مر أسبوع على الحرب داخل إثيوبيا بين القيادة المركزية في أديس أبابا وقيادة إقليم تغراي في عاصمة الإقليم "مَغَلي"؛ وفيما يبدو على السطح أن الحكومة المركزية تحاول استعادة الإقليم من القيادات المحلية الخارجة عن طوع الحكومة المركزية، بينما يرى آخرون أن إعلان هذه الحرب هو بمثابة تطهير عرقي تتعرض له قومية التغراي في إثيوبيا، ويدللون على ذلك ببعض الأنشطة التي قامت بها الحكومة المركزية، وأبرزها أنهم في إقليم تغراي يتعرضون للقصف الجوي، وأن كل من ينتمي لإقليم تغراي في الجيش الفدرالي الإثيوبي تم تجريده من السلاح، فضلًا عن تقارير تفيد بمنع المنتمين للتغراي من السفر خارج إثيوبيا.
يحظي آبي أحمد بشعبية إقليمية وعالمية، لكن الأحداث في إقليم تغراي قد تغير ذلك
وتؤكد السلطة المركزية أن الخطوات التي اتبعتها قيادة إقليم تغراي خلال العامين الأخيرين توضح بجلاء أنها ضد استقرار إثيوبيا، وقد قامت بإيواء وحماية شخصيات مطلوبة للعدالة، وأجرت انتخابات منفصلة عن الدولة، وفوق كل هذا رفضت الاعتراف بالسلطة المركزية ونفت شرعيتها.
اقرأ/ي أيضًا: انفجار في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا
حدثت أحداث كثيرة منذ تولي آبي أحمد للسلطة في إثيوبيا بعد حراك جماهيري وثورة شعبية استمرت لفترة طويلة من الزمن، قدّم فيها الإثيوبيون وخاصة قومية "الأورومو" مئات الشهداء والجرحى، ومؤشر التغيير كله كان يذهب في اتجاه توتر الأوضاع السياسية بين آبي أحمد وسلطته المركزية وإقليم التغراي، الحاكم السابق للحكومة المركزية، وهو ما يمكن اعتباره التدرج الهادئ نحو هذه الحرب المندلعة الآن.
أسباب الحرب
يرى المتخصص في الدراسات الإفريقية، علي هندي، في إفادة لـ"الترا سودان"، أن الإصلاحات السياسية التي تبناها رئيس الوزراء آبي أحمد كشفت النقاب وأسفرت عن هروب قياديين بارزين في حزب التغراي إلي إقليمهم حتي لا تطالهم الأجهزة الأمنية للدولة، وشمل ذلك عناصر مطلوبة للمثول امام القضاء رفضت سلطات الإقليم تسليمهم للحكومة الاتحادية في أديس أبابا، وكان هذا بداية مسلسل الاحتقان الذي توالت فصوله فيما بعد إلي أن قاد المخاض الطرفين إلي مواجهة مسلحة.
ويضيف المتخصص في الدراسات الإفريقية، أنه بعد عام من هذه الأحداث، أطلق رئيس الوزراء مبادرته التي أسماها (مادمر) وتعني الانصهار والتوحد، ليفتح بذلك جبهة جديدة للمواجهة بينه وبين حزب التغراي. ولكن هذه المرة كان الصراع في داخل الإئتلاف الحاكم، فقد انطوت فكرة الانصهار على حل الإئتلاف الحاكم وصهر أحزابه الأربعة في حزب واحد أطلق علية اسم (حزب الازدهار)، وفيما وافقت أحزاب الإئتلاف على الاندماج، رفض حزب جبهة تحرير تغراي المشروع. وهذا كان بمثابة خصومة سياسية حملت أبعادًا إثنية.
ويضيف علي هندي في حديثه عن الأسباب المتراكمة التي أدت للوضع الحالي في إثيوبيا قائلًا: "تواصل مسلسل الاحتقان بعد إصرار حكومة إقليم تغراي، والتي يسيطر عليها حزب جبهة تحرير تغراي؛ على إجراء الانتخابات في موعدها في أيلول/سبتمبر الماضي، وذلك تزامنًا مع الانتخابات العامة والتي كان من المفترض أن تجرى في آب/أغسطس من هذا العام، والتي تم تأجيلها إلي موعد غير محدد بسبب الأوضاع الصحية التي نتجت عن تفشي فيروس كورونا المستجد، وهذا كان بمثابة نقل للمواجهة بين الطرفين إلي دائرة النزاع على الشرعية، حيث أعلنت حكومة إقليم تغراي والتي فاز حزب تحرير تغراي فيها بالانتخابات؛ أن حكومة آبي أحمد وحزبه الجديد ليست لديهم شرعية دستورية بعد أن انتهت فترة البرلمان الذي انتخب في العام 2015، وأن أعضاء البرلمان بحاجة إلي العودة إلي دوائرهم الانتخابية بحلتهم الحزبية الجديدة، وليس بحلة إئتلاف الحكم المنحل".
اقرأ/ي أيضًا: إثيوبيا.. مرجلٌ يغلي
ويتابع علي هندي قائلًا: "تلا ذلك دعوة ممثلي البرلمان من أعضاء الحزب للانسحاب من البرلمان، وهو ما تم بالفعل فيما عدا قلة. واختتمت المواجهة قبل اندلاع المعارك برفض حكومة الإقليم تسليم قيادة الجيش المتمركز في الإقليم، والقاعدة المعروفة بالفرقة الشمالية، إلي الجنرال الذي كلف من قبل الحكومة بتولي قيادة الفرقة".
عبدالمنعم أبوإدريس: كل هذه الخطوات فسرها التغراي بأنها استهداف لهم
بينما يرى الصحفي المتخصص في قضايا منطقة القرن الإفريقي عبدالمنعم أبوإدريس، أن أسباب اندلاع الأزمة في إثيوبيا تمثلت في "التراكمات التي بدأت منذ انتخاب آبي أحمد ومعارضة التغراي وعدم منح ممثليه أصواتهم، ومن بعد عندما أطلق سياسته الإصلاحية وأطاح برئيس أركان الجيش ومدير جهاز الأمن والمخابرات".
ويضيف "ومن بعد ذلك اتهامه للشركة الموردة الرئيسية لمواد سد النهضة والتي يقف على رأسها احد قيادات التغراي واتهامه له بالفساد. ثم كانت خطوته في المصالحة مع إريتريا". ويقول عبدالمنعم إن كل هذه الخطوات فسرها التغراي بأنها استهداف لهم حتى وصلت الخلافات قمتها عند تأجيل آبي أحمد للانتخابات وإصرار التغراي على قيامها".
عمليات عسكرية في إقليم تغراي
في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، شنت قوات الدفاع الإثيوبية الهجوم العكسري الأول على إقليم تغراي، وبررت ذلك بأنه رد على هجوم قوات الجبهة الشعبية على قيادة الجيش في الإقليم الشمالي، وهذا بدوره طرح سؤال: من بدأ الحرب أولًا؟
ويجيب المتخصص في الدراسات الإفريقية، علي هندي، قائلًا: "أعتقد أن سؤال من بدأ الحرب يأخذ مكانه ضمن تلك الأسئلة التي تنتظر الإجابة فيمن بدأ كثير من الحروب التي شهدتها الهضبة الحبشية، وكان آخرها الحرب الحدودية بين إريتريا وإثيوبيا التي اندلعت في العام 1998، ولكن أعتقد أن الإجابة عليه لن تفيد في شيئ، خاصةً وأن طبول الحرب كانت تدق منذ عام".
أما الصحفي المتخصص في قضايا منطقة القرن الإفريقي/ عبدالمنعم أبوإدريس، فيقول في رده على نفس السؤال: "من الصعب تحديد من بدأ الحرب أي من الذي أطلق الرصاصة الأولى، ولكن الطرفين منذ عامين يعدان للمواجهة".
انعكاسات الأحداث على السودان والمنطقة
تبدو الحرب الأهلية في إثيوبيا سريعة الاشتعال وسريعة الانطفاء. إذ أنها تقوم بين دولة وإقليم متمرد حسب وصف الحكومة الاتحادية، وهذا ما ساهم في تباطؤ التفاعل معها من المجتمع الإقليمي والدولي، لكن المحلل السياسي علي هندي والصحافي المتخصص في القرن الأفريقي عبدالمنعم لديهما قراءات مختلفة.
فبحسب هندي، فإنها مسألة وقت فقط قبل أن تتورط إريتريا في حرب شاملة مع التغراي، وهذا من المرجح أن يتسبب في حدوث شرخ داخل المؤسسة الأمنية في إريتريا تعززه مشاعر الانتماء الإثني لقومية التغرنجة، وقد نشهد اصطفافات داخل أجهزة الدولة تضع إريتريا أمام حرب أهلية مدمرة، وسوف ينتج عن ذلك موجة نزوح كبيرة ستسهم في تعميق الهوة بين مكونات شرق السودان، كما إنها ستسهم في زيادة حدة الخطاب المعادي للتداخلات القبلية التي يتهمها البعض بإضعاف اللحمة الوطنية.
ويرى هندي أن هذه الأحداث ستمثل تحديًا أمنيًا حقيقيًا للمؤسسة الأمنية في السودان، خاصة وأن أحداث كسلا الأخيرة ألقت بظلال من الشك على حيادية تلك المؤسسة، على حد قوله.
أما أبوإدريس فيرى أن إريتريا بالنسبة للتغراي؛ طرف في النزاع حتى من قبل بدء القتال. حيث اتهمها حاكم إقليم تغراي دبرظيون ميكائيل، بأنها قصفت قواتهم في الحمرا وبادمي، لذلك -والحديث لأبوإدريس- ليس مستبعدًا أن ينتقل القتال إلى داخل إريتريا. وقطعًا بأي شكل انتهت هذه المواجهة ستحدث بعض التغييرات في الحكم في أسمرة، وقد يكون من المبكر التنبؤ بشكل التغيير.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| كمال بولاد: انسحاب الحزب الشيوعي كان مفاجئًا لم نتوقعه
ويضيف أبوإدريس في حديثه فيما يتعلق بالتأثير على السودان قائلًا: "أما بالنسبة للسودان؛ فالحرب لديها آثار أمنية وإنسانية واقتصادية. أمنيًا الإقليم يحادد ولايتين بهما إشكالات قبلية، ما يعني أنهما تعانيان من هشاشة أمنية، والاضطراب على الحدود سيفاقم الوضع. ومن جانب آخر، الحدود تشهد نشاطًا لمجموعات خارجة عن القانون تعمل في تهريب السلاح والبشر والاتجار بالبشر، إضافة للمليشيات الإثيوبية التي تنشط في منطقة الفشقة الزراعية بالقضارف".
عسكريون ومسلحون ضمن الموجة الأولى من اللاجئين إلى السودان
ويؤكد أبوإدريس أن من ضمن الفارين من الحرب سيكون هنالك عسكريين بأسلحتهم، ومع طول الحدود قد يتسرب البعض للسودان، وهذا سيؤدي إلى انتشار السلاح في مناطق حدودية نائية وتعاني من الهشاشة الأمنية.
أما الأثر الإنساني على السودان، فيتمثل بالنسبة لأبوإدريس في عبور أعداد كبيرة إلى مناطق تعاني من ضعف البنيات التحتية والفقر، ودخول أعداد كبيرة من اللاجئين إليها؛ ما سيخلق فيها أزمة إنسانية.
إثيوبيا دولة كبيرة في منطقة القرن الأفريقي ولديها تأثير سياسي واجتماعي على كل منطقة الجوار بجانب أنها مأهولة بعدد كبير من السكان، وكل اضطراب يحدث فيها ستدفع دول الجوار ثمنه أيضًا، وخاصة أنها تعاني من مشكلات استقرار سياسية ومشكلات اقتصادية كما هو الحال في السودان ما بعد الثورة وإريتريا المضطربة، فما مدى تأثير الحرب على البلدان المجاورة، وخاصة بعد موجات اللجوء التي بدأت في اتجاه السودان منذ يومين.
اقرأ/ي أيضًا: مصدر حكومي: فشل الورشة غير الرسمية كان بسبب اختلاف في اتفاق حمدوك والحلو
في هذا الصدد يقول المتخصص في الدراسات الإفريقية، علي هندي: "أعتقد أننا أمام حرب طويلة وستكون لها عدة جولات، قد نشهد فترات توقف تتفاوت في المدة الزمنية، ولكن ما تلبث المعارك أن تندلع مرة أخرى. المشهد الإثيوبي في الجنوب حيث صراع الأورومو السياسي مع الحكومة قد يجبر الحكومة على تخفيف نبرة التهديد التي تصر عليها الآن، ولكن ذلك الصراع قد يؤدي إلي صراع إثني مفتوح يجبر الأمهرا على تبني مشروع قومي قد يحوّل صراع الأورومو إلي صراع داخلي بين الأورمو المستوطنين والذين تعود أصولهم للأمهرا وبين عامة الأورومو".
إذا لم تتدخل جهات لديه ثقل وتأثير على الأطراف لوقف الحرب؛ فإنها حال استمرارها ستكون مدمرة وأثرها سيمتد لدول الجوار
لكن عبدالمنعم يضع بعض الاشتراطات التي تمثلت في دخول جهات أخرى لتهدئة الوضع وإلا فإن الحرب ستستمر، ويضيف: "إذا لم تتدخل جهات لديه ثقل وتأثير على الأطراف لوقف الحرب؛ فإنها حال استمرارها ستكون مدمرة ليس على التغراي فحسب، بل كل إثيوبيا، وأثرها سيمتد لدول الجوار، بل إن الحرب يمكن أن تكون لها أبعاد إثنية عابرة للحدود من خلال المواجهة بين التغراي والأمهرا".
اقرأ/ي أيضًا
قراءة في زيارة البرهان إلى إثيوبيا
التصعيد الحدودي بين جوبا وكمبالا.. وعلاقته بالتقارب مع السودان