عاد عمال قطاع الكهرباء إلى الإضراب اعتبارًا من اليوم الاثنين، إثر إرجاء وعود حكومية بزيادة الأجور إلى العام القادم، على أن تكون متدرجة بين نهاية هذا العام ومنتصف 2023.
ويطالب عمال الكهرباء بتعديل الهيكل الراتبي أسوة بالعاملين في وزارة الطاقة والنفط، كما أن انفراط التضخم أدى إلى تآكل الأجور في العامين الأخيرين، إذ يتقاضى العامل في قطاع الكهرباء أقل من (100) دولار أمريكي شهريًا، أي ما يعادل (45) ألف جنيه.
قد تحتاج الحكومة المصغرة التي تدير الاقتصاد بعد الانقلاب الى نصف مليار دولار لتغطية الأجور خلال الأشهر القادمة
وقال عامل في محطة قري الحرارية بالخرطوم بحري والتي تنتج حوالي (187) ميغاواط/ساعة من محطتين عملاقتين - قال لـ"الترا سودان": "خفضنا الانتاج بنسبة (30)% إنفاذًا للإضراب الذي بدأ الأحد وانتقل إلى تخفيض المحطات اليوم الاثنين".
وبالكاد يوفر السودان الإمداد الكهربائي لحوالي (40)% من السكان في المدن وبعض الأرياف، إذ أن غالبية السودانيين لا تشملهم الشبكة القومية للكهرباء نتيجة لنقص الإنتاج وعدم وجود خطط حكومية.
وأشار هذا العامل إلى أن اللجنة المفوضة من عمال قطاع الكهرباء تلقت معلومات عن وجود نوايا لدى الحكومة، بتعديل الهيكل الراتبي بالتدرج اعتبارًا من نهاية هذا العام وحتى نهاية 2023، وبالنسبة للعمال هذا مقترح مرفوض، مشيرين إلى أنهم لن يقوموا برفع الإضراب قبل الاستجابة الكاملة للمطالب - حد قولهم.
واعتاد السودانيون على برمجة قطوعات يومية تستمر لأربع ساعات في اليوم والليلة بالقطاع السكني، لكن مع الإضراب الذي عاد إلى المحطات الحرارية والمائية؛ قد تزيد برمجة القطوعات إلى ست ساعات يوميًا سيما الفترات الصباحية.
وأدى الإهمال الحكومي إلى تدني إنتاج المحطات الحرارية، إذ أن السودان يعتمد على هذا القطاع لتغذية الإمداد في الشبكة. ففي محطة قري الحرارية كان من المأمل تركيب "الماكينة الثالثة" لإنتاج (400) ميغاواط في شباط/فبراير الماضي، لكن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الانتقالية تسبب في عرقلة هذه الخطط.
وتحذر لجنة الهيكل الراتبي لعمال الكهرباء من أن الإضراب لا يتقصر على مطالب الأجور؛ بل إن تشغيل وصيانة المحطات الحرارية والمائية يجب أن يتلقى "تمويلات حكومية معتبرة" في ظل الطلب المتزايد على الكهرباء.
وإذا ما تمكن السودان من إنتاج ثلاثة آلاف ميغاواط/ساعة سيتمكن من إنهاء أزمة الكهرباء، وفي هذا العام اعتمد على رفع الكهرباء المستوردة من مصر من (70) ميغاواط في الوقت الحالي إلى (300) ميغاواط. ويعطل الجانب السوداني هذا المشروع بسبب عدم الإيفاء بالمعدات اللوجستية والمحولات اللازمة للربط.
إلى جانب محطة قري فإن محطة بحري الحرارية تساهم بحوالي (75) ميغاواط/ساعة، وقد يرتفع الإنتاج في هذه المحطة إذا حصلت على الصيانة والوقود إلى (200) ميغاواط، وهناك أنباء تحصل عليها "الترا سودان" أن المحطة خارج الخدمة اليوم بسبب عطل طارئ.
بينما تعتبر محطة أم دباكر بولاية النيل الأبيض من أفضل المحطات من حيث نسبة الإنتاج، إذ تساهم بـ (300) ميغاواط والطاقة التصميمية لها (500) ميغاواط/ساعة، وتتوقع وزارة الطاقة ارتفاع الإنتاج عقب اكتمال الصيانة وتوريد قطع الغيار.
ولا تزال محطة من صنع "سيمنز الألمانية" قابعة في منطقة خارج مدينة بورتسودان منذ العام 2015، حيث كانت السعودية قد تبرعت بها إلى السودان إلى جانب محطة "قري 3". وبسبب المقاطعة الألمانية للخرطوم عقب الانقلاب توقف العمل في تركيب "قري 3" شمال العاصمة.
ويؤكد عضو من لجنة عمال الكهرباء لـ"الترا سودان"، أن قطاع الكهرباء مهدد بالانهيار حال استمراره بهذا الشكل، مشيرًا إلى أن طريقة إدارته عبر الشركات لم تعد مجدية ويجب أن تخضع للهيكلة.
ويوضح أن "الرضا الوظيفي للعمال مهم للغاية، فلا يمكن أن تطلب من العامل أن يؤدي واجبه كاملًا وهو يتقاضى أجرًا زهيدًا".
وتجد "الحكومة المصغرة" التي تدير الاقتصاد والخدمات في السودان في فترة ما بعد الانقلاب العسكري نفسها في مأزق نتيجة موجة الإضرابات والاحتجاجات العمالية المطالبة برفع الأجور.
وقد تكون هذه الحكومة، والتي عينها العسكريون، بحاجة إلى نصف مليار دولار لتغطية الأجور والاستجابة لمطالب آلاف العمال خلال هذا العام فقط، بينما تظل قضية الأجور من الأمور التي قد تتحكم في مستقبل أي حكومة قادمة.
اقتصاد يتداعى بسرعة وهجرة للاستثمارات وركود غير مسبوق جميعها بجانب الاحتجاجات العمالية عوامل تضع الحكومة تحت الضغوط
اقتصاد يتداعى بسرعة مع ركود يستمر منذ تسعة أشهر وإضرابات متصاعدة وحركة احتجاجات مناوئة للعسكريين، جميعها عوامل قد تؤدي إلى إضعاف هيمنة العسكريين حسب ما يقول المراقبون.
وللتغلب على هذه الضغوط تدور إرهاصات في دوائر السلطة الحاكمة إلى تبني قائد الجيش خيارًا بالسماح بتشكيل حكومة مدنية ومجلس رئاسي مدني عبر اتفاق مع بعض القوى المدنية.
ولا تستطيع "الحكومة المصغرة" في السودان التراجع عن الوعود المتعلقة بزيادة الأجور لعشرات الآلاف من العمال في القطاعات العامة، لكن شح التمويل الدولي وتدني الصادرات والركود في الأسواق وتراجع الضرائب قد تدفعها إلى الاستدانة من البنك المركزي، ما يعني التأثير على سعر الصرف في السوق الموازي والعودة إلى "الحلقة المفرغة" للتضخم.