في حرب السودان، لم تكن الفوضى والانتهاكات المتصاعدة بحق المدنيين هي التي تسيطر على المشهد، بل المأساة تكمن في فقدان الأطفال الأيادي والأرجل جراء القصف المدفعي. ويتحدث متطوعون عن ارتفاع عدد الأطفال الذين فقدوا أطرافهم جراء وقوع قذائف صاروخية في الأحياء السكنية الواقعة تحت سيطرة الجيش في أم درمان.
مطالب بوقف القصف المدفعي على الأحياء السكنية في كرري
يعكس سامح مزمل، عضو مبادرة المتطوعين في مستشفى النو بمدينة أم درمان، حيث يسيطر الجيش على أجزاء وسط المدينة ومحلية كرري، المعاناة التي يكابدها الأطفال بسبب بتر الأطراف.
يقول سامح مزمل: "إن المشاهد مؤلمة وصادمة حينما ترى الأطفال بالأيادي والأرجل المقطوعة. حقاً يجب أن يتوقف القصف المدفعي على الأحياء السكنية في أم درمان". ويضيف في منشور على "فيسبوك": "من المناظر التي تدمي القلوب في الحرب إصابات الأطفال. عندما يحدث القصف المدفعي يكون من بين الضحايا أطفال. في بعض الأحيان نحن في فريق التطوع لا نستطيع تقديم المساعدة لعائلاتهم، نشعر بخيبة الأمل".
مستشفى النو
ويعبر سامح مزمل عن شعوره بالألم عندما يُصدم الأطفال حينما يجدون أنفسهم في المستشفى وجزء من أجسادهم قد بُتر بسبب القصف المدفعي، مُستدركاً: "في وقت مبكر من الصباح كنت مع الطفل فارس الذي تعرض لبتر في الساق وكف اليد لدى أطباء الجراحة والتجميل".
وأردف: "رافقته إلى وحدة التجميل الجراحي ووجدت في ذات الوقت طفلة لم تتجاوز خمسة أعوام وقد بترت ساقها. حضر طفل آخر عمره أربعة أعوام يعاني من كسور في القدم بسبب القصف المدفعي، ومعه والدته المصابة أيضاً".
متطوع بمستشفى النو: الأجساد الهزيلة لا تتحمل رؤية الرجل أو الأيادي المبتورة. هؤلاء أطفال اليوم وشباب المستقبل في السودان
وأكمل سامح مزمل، المتطوع في مستشفى النو: "هذه المشاهد تكررت مؤخراً.. الأجساد الهزيلة لا تتحمل رؤية الرجل أو الأيادي المبتورة. هؤلاء أطفال اليوم وشباب المستقبل في السودان".
في أم درمان، تداول الناشطون الشهر الماضي صورة رجل يحمل طرفاً مبتوراً أثناء وصوله بواسطة "ركشة" إلى المستشفى. كان الرجل للتو غادر موقعه الذي تعرض للقصف والدماء تغطي أرضية العربة التقليدية التي درجت على نقل الضحايا.
تشعل مريم شمعة أثناء انقطاع الكهرباء في غرفة المنزل بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف. يقول السكان إن الدعم السريع يقف وراءه لنسف الاستقرار النسبي في محلية كرري الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة.
عشرات القذائف يومياً
أُمرت مريم من والدها بإطفاء الشمعة، مبرراً بأن القصف قد يتبع المواقع التي ينبعث منها الضوء. تقول هذه الفتاة الثلاثينية التي قضت (15) شهراً ما بين الخرطوم بحري وأم درمان: "إن الناس عندما يسمعون أصوات القصف المدفعي يختبئون. الأولوية للأطفال يجب وضعهم في غرف تقع في الجزء الداخلي للمنزل حتى يكونوا آمنين عندما تنهار أجزاء من المنزل".
عشرات القذائف أو أكثر من هذا العدد تسقط على الأحياء السكنية في محلية كرري بأم درمان، وفور تراجع الأصوات تعود الحياة إلى الشوارع والأسواق وكأن الجميع لم يكونوا قبل لحظات تحت نيران القذائف. تضيف مريم: "الناس يحبون الحياة ويمارسونها في أحلك اللحظات. ماذا سيفعلون؟ الاستسلام ليس حلاً".
مواطن: القصف المدفعي يتحول إلى شكل شبه يومي في بعض الفترات
في ساحة عامة في شارع الوادي بمحلية كرري أم درمان، يكتظ الناس خلال فترات المساء. منهم من يشرب القهوة والشاي، ومنهم من يطلب العشاء بالفول والفلافل، وهناك من يطلب الآيس كريم لأطفاله وحتى الفطائر.
يقول ياسر الذي يقيم على مقربة من شارع الوادي بأم درمان لـ"الترا سودان": "إن القصف المدفعي يتحول إلى شكل شبه يومي في بعض الفترات، وهناك شعور لدى قوات الدعم السريع التي تطلق القذائف على الأحياء السكنية في مناطق مستقرة نسبياً أن القصف سيدفع المواطنين إلى النزوح".
