04-يناير-2021

قصف السيارة في بورتسودان في العام 2011 (الجزيرة)

خلال ست سنوات تمكنت إسرائيل من توجيه خمس غارات جوية على السودان؛ اثنتين منها في الخرطوم واستهدفتا مصانع عسكرية، وثلاث منها في شرقي السودان. 

لم تتوقف دولة الاحتلال بهذه الغارة؛ بل أغارت في العام 2011 على سيارة في طريقها من مطار بورتسودان إلى داخل المدينة

أول استهداف كان في العام 2009 لرتل من السيارات بالقرب من الحدود المصرية السودانية شرقًا، لم تتبناه إسرائيل بشكل رسمي، لكن الإعلام الإسرائيلي تحدث عن الغارة بوضوح. بينما الحكومة السودانية في عهد البشير ذهبت إلى أن الاستهداف حصل لمجموعة من الأفارقة كانوا في رحلة هجرة غير شرعية، وذكرت عدد الضحايا، ولم يظهر عليها كثير اهتمام بالأمر لاحقًا. 

اقرأ/ي أيضًا: التغيير في أمريكا.. بايدن ومآلات التطبيع

لم تتوقف دولة الاحتلال بهذه الغارة؛ بل أغارت في العام 2011 على سيارة في طريقها من مطار بورتسودان -الذي يقع خارج المدينة- إلى مدينة بورتسودان، وقتلت السائق والشخص الذي يجلس بجواره، وكان غرض الاستهداف بحسب إسرائيل بأنه يستهدف قائدًا ميدانيًا في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وأوضحت حركة "حماس" في بيان لها حينها، أن عبداللطيف الأشقر المستهدف بالغارة لم يقتل في هذه الغارة كما تزعم إسرائيل. 

وفي العام 2012، وللمرة الثالثة، أغارت إسرائيل على سيارة في حي "ترانزيت" ببورتسودان، وقتلت سائقها وهو أحد أثرياء المدينة ورجل معروف فيها، وتعددت أسباب استهدافه؛ لكن الأكثر انتشارًا منها كان أنه مصنف كتاجر سلاح لدى الإسرائليين، وعقب الحادثة اعتقلت سلطات نظام عمر البشير أعداد كبيرة من المواطنين السودانيين بتهمة أنهم جزء من الجريمة.

بعدها توغلت الغارات الإسرائيلية في العاصمة الخرطوم، حيث استهدفت مصنعين حربيين في العام 2012، وهما مصنع اليرموك ومصنع الصافات التابعان للصناعات الدفاعية بالقوات المسلحة، وذلك في العام 2015. 

رغبة في التفرغ للسياسة 

من خلال تتبع خطوات العسكريين في السودان، يبدو أنه من الواضح رغبتهم الكبيرة في التفرغ للعمل السياسي والسيطرة الكاملة على القرار في السودان، وأنهم يسعون إلى إنزال كل الأحمال العسكرية والأمنية وخاصة ذات الكلفة العالية من أكتافهم، لذا يأتي التطبيع مع إسرائيل كفرصة مواتية للتخلص من خصم عسكري صعب، يسهل التصالح معه بدلًا عن معاداته، وبهذا شرع العسكريون في خطوات التطبيع قبل التشاور مع المدنيين في حكومة المرحلة الانتقالية، مع أن رغبة الطرفين المدني والعسكري تنتهي بالتطبيع مع إسرائيل، وكل طرف له دوافعه؛ فالعسكريون يرغبون في التفرغ لحكم البلاد، والمدنيون بحاجة لدعم خارجي لا يحصل إلا بالمرور برضا دولة عربية ساعية لذلك ومشتغلة عليه.

اقرأ/ي أيضًا: الحرب.. توظيف سيئ لخيال أسوأ

وهو ما ذهب إليه المفكر العربي الكبير، عزمي بشارة، في حديثه للتلفزيون العربي، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في إشارة لطموح المكون العسكري في السودان للتفرغ للسياسة وحكم البلاد، حيث رأى بشارة، أن أهم المخاطر التي تواجه الفترة الانتقالية في السودان برأيه؛ هي مسألة طموح الجيش السوداني في السلطة، وهي من المسائل التي لم تحسم بعد، فهو جيش له تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية والإطاحة بالتجارب التعددية، لذلك فهي قضية تحتاج للعمل عليها على عدة مستويات. فعلى المستوى الدولي هناك دور المجتمع الدولي في الضغط على قادة الجيش السوداني لجهة لجم أي رغبة لديهم في تولي الحكم، أما على المستوى السوداني المحلي فدور قوى الثورة والدور الشعبي سيكون له تأثير بارز في الانتقال بالفترة الحالية إلى مرحلة إنجاز انتخابات تعقبها.

بحسب المفكر العربي عزمي بشارة، فإن الجيش السوداني فيه قسم لا يريد أن يحكم، لكن من الجانب الآخر فإن فيه تيارًا لديه الرغبة القوية في الحكم

وبحسب بشارة فإن الجيش السوداني فيه قسم لا يريد أن يحكم، لكن من الجانب الآخر فإن فيه تيارًا لديه الرغبة القوية في الحكم، وهو ما يعني أن التجربة السودانية ينتظرها عمل يومي دؤوب ومثابر من أجل مقاومة وتحجيم التيار الراغب من الجيش في حكم البلاد. ويرى بشارة أنه بجانب خطر رغبة الجيش السوداني في الحكم، فإن الثورة السودانية مواجهة بمخاطر فشل الحكومة الانتقالية، فالبلاد هي من أقل البلدان في متوسط دخل الفرد السنوي مقارنة ببلدان المنطقة، إلى جانب أنها تعاني مشكلات لا توجد بأي بلد عربي آخر، ما يعطي النخبة العسكرية التبرير الكامل في الوثوب على كرسي الحكم في حال فشلت الحكومة المدنية.

اتفاق الفرقاء

هناك تياران لهم حضور كبير في الشأن العام في السودان، وهما التيار اليساري والإسلامي، على المستوى الرسمي والتنظيمي فكلا التيارين ضد التطبيع، وساهما في تشكيل رأي عام ضده أيضًا، مما يجعل من قرار التطبيع قرارًا سياسيًا بامتياز، يسقط بتغير السلطة في حالة الإعلان عنه، بينما يظل الرفض هو الأساس والأصل في السودان لأي علاقة مع دولة إسرائيل. مع أن الإسلاميين واليساريين مختلفون على درجة بعيدة في قضايا الوطن الداخلية، لكنهما متفقون على قرار رفض الاعتراف بإسرائيل؛ ولكل طرف دفوعاته؛ سواء هي دينية عند الإسلاميين أو إنسانية ونضالية عند اليساريين، ولكنها تتجمع في مبدأ رفض التطبيع مع إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون.. الوجه الحقيقي للحرب في في إقليم تيغراي

المزاج الشعبي في السودان ارتبط بمناصرة القضية الفلسطينية عند عدد كبير من السودانيين، بالهوية الدينية المتمثلة في الإسلام والهوية العربية، وقد عملت السلطات السابقة في تبرير دعمها للقضية الفلسطينية على هذين الجانبين.

هناك مستوى عالٍ من الوعي لدى عدد مقدر من الثوّار

لاحقًا، وبعد ثورة كانون الأول/ديسمبر وسقوط نظام البشير؛ صارت المواقف ضد كل ما كان يؤمن به النظام المندثر، وهذا ما يفسر مواقف عدد كبير من الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي ورفضهم للاستمرار في القضايا التي تبناها النظام البائد. لكن بالمقابل هناك مستوى عالٍ من الوعي لدى عدد مقدر من الثوّار، يمكنهم من الفصل بين المرحلتين مع الاحتفاظ بدعم المواقف السليمة تجاه كل حق إنساني كما دعت وما تزال تدعو شعارات الثورة: حرية سلام وعدالة.

اقرأ/ي أيضًا

اختطاف وقتل "بهاء الدين نوري".. والوثيقة الدستورية

نظرة إلى المستقبل من شرفة الماضي