر النظام المباد هي خطوة صحيحة وسليمة، كما ترى أنها تأخرت نوعًا ما، وتقول في إفادة لـ"ألترا سودان": "التحريات الأخيرة أثبتت تورط عناصر النظام المباد منذ أحداث الجنينة وليس في الأحداث الأخيرة فقط، وقرار لجنة إزالة التمكين هو قرار يجب وضعه موضع التنفيذ باعتبار أن اللجنة كُونت عبر الوثيقة الدستورية والتي هي بمثابة أعلى قانون وضعي في البلاد وتقوم مقام الدستور إلى حين وضعه".

وعن ما إذا كانت عبارة "العناصر الفاعلة" التي أطلقتها لجنة إزالة التمكين هي عبارة فضفاضة وقد تشمل بعض العضوية التي ليس لها علاقة بالأحداث، تجيب كشكوش على سؤال "ألترا سودان" قائلة: "إن حزب المؤتمر الوطني بحكم القرارات الصادرة بحقه، باعتباره حزب تم حله قانونيًا، لا يحق له إقامة أي نشاط سياسي، وأي اجتماع لعضويته بغرض أداء نشاط مشترك يعد مخالفة للقانون ويضع منظميه تحت طائلة المساءلة القانونية"، وأكدت كشكوش أن النيابة، عبر البينات والشواهد فقط، هي من تحدد المتهم أو المدان، وليس العبارة في إطلاقها؛ كما قالت.

وعن جدوى اتهام جهات سياسية تعمل على تعكير الجو العام واستقلال الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد يقترح الناشط السياسي عبدالله عيدروس، أن البحث والغوص عن من هو المتسبب في الفوضى الأخيرة ليس ذا جدوى، وليس بالأمر الذي يجب أن تجهد به الحكومة نفسها.

يقول عيدروس في إفادة لـ"ألترا سودان": "بدلًا عن أن تشتغل الدعاية الحكومية على تحميل المسؤولية عما يحدث للأيدي الخفية من لكيزان أو الطفيليين الذين تضرَّرت مصالحهم مع سقوط نظام البشير وشركائه؛ علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية لاندلاع الفوضى والعنف، كي نستطيع أن نوقفها ونطفئها شرارتها".

ويرى عيدروس، ذو الخلفية القانونية، إن أوامر الاعتقال التحفظي التي قوبلت بها الأحداث الأخيرة ليست مفيدة في هذه الحالات، ولا ترتقي إلى جبر الضرر الواقع على المتضررين، مشيرًا إلى أنها لم تصدر من جهات ذات اختصاص، موضحًا أن المعالجة الحقيقية للأوضاع يجب أن تتم عبر محاكمات تطال المتورطين في الأحداث وفق قوانيين الإثبات ونفي التهم، كما يشير إلى أن الإجراءات المتبعة حاليُا تجاه الأزمة لا ترد حقًا لأهله، وبها شبهة ارتكاب مظالم.

ويقترح عيدروس معالجة لهذه الأوضاع عبر استنهاض المجتمع المدني المحلي، كمجالس المواطنين والجمعيات والنقابات والأندية، قائلًا إن جهاز الدولة لوحده سيعجز عن معالجة الأوضاع التي وصفها بأنها حالة طوارئ تعيشها البلاد منذ ما قبل سقوط البشير وإلى الآن، والتي هي ورثة لسنوات الحروب المتطاولة، بحسب ما وصف.

تعيد هذه الاحتجاجات طرح سؤال الضائقة المعيشية، وتستخدم خيار الفوضى بديلًا عن النظام

تبدو الاحتجاجات الأخيرة كأولى صافرات الإنذار الأكثر جدية والتي أتت بعد عامٍ ونصف من عمر الحكومة الانتقالية، التي ما تزال تختبر في أي الطرق تذهب، فالفوضى التي ضربت عددًا من الولايات والمدن، مع حالات التفلت الأمني في مناطق عدّة في العاصمة، أعادت طرح سؤال الضائقة المعيشية من ناحية أخرى، ليس باعتبارها فقط حالة يعيشها المواطن تبحث عن حلٍ لها، بل من ناحية ترتبط بتعريف السلطة الحاكمة ودورها في تلبية المطالب التي قادت إلى الثورة، بعد عام ونصف من بداية الانتقال الفعلي للسلطة، كأنما الفوضى هي البديل، كرسالة تحذيرية في بريد الطاقم التنفيذي الجديد.

اقرأ/ي أيضًا

"الفكي" ينفي لـ"الترا سودان" وجود أي اتجاه لتغيير مدنيي السيادي

إزالة التمكين تكشف معلومات جديدة عن الجهات التي تقف خلف "الأعمال التخريبية"