04-يوليو-2022
اعتصام الجودة

اعتصام الجودة.. جدل في ميادين مختلفة

في 30 حزيران/ يونيو، قرّر الشباب السوداني المناهض للانقلاب إعادة نموذج  اعتصامهم الأول في السادس من نيسان/ أبريل 2019 أمام مباني القيادة العامة للجيش، الاعتصام الذي ساهم في إسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير قبل أن يتم فضه بالقوة في الثالث من حزيران/ يونيو 2019.

ظلت الاتهامات بتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة تطارد الثوار، وبحسب مصادر متطابقة فإن الشرطة تجري فحص المخدرات على من توقفهم في المواكب

الخميس الماضي وعقب نهاية مواكب "مليونية 30 يونيو" وسقوط تسعة شهداء برصاص القوات الأمنية فضلًا عن مئات الجرحى وامصابين –بحسب تقارير لجنة الأطباء المركزية. يومها نجحت مواكب أم درمان في  كسر الطوق الأمني وعبور جسر الفتيحاب إلى الخرطوم. وفي ظروف الملاحقات الأمنية والإجراءات المشددة أُعلن اعتصامٍ أمام مستشفى الجودة بحي الديوم الشرقية لوفير الحماية للثوار من ناحية، والتأكيد على استمرارية المقاومة من أجل إسقاط الانقلاب من الناحية الأخرى. وسرعان ما تم تشييد المتاريس في مداخل المستشفى ومخارجه وتوفير الاحتياجات اللوجستية لقيام الاعتصام.

ومن مستشفى الجودة سرت عدوى الاعتصامات وانتقلت إلى مناطق أخرى في ولاية الخرطوم؛ فأعلنت لجان مقاومة الأربعين والفيل عن اعتصامٍ في شارع الشهيد عبدالعظيم (الأربعين سابقًا). ونصبت لجان أمدرمان القديمة خيام اعتصامها على مقربة من صينية الزعيم الأزهري، بينما اختارت لجان مقاومة بحرى "المؤسسة" مقرًا لاعتصامهم، أما لجان مقاومة الفتيحاب فقد قررت الاعتصام في محطة الشهيد الروسي (سراج).

وبعيدًا عن أسئلة استمرارية الاعتصامات أو فضها بواسطة الأجهزة الأمنية والجدل حول قدرتها على تغيير الخارطة السياسية في البلاد واحتمالات نجاحها في إسقاط الانقلاب في آخر المطاف، فإنّ جدلًا آخر يُثار حول الاعتصامات والمشاركين فيها وسلوكياتهم وما يجب أن يكونوا عليه، جدلٌ حول قضايا "النوع الاجتماعي" وأزياء الفتيات وسلوكيات الشباب.

https://t.me/ultrasudan

أول ما أثار هذا الجدل منشورٌ على فيسبوك لأحد الشباب طالب من خلاله الفتيات بمغادرة ساحات الاعتصام عند السادسة والنصف مساءً والعودة في صباح اليوم التالي لمواصلة الاعتصام. أثار المنشور حفيظة "النسويات" اللائي رأين فيه امتدادًا لقهر السلطة "الأبوية" والتمييز على أساس النوع، وهو سلوكٌ يعتبرنه مرفوضًا حتى في الأوضاع العادية ناهيك عن هذه الأوضاع الثورية التي خرجن فيها ينشدن التغيير.

وانتقدت ميرفت النيل الناشطة السياسية وعضوة وفد "الحرية والتغيير" في مفاوضات 2019 مع المجلس العسكري التي أسفرت عن الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية، انتقدت هذا السلوك وأرجعت الأزمة إلى "غياب قيادة تضبط الخطاب"، مشيرةً إلى أن المعركة بدأت ميدانية ولو أن هناك قيادة احتوتها في الميدان بسرعة وثبتت قيم الثورة لما اضطروا إلى هذه المعركة. وقالت ميرفت إذا لم تفتح منابر الاعتصامات للمجموعات النسوية يصبح استهداف النساء "ممنهجًا" خصوصًا بعد ظهور الحاجة إلى الوعي النسوي – بحسب ميرفت.

وتتساءل الناشطة النسوية هدى شفيق في حديث لـ"الترا سودان" عن ميقات سقوط "السلطة الذكورية" التي ترى في نفسها القدرة والأهلية لأن تُحدد للنساء كيفية الثورة وكيفية ارتداء الملابس بل حتى كيفية مقاومة الظلم، ويريد أن يواصل في "حصر دورهن في زغرودة الواحدة بتوقيت الثورة" - على حد تعبيرها.

وبالنسبة إلى هدى التي تنشط في منبر النساء السودانيات (منسم)، فإن مثل هذه السلوكيات مرفوضة تمامًا وتضع على عاتق النساء مسؤولية إسقاط الانقلاب وإسقاط من يحاولون إلغاء دورهن في الحياة العامة.

ولعبت النساء السودانيات دورًا كبيراً في الثورة التي أطاحت بالنظام السابق، ولكن لم يجدن التقدير في حقبة ما بعد تشكيل مؤسسات الحكم المدني في عهد رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك. إذ لم تتوقف مواكب النساء المطالبة بالعدالة في توزيع الفرص وتعزيز مشاركتهن في الحياة العامة، ومع ذلك لم يتم الالتزام حتى بنسبة الـ(40%) المقررة لهن وفقًا للوثيقة الدستورية.

وفي ميادين الاعتصام التي تتوسط الأحياء السكنية يدور جدل آخر يتعلق هذه المرة بسلوكيات المعتصمين من الشباب ومدى مطابقتها لقيم المجتمعات حول الاعتصام. وظلت قضايا مثل نوع الأزياء، الألفاظ الخادشة للحياء، النزاعات بين الأفراد، مهاجمة أقسام الشرطة، فضلًا عن تعاطي المخدرات، حاضرة بشدة في النقاشات بين المعتصمين إلى حد أن لجنة تنظيم اعتصام صينية الأزهري وضعت مدونةً للسلوك قررت فيها منع تعاطي المخدرات داخل ساحة الاعتصام.

وظلت الاتهامات بتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة تطارد الثوار. وبحسب مصادر متطابقة فإن الشرطة تقوم بإجراء كشف مخدرات على من يتم توقيفهم في المواكب.

اعتصام الجودة
لافتات اعتصام الجودة بالديوم الشرقية

وفي وقت سابق، بثّ التلفزيون القومي فيلمًا وثائقيًا باسم "خفافيش الظلام" حاول من خلاله الربط بين الثوار وبعض السلوكيات غير المنضبطة مثل تعاطي المخدرات.

بالنسبة إلى الناشط السياسي محمد خليفة فإن ما يجرى الآن "مخططٌ له". ويتهم خليفة في حديثه لـ"الترا سودان" السلطات الأمنية باستخدام تكتيكات جديدة بدلًا عن تكتيك الفض المباشر للاعتصامات. فتعمل على أن ينفض من داخله، عبر إحداث شرخ بين الثوار أنفسهم، وبين الثوار والأهالي في الأحياء، مع التركيز الإعلامي وتضخيم ما يحدث من ظواهر "يعتبرها المجتمع سالبة".

اعتصام الجودة
جانب من اعتصام الجودة

وبحسب خليفة فإن إستراتيجية السلطات تقوم على إظهار المعتصمين بصورة محددة وربطهم بالانحلال والمخدرات وغيرها لتشويه صورة الثورة والثوار، والسعي لفتح مواضيع خلافية تتعلق مثلًا بأزياء الفتيات، وتغذية الخلاف بين الثوار، وافتعال مشاكل داخل الاعتصامات عن طريق عناصر مزروعة أو "غواصات تلبس قناع الثورة" قد ترتقي الخلافات إلى الاشتباك المباشر وذلك لإضعاف الروح المعنوية للشباب.

فيما يرى فريق ثالث أن المسألة "تضخيم لما يجري على الأرض" وأن التصرف الصحيح هو تجاوزه وتجاوز الجدل حوله لصالح النقاش حول الثورة ومستقبلها وحول طبيعة العلاقة بين من يقودونها والكتلة الحرجة. ويرون أن الهدف الأساسي من الاعتصام داخل الأحياء السكنية هو توفير الحماية للمعتصمين وضمان انخراط مجموعات جديدة في الثورة من أجل تحقيق غايتها في إسقاط الانقلاب.