26-ديسمبر-2020

عبد الله حمدوك وآبي أحمد (عربي بوست)

لا يجب علينا دفع الجيش للانتصار في معادلة الموت التي تتيحها الحروب في معركة مع غيرنا حتى يثبت وطنيته، هذا الأمر وإن حدث لا ينفي حقيقة أن الجيش طوال تاريخه كان سلاحه موجهًا ضد سودانيين إلى أن انقسم الوطن نفسه إلى قسمين.

الحرب الأهلية السودانية لم تكن أبدًا جريمة الجيش السوداني، بقدر ما هي واقع أتاحه العقل السياسي السوداني في دولة ما بعد الاستعمار

لكن الحرب الأهلية السودانية لم تكن أبدًا جريمة الجيش السوداني، بقدر ما هي واقع أتاحه العقل السياسي السوداني في دولة ما بعد الاستعمار، ولم يكن أمام ما الجيش خيار غير خوضها.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون.. الوجه الحقيقي للحرب في في إقليم تيغراي

بخلاف نظام الفريق إبراهيم عبود، جميع اتفاقيات السلام (الموقوتة) التي وقعت طوال تاريخ الحرب الأهلية السودانية، وقعت مع حكومات انقلابية (بما في ذلك النظام البائد!) لم توقع أي حكومة ديمقراطية منتخبة اتفاقية سلام لوقف الحرب!

إن أكبر الأمثلة على هذا الأمر هو اتفاق جوبا الأخير للسلام، وعجز الحركة السياسية المدنية السودانية عن قيادته -أو قبولها به غير مذعنة على مضض-، رغم الفرص التي كانت متاحة أمامها لحقيقة وجود حليفتها الجبهة الثورية في قوى الحرية والتغيير؛ أو الحاضنة كما تسمي نفسها في أوضح تجليات قصورها! –هذا الاسم في حد ذاته إدانة وتصريح بعدم الأهلية-، ومع ذلك تتم مقاومة اتفاق سلام جوبا وفق هذه الحقيقة، في محاولة لإعادة نفس نموذج الهيمنة والاختلال الذي يعيد تعريف الصراع السياسي داخليًا بين أصحاب الامتيازات التاريخية وأصحاب المظالم التاريخية أيضًا من خلال جدلية إعادة إنتاج أزمتنا الوطنية دائمًا.

هذا لا يعني أننا نقول إن كل الطبقة السياسية المدنية كانت تهلل للحرب، لكنها دائمًا كانت تستخدم الحرب حجة لتداري عجزها وقصورها الديمقراطي من ناحية، ومن ناحية تانية هذا الفعل كان يتيح لها باستمرار وضع الهيمنة في إدارة السلطة والاختلال في مشاركة الموارد وتنميتها وتوزيع الثروة.

مثال آخر على قصور النخب المدنية السودانية هو تعثر الوصول لاتفاق سلام مع عبد العزيز الحلو، رغم وضعه للمدنية التي خرج الثوار للمطالبة بها، كأساس للاتفاق السياسي، وتقديمه للتأسيس السياسي على مسالة مشاركة السلطة، فأصبح الحلو كالمستجير من الرمضاء بالنار!

ليست هناك صيغة للهزيمة في أي حرب أوضح من استلاب الإرادة الوطنية عبر نظام سياسي يفتقر إلى الأساس الوطني الديمقراطي في تأسيسه لمشروعيته، وفي ذات الوقت يبحث عّن هذه المشروعية من خلال الحرب! وسواء كانت هذه الحرب إقليمية أو أهلية، فإننا لا نختلف أبدًا حول نتائجها في إفقار الشعوب وازدهار الفساد السياسي!!

الوضع في إثيوبيا سوف لن يختلف عنا حال اشتعال حرب في المنطقة، فمنطق الحرب دائما هو أنها تحتاج أحمقين -فأحمق لوحده لن يشعل حربًا وإن أرادها.

أفصح تعريف للحماقة في علم النفس مرّ علي كان بمعنى أنها: "توظيف سيء لخيال أسوأ"

لا اتمنى أن يتم التحايل على نهاية شروط الدولة القديمة في البلدين، السودان وإثيوبيا، بافتعال حرب بينهما قد يفوق الموت فيها حرث الدولة القديمة في كليهما، حرب ستهلل لها الطبقة السياسية لتمحو عارها وتغرر بالجيوش لمحو هذا العار بفصل جديد من فصول الموت الذي لم يعد غيره يتيح بقاءها.

إن أفصح تعريف للحماقة في علم النفس مرّ علي كان بمعنى أنها: "توظيف سيئ لخيال أسوأ"، وليس أبلغ مما كتبته العرب عنها من قول أبو الطيب المتنبي: "لكل داء دواء يستطبّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها".

اقرأ/ي أيضًا

"هيومان رايتس ووتش": قوات الأمن قتلت المتظاهرين في احتجاجات كسلا

نازحون يحتجون في دارفور مناهضة لقرار سحب قوات "يوناميد"