منذ عامين يخطط "فاروما" للهجرة إلى أوروبا عبر قوارب الموت التي تبحر نحو القارة العجوز من السواحل الليبية، لا يكترث "فاروما" بمخاطر المتوسط الذي يبتلع المئات سنويًا مع أحلامهم، ومع ذلك لا يكف البحر عن استقبال المزيد من الباحثين عن مستقبلهم بعيدًا عن أوطانهم.
تلقى"فاروما" تعليمًا متوسطًا ولم يرتد الجامعة في بلدته الواقعة جنوب إثيوبيا، وابتدر طفولته بالعمالة الاضطرارية ثم جاء إلى السودان مهاجرًا بطرق غير شرعية وقرر التعامل مع الخرطوم كـ"محطة مؤقتة" نحو الهجرة إلى أوروبا.
تآكل قيمة الأجور في القطاعين العام والخاص من أسباب هجرة الشباب في السودان
ويقول اللاجئون في السودان أن الإعانات المالية التي يتلقونها من منظمات الهجرة أو وكالات الأمم المتحدة غير كافية للبقاء في المخيمات أو المدن السودانية سيما في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي.
ويوضح "فاروما" في حديث مقتضب لـ"الترا سودان"، أن الهجرة حلم يراوده منذ عامين وظل يخطط من أجلها بجمع المال من عمله في "الركشة" وهي وسيلة نقل شعبية في أحياء العاصمة، ويرى أن أوروبا تعد خيارًا جيدًا بالنسبة له بالتسلل عبر السواحل الليبية.
اقرأ/ي أيضًا: الخطاب النسوي في السودان.. التحديات والفرص
لا تقتصر أحلام الهجرة إلى أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية على اللاجئيين فقط، بل أن الرغبة تزايدت مؤخرًا وسط الشباب في السودان عقب تدهور الوضع الاقتصادي واتساع معدلات البطالة وتآكل قيمة الأجور في القطاعين العام والخاص.
وتشير سلمى أحمد (30) عامًا والتي تقيم بالخرطوم بحري وهي موظفة سابقة في مجموعة اقتصادية في العاصمة الخرطوم، إلى أنها تركت عملها لأن الراتب لا يكفي مضيفةً أن متوسط الأجور في القطاع الخاص حوالي (30) ألف جنيه لايكفي لسد الاحتياجات الشخصية.
دفعت أسباب أخرى هذه الفتاة إلى خيار الهجرة فهي محبطة من الوضع العام ولا يمكن أن تبتدر عملًا خاصًا في مجالها في ظل تقلبات السوق وسعر الصرف وارتفاع قيمة العقارات.
تبدو خياراتها حول الهجرة محدودة لأنها لا تفضل السفر عبر القوارب المطاطية وتسعى للحصول على تأشيرة سفر إلى إجدى البلدان الأوروبية عن طريق بعثاتها في السودان. "آمل أن أحصل عليها" تقول سلمى.
حينما تمكن النظام البائد من مكافحة الاحتجاجات الشعبية في 2013، والتي كادت أن تسقطه أدت هذه الإجراءات الأمنية إلى مقتل العشرات وإخماد التظاهرات، ومع اتساع رقعة السخط الشعبي على الوضع الاقتصادي والمعيشي وتدهور مناحي الحياة في البلاد؛ كانت موجات الهجرة بديلًا لآلاف الشباب في السودان في تلك الفترة.
ورغم الإطاحة بالنظام البائد قبل عامين، لم تُخمد طموحات الهجرة وتزايدت رغبة غالبية الشبان السودانيين. وعلى ما يبدو أن المجتمع الدولي لديه مخاوف من نمو موجات الهجرة ويتجه إلى المزيد من الإجراءات التي توصد الأبواب في وجه المهاجرين الفارين من جحيم بلدانهم.
مطلع الأسبوع الجاري أعلن الاتحاد الأوروبي في السودان أنه يعتزم تمويل مكافحة قضايا الإتجار بالبشر بتسعة ملايين دولار، كما انضمت الأمم المتحدة إلى المشروع بتمويل قدره تسعة ملايين أخرى، أي أن وكالات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في السودان وضعوا نحو (18) مليون دولار لمكافحة الإتجار بالبشر، والذي يؤدي إلى تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية كما يسميها الدبلوماسيون الغربيون.
ويرى أحمد حسين المتخصص في قضايا الهجرة في تصريح لـ"الترا سودان"، أنه بين كل خمسة شبان قد يخطط ثلاثة للهجرة، وفي الموجات المتوقعة للهجرة فإن توفر فرص العمل في الداخل لم يعد مغريًا للبقاء لأن الأجور تآكلت في القطاعين العام والخاص بسبب ارتفاع مستوى التضخم.
اقرأ/ي أيضًا: أزمة مياه تضرب ثلاث مناطق جنوب العاصمة.. وسعر البرميل ألف جنيه
وتابع: "الشبان محبطون من الأداء الحكومي وابتلاع الأحلام التي راودتهم عندما ثاروا على نظام البشير. واتخذت السلطة الانتقالية إجراءات اقتصادية قاسية جدًا أدت إلى تحطيم الحياة وظهور معدلات مخيفة للجرائم في الشوارع علاوة على كآبة الوضع العام كل هذه العوامل تدفع الآلاف من الشباب خاصة الطبقة التي تلقت تعليمًا جيدًا للهجرة إلى أوروبا".
خبير: الحياة العامة تحطمت بفعل التدهور الاقتصادي وهذا يؤدي إلى الإحباط والرغبة في الهجرة للعيش في دول متطورة
ويقلل حسين من تمويل المجتمع الدولي لقضايا الهجرة مشيرًا إلى أن الدول الفقيرة تعاني من نهب مواردها بسبب أن أصحاب النفوذ داخل السلطة يجدون دعمًا من المجتمع الدولي نفسه إما بالصمت على الانتهاكات أو التعاون الوثيق سرًا، لافتًا إلى أن المجتمع الدولي ليس حريصًا على بناء ديمقراطية في هذه البلدان لأنه سيضحي بنفوذه.
اقرأ/ي أيضًا
اختيار أحد منسوبي النظام البائد للعمل في مكتب حاكم ولاية
مفوضية اللاجئين ومنظمة الهجرة تشيدان بالخطة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر