27-يونيو-2021

تعبيرية (Getty)

اعتقد السودانيون أن الحكم الانتقالي هو الخط الفاصل بين عهد مظلم وعهد مستنير، إذ شكل اضطهاد نظام الإنقاذ للنساء وتضييق الخناق عليهن أساسًا متينًا للتنظيم الحاكم على مستوى عالٍ لقمع النساء السودانيات اللائي كُنّ في طليعة الحراك الرافض والمعارض للنظام البائد، وقد شكلن حضورًا منظمًا وطاغيًا وسط العمل الجماهيري الذي قاد لإسقاط نظام الإنقاذ.

ما مدى قانونية  استثناء النساء ومنعهن من إجراء الضمانة الشخصية لأي متهم بواسطة الأجهزة الشُرطية؟

لكن الحادثة التي برزت خلال الأسابيع السابقة، تُشير إلى تحديات وعقبات تواجه الاعتراف الرسمي بحقوق النساء في السودان، إذ يشير التحقيق الذي أجراه "الترا سودان" إلى تكرار حادثة استثناء النساء ومنعهن من إجراء الضمانة الشخصية لأي متهم بواسطة الأجهزة الشُرطية بعدد من أقسام الشُرطة. الظاهرة التي وصفها البعض بأنها "خروج عن القانون باسم القانون"، فيما يصفها آخرون بأنها "أعراف تحولت إلى أسس متينة لعمل أجهزة الدولة برغم مخالفتها لأسس المواطنة في البلاد، والتي أقرتها الوثيقة الدستورية للحكم الانتقالي في السودان". وبرغم مرور ما يُقارب ثلاثة أعوام على انطلاق قطار الثورة السودانية؛ لا يجد المواطن السوداني حتى الآن ضالته في العدالة، فتُسمع شكواه ويجني العدالة ويجبر ما لحقه من ضرر.

اقرأ/ي أيضًا: إغلاق عنابر تنويم "مستشفى الذرّة" بالخرطوم يضاعف الطلب في القطاع الخاص

هذا ما كشف عنه تحقيق "الترا سودان"، حول مبررات رفض قبول النساء كـ"ضامن" لدى الأجهزة الشرطية والعدلية، وبحسب شكاوى متكررة، استمعت لها "الترا سودان"، ودُفع ببعضها إلى قيادة الحكم الانتقالي، تتعرض النساء في بعض المرافق الشُرطية للتمييز على أساس النوع الاجتماعي، باسم القانون ودون سند قانوني. ما اعتبره البعض "تقويضًا للسلطة الدستورية التي منحت الرجال والنساء الحقوق على أساس المواطنة وجرمت التمييز بينهما لأي سبب". فلماذا تُرفض ضمانة المرأة لدى الأجهزة الشرطية؟ وهل يكفل القانون ذلك؟ وما هو الرأي الرسمي حول هذه الحادثة المتكررة؟ ذلك ما نحاول الإجابة عليه خلال مضابط هذا التحقيق.

تجاوز قانوني.. وانتهاكات متكررة

خديجة الدويحي مواطنة سودانية وناشطة سياسية، خاطبت عبر شكوى رسمية وزير العدل السوداني نصرالدين عبدالباري، مُعترضة على رفض أحد الضباط، قبول ضمانة شقيقتها لها في أمر قبض صادر بمواجهتها، بحكم أنها امرأة. فيما تروي لنا أخريات تفاصيل حوادث مماثلة، تشير إلى تمييز على أساس النوع يُمارس في بعض المرافق الشُرطية بالسودان، خارج إطار القانون.

وتقول الشاكية في نص الشكوى الموجهة لوزير العدل والمعنونة إلى رئيس الوزراء وعدد من الجهات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني: "أنا المواطنة خديجة محمد الدويحي تم رفض ضمانة شقيقتي السيدة سلمى محمد الدويحي في يوم الأحد الموافق 20 حزيران/يونيو 2021، في قسم جرائم المعلوماتية ببحري، من ضابط اسمه (أحمد)، لشخصي في أمر قبض صادر في مواجهتي، وفقًا للتهم الموجهة إلي بموجب المادة (25/24) من قانون جرائم المعلوماتية للعام 2018". 

وتروي خديجة بحسب الشكوى التي نشرتها على وسائل التواصل، قبل أيام، أن أحد الضباط بقسم المعلوماتية بالخرطوم بحري، رفض إجراء الضمانة الشخصية عندما علم أن الضامن هي شقيقتها "امرأة"، مضيفًا "لا يمكن أن تضمنك". مشيرة إلى أن الضابط أشار إلى رفض إجراء الضمان بواسطة "امرأة" مُطلقا. فيما استشهد بجزء من الآية (11) من سورة النساء "للذكر مثل حظ الأنثيين"، التي اعتبرتها الدويحي "متعلقة بالميراث ونزلت في سياق مُحدد".

وتابعت الدويحي سرد أحداث التحقيق معها، لتشير إلى رفض الضباط حين استدعائها للمرة الثانية، في 16 حزيران/يونيو الجاري، الموافقة على إجراء الضمانة بواسطة شقيقتها وتضيف: "أكد الضابط أن منع الضمانة بواسطة امرأة هو إجراء قانوني يتم بواسطة منشور قضائي". ورغم مطالبتها بنسخة من المنشور القانوني، تُشير الدويحي إلى أن الضابط رفض منحها صورة من المنشور، وتابع "لن نمنحك المنشور وإذا أردتِ الاطلاع عليه عليك التوجه للنيابة".

اقرأ/ي أيضًا: أقسام الطوارئ بالمستشفيات الحكومية.. انهيار كامل ومشكلات متراكمة

وتساءلت خديجة عن أسباب انتهاك الدولة لحقوق المرأة وتقييدها وأردفت "كيف لدولة دستورها ينص على المواطنة والمساواة وفي نفس الوقت تنتهك حقوق المرأة بسبب نوعها؟ وما هو السبب في عدم قبول ضمانة المرأة هل هي أسباب عُرفية أم قانونية؟ وهل شروط الضمانة تنص على نوع الضامن؟ وكيف يتم رفض ضمانة المرأة في دولة وصلت فيها المرأة إلى رئاسة القضاء؟".

خديجة الدويحي: يجب مواءمة القوانين والتشريعات مع الوثيقة الدستورية والمعاهدات والمواثيق الإقليمية والدولية

وطالبت الدويحي، بإلغاء القوانين والمناشير القضائية المميزة ضد النساء والفتيات المنتهكة لحقوقهن، وتابعت "يجب مواءمة القوانين والتشريعات مع الوثيقة الدستورية والمعاهدات والمواثيق الإقليمية والدولية من أجل ضمان تحقيق العدالة والمساواة وإعطاء النساء كافة حقوقهن دون أي تمييز".

وكانت الوثيقة الدستورية للحكم الانتقالي نصت في الفصل الرابع عشر "وثيقة الحقوق والحريات"، على أن "الناس متساوون أمام القانون دون تمييز بينهم بسبب الأثنية أو اللون أو النوع أو اللغة أو العقيدة الدينية أو الرأي السياسي أو الأصل العرقي أو الإثني أو أي سبب آخر".

حوادث مماثلة

من جانبها تشير شريفة حسن محمد سليمان، مواطنة سودانية، لتعرضها إلى حادثة مماثلة، بالقسم الجنوبي بالخرطوم مساء الإثنين الماضي، إذ رفض الضابط المناوب قبول شقيقتها كضامن لها في حادث مروري، ما اضطرها للتواجد بالقسم حتى ساعات متأخرة بحثًا عن ضامن آخر. 

وتحكي شريفة تفاصيل الواقعة لـ"الترا سودان": "اتجهت إلى القسم الجنوبي بسبب حادث مروري، وأجريت مراحل التحري التي أثبتت انني مخطئة في الحادث وسأحتاج لضامن شخصي لإطلاق سراحي" وتابعت: " اشترط المتحري أن يكون الضامن من سكان الخرطوم (نفس الدائرة الجغرافية) وابلغته بأن شقيقتي متواجدة ويمكن ان تضمنني". 

وتابعت أن ضابط التحري أبلغني رفضه قبول شقيقتي كضامن، وأن ذلك ممنوع بالقانون، فيما تساءلت شريفة "إن كان منع النساء من الضمانة الشخصية يستند على القانون أم هو عرف سائد دون سند قانوني؟".

وتشير مُحدثتنا، أن المُتَحَرِّي استشار الضابط المسؤول في القسم الجنوبي حينها، إذ أبلغه رسميًا "رفض اعتماد أي امرأة كضامن بأي صورة من الصور". 

واستنكرت شريفة التمييز الذي تتعرض له النساء في المرافق الخدمية المختلفة وتضيف: "خرجنا في ثورة جماهيرية لتغيير هذه المفاهيم الخاطئة"، وتساءلت: "لماذا امتلك إثبات شخصية وبطاقة قومية على أساس المواطنة، ولا يسمح لي بممارسة حقوقي القانونية؟".

وشددت شريفة على مطالبتها بـ "بتغيير القوانين لتمارس المرأة حقوقها على أساس المواطنة دون تمييز بين الرجال والنساء"، وختمت بالقول: "من المؤسف أن تحدث هذه الحادثة بعد مرور أكثر من عامين على تعيين حكومة الثورة".

نفي رسمي

من جانبه نفى الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة السودانية، وجود أي نص في القوانين يمنع اعتماد النساء كضامن في البلاغات. مشيرًا إلى أن إجراء الضمان "من اختصاصات النيابة العامة".

اقرأ/ي أيضًا: نحب النساء نكره النسوية.. لماذا؟

وأضاف اللواء حقوقي عمر عبدالماجد، في تصريح لـ"الترا سودان"، إلى أن الضمانة يتم تصديقها بواسطة النيابة العامة، مشيرًا إلى أنه "إذا رفضت الشرطة قبول الضامن الذي ينبغي أن يكون مستوفيًا لمجموعة من الشروط، يمكن للشخص المتضرر الرجوع لوكيل النيابة".

 الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة: لا يوجد نص في القانون يمنع إجراء النساء للضمانة الشخصية

 وحول وجود نص في القانون يمنع إجراء النساء للضمانة الشخصية، قطع الناطق الرسمي باسم الشرطة قائلًا: "لا يوجد نص في القانون يمنع ذلك".

وتنص الوثيقة الدستورية للحكم الانتقالي في المادة (49) المتعلقة بحقوق المرأة: "تحمي الدولة حقوق المرأة كما وردت في الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادق عليها السودان". وأضافت ذات المادة على أن: "تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي في التمتع بكل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بما فيها الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي والمزايا الوظيفية الأخرى". 

في ذات السياق أكدت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، سليمى إسحق، أن استثناء النساء من إجراء الضمان لا يستند على أي مرجعية قانونية تمنع النساء من التقدم إلى الهيئات الشرطية والعدلية كضامن. مشيرة إلى أن تصديق الضمان يخضع حاليًا "للتقديرات الشخصية لمُنفذ القانون سواء كان وكيل النيابة أو الضابط المسئول ولكن هذه المسالة تحولت إلى عُرف".

وتشدد سليمى إسحق في ختام حديثها لـ"الترا سودان"، على حق النساء في إجراء الضمان دون تمييز على أساس النوع، مضيفة أنه: " لا توجد أي مرجعية قانونية لتحديد نوع الضامن إن كان رجل أو امرأة". وأردفت إن القانون "حدد شروط الضامن ولم يوصف على أساس النوع".

اقرأ/ي أيضًا

ساحة "أتني".. هل تُخمد مشاعل "المقاومة الثقافية" بأمر المُلاك؟

قضية الطلاب ذوي الإعاقة بكسلا.. إهمال حكومي متواصل وقمع