01-يونيو-2024
محتج يلوح بعلامة النصر وعلم السودان

في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها السودان في السنوات الأخيرة، نشأت لجان المقاومة من الشباب للمطالبة بالتغيير والإصلاح. أتت هذه اللجان نتيجة للظروف القاسية التي عاشها الشباب السودانيون، بما في ذلك التدهور الاقتصادي، والقمع السياسي، والانتهاكات لحقوق الإنسان. بدأت الاحتجاجات الشعبية في أيلول/سبتمبر 2013، وترتبت عليها عدة انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بلغت حد الوصف بأنها جرائم ضد الإنسانية في حق المتظاهرين السلميين في وجه نظام القمع والاستبداد في تلك الفترة. شهد السودانيون أحداثًا ضخمة منذ ذلك الوقت، وولدت العديد من الحركات الشبابية المقاومة للسلطة التي نشأت في بدايات طور تشكيلها وتمرحلها وفقًا لمعطيات الواقع والسياق التاريخي آنذاك. وسرعان ما تحولت إلى حركة اجتماعية ضخمة تضم شرائح واسعة من المجتمع السوداني، لا سيما الشباب خلال ثورة ديسمبر 2018، التي أطاحت بالبشير.

تضم لجان المقاومة ناشطين وحقوقيين والعديد من السياسيين والشباب الثائر، وتسعى إلى تحقيق التغيير الديمقراطي وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في السودان

وللجان هياكل تنظيمية مدنية حديثة، وهي في غالبيتها غير طامحة في السلطة. وتضم لجان المقاومة ناشطين وحقوقيين والعديد من السياسيين والشباب الثائر، وتسعى إلى تحقيق التغيير الديمقراطي وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في السودان. تعتمد هذه اللجان على مبادئ النضال السلمي والمطالبة بشعار الثورة السودانية في الحرية، والسلام، والعدالة، وتضطلع بدور مهم في تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات والحملات السياسية في السودان.

ولكل ذلك، كان من المهم فهم دور لجان المقاومة وتأثيرها خلال فترة حرب 15 نيسان/أبريل 2023 وما بعدها، وكذلك استشراف مستقبلها في السودان. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على هذه المسائل، وتحليل الفرص والتحديات التي تواجهها هذه الحركة الشبابية المدنية المهمة في الساحة السودانية، والتي تقود الحراك منذ أعوام.

تحديات لجان المقاومة في واقع حرب 15 أبريل

في ظل الوضع الاستثنائي خلال حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، وجدت لجان المقاومة تحديات عديدة في تنظيم أنشطتها وتحديد دورها بوضوح. وتُظهر تجارب أعضاء هذه اللجان مخاوفهم من ضعف صوت الحقيقة مقارنة بصوت الدعاية الحربية، وفقدان الثقة في القدرة على إحداث التغيير المنشود في ظل العقبات الكؤود التي تضعها الثورة المضادة في طريق التغيير. تتضمن التحديات التي تواجهها لجان المقاومة في السودان القيود على حركة عضويتها ونشاطاتها، والتأثير السلبي للحرب على أفرادها وأسرهم، في ظل تهديدات أمنية متزايدة تواجه استمرارية عملها.

محمد طاهر، عضو لجان مقاومة أمبدة، ذكر أن اللجان أصبحت غير قادرة على عقد اجتماعات في ظل الحرب، فيما وقف الحراك المدني والفعاليات الثورية بجميع أشكالها. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد محمد طاهر على أن الحرب أثرت مباشرة على أفراد اللجان وأسرهم، وتأثرت حياتهم اقتصاديًا وأمنيًا، مما أدى إلى موجات نزوح ولجوء واسعة. وأضاف: "صوت البندقية أصبح أعلى من الصوت المدني".

عضو بلجنة مقاومة جنوب الحزام لـ"الترا سودان": الظروف الأمنية التي واجهتهم وما زالت تواجههم، تعد من أهم التحديات

يارا حاتم، وهي مراقبة ومهتمة بالشأن العام، أشارت إلى أن أحد أبرز التحديات التي تواجهها اللجان هي أن "الناس يفقدون الثقة في قدرتهم على التغيير، مما يصعب على أعضاء اللجان التفكير بوضوح واتخاذ قرارات مدروسة".

ومن جانبه أكد فضيل عمر، عضو لجنة مقاومة جنوب الحزام، أن الظروف الأمنية التي واجهتهم وما زالت تواجههم، تعد من "أهم التحديات"، مشيرًا إلى أنهم يواجهون "اعتقالات تعسفية" ويتعرضون "للتعذيب النفسي والبدني". وتبلغ الانتهاكات التي تواجهها لجان المقاومة الاغتيالات التي لم تتوقف حتى الآن.

تغيير في أولويات اللجان

في ظل الوضع الاستثنائي خلال حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، شهدت لجان المقاومة تحولًا في أولوياتها نحو العمل الإنساني، إذ نشطت في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية، وفق ما أشار إليه محمد طاهر، عضو لجان مقاومة أمبدة، منوّهًا بأن هناك "اتفاقًا جماعيًا على ضرورة التركيز على الوضع الإنساني وتخفيف الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب".

وأضاف فضيل عمر، عضو لجان مقاومة جنوب الحزام، أن "الحرب قد أدت إلى تقليل نشاط اللجان السياسي والثوري، عسكرة الحياة العامة دفع اللجان للتحول نحو أنشطة أقل خطورة أمنيًا وأكثر دعمًا للمدنيين".

عضوة في غرفة الطوارئ بمنطقة بحري: هناك أعضاء نشطون في غرف الطوارئ لا ينتمون إلى لجان المقاومة

وفي هذا السياق، أكدت عُلا السماني، عضوة في غرفة الطوارئ بمنطقة بحري، أهمية دور الغرفة في تقديم الدعم والمساعدة للمدنيين المتضررين، مشيرةً إلى جهود أعضاء الغرفة في توفير الرعاية الطبية والدعم النفسي للمتضررين. وأضافت: "هناك أعضاء نشطون في غرف الطوارئ لا ينتمون إلى لجان المقاومة".

وعلى الرغم من الظروف المريرة التي تعايشها لجان المقاومة والناشطون من الشباب في ظل الحرب، فإن هذه التحولات تلقي الضوء على قدرة لجان المقاومة على التكيف مع الأوضاع، وتوجيه جهودها نحو تقديم الدعم اللازم للمجتمعات المتأثرة بالنزاعات والأزمات الإنسانية.

أدوار لجان المقاومة وفرصها أثناء الحرب

تشير يارا حاتم المراقبة والمهتمة بالشأن العام، إلى أن "اللجان قادرة على تحقيق دور هام في تعزيز السلام والعدالة بتوحيد جهود أعضائها نحو هدف مشترك". ولفتت إلى أن تجمع لجان الحاج يوسف عرض مبادرة لتشكيل جبهة وطنية لإيقاف الحرب، "مما يظهر الدور الكبير للجان المقاومة في هذا السياق"، وفق تعبيرها.

ومن جهتها قالت أروى صابر، عضوة لجنة مقاومة الصافية، إن "لجان المقاومة يمكن أن تضطلع بأدوار حيوية في حماية المدنيين وتعزيز السلام والعدالة"، وذلك من خلال "رصد انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها ونشر المعلومات للجمهور".

عضوة لجنة مقاومة الحاج يوسف: هناك فرصة حقيقية للجان المقاومة لتكون أداة ضغط لوقف الحرب

وتشير نور محمد، عضوة لجنة مقاومة الحاج يوسف، إلى أن "هناك فرصة حقيقية للجان المقاومة لتكون أداة ضغط لوقف الحرب، واستخلاص الدروس من التجارب السابقة لتطوير أنفسهم".

اللجان تعمل على تطوير فعالياتها باستمرار، ولكنها لم تسلم من التأثيرات والخلافات، وفي نفس الوقت يعول عليها في الاضطلاع بأدوار مهمة في تحقيق السلام والعدالة في السودان، لا سيما في ظل القاعدة الكبيرة التي تستند عليها، بجانب الرصيد الكبير للنشاط الشبابي والمدني في الفترة الماضية.

دور لجان المقاومة في القضايا التأسيسية

ترى نور محمد، عضوة لجنة مقاومة الحاج يوسف، أنه يمكن للجان المقاومة أن تضطلع بدور أساسي في القضايا التأسيسية مثل العدالة الانتقالية وقضايا الحكم المحلي وغيرها، مؤكدةً أهمية "تعزيز الوحدة الوطنية والديمقراطية وحقوق الإنسان".

ومن جانبها، تشير يارا حاتم مرة أخرى، إلى أن "تمكين الحكم المحلي يعد أمرًا أساسيًا"، مشددةً على أنه "يجب على الأفراد العاملين في لجان المقاومة الاجتهاد والسعي لزيادة مستوى المعرفة والخبرة".

مشاركة اللجان في السلطة؟

يعتقد محمد طاهر، عضو لجنة مقاومة أمبدة، أنّ "لجان المقاومة لا تستطيع المشاركة في السلطة بسبب فشلها في الوصول إلى رؤية سياسية مشتركة"، مشيرًا إلى ضرورة الوصول إلى "ميثاق سياسي موحد" لتحقيق "التمثيل السياسي الفعال"، وفق تعبيره.

ومن جهة أخرى، تعد نور محمد، عضوة لجنة مقاومة الحاج يوسف، الحرب فرصةً لتطوير اللجان وتعزيز دورها في السياسة. وتضيف: "يمكننا أن نكون عنصرًا فاعلًا في المشهد السياسي". وتزيد قائلةً: "أرى أن مرحلة الحرب تمثل تطورًا في الجانب الذاتي للجان، ونحن في حاجة إلى تشكيل أنفسنا للتوافق والتكيف مع الوضع الجديد الذي أحدثته الحرب". "نحن الشباب ولجان مقاومة، يجب أن نكون جزءًا من السلطة" - تردف نور.

ومن جانب آخر، شدد فضيل عمر، عضو لجنة مقاومة جنوب الحزام، على عدم رغبة اللجان في السلطة، قائلًا: "نحنُ لسنا في حاجة إلى السلطة لتحقيق ما نطمح إليه".

وبوصفها حركة اجتماعية مناطقية حديثة، تميل لجان المقاومة لأن تضطلع بدور فعّال في دفع عملية الانتقال الديمقراطي، باعتبارهم شركاء أساسيين في المشهد السياسي، مع الحرص على تنظيم هذه اللجان بصورة أفضل وتجنب الانقسامات السياسية الحادة، لضمان تحقيق الديمقراطية في السودان دون تكرار الأخطاء الماضية.

موقف لجان المقاومة من المشاركة في المؤتمر التأسيسي لـ"تقدم"

في بيان صحفي أصدرته تنسيقيات لجان المقاومة في مدينة الخرطوم بتاريخ 28 أيار/مايو، أعلنت التنسيقيات رفضها للمشاركة في مؤتمر تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، وأشارت بوضوح أنه لا وجود لأي صلة تنظيمية أو تنسيقية تربط السيد عبد الرحيم محمد علي الشيخ، الذي شارك في المؤتمر باعتباره ممثلًا للجان المقاومة، بتنسيقيات المدينة، وأنه غير معروف لديهم.

كما نفت التنسيقيات وجود أي اتصال سياسي بينها وبين تقدم أو قوى إعلان الحرية والتغيير، وأكدت التنسيقيات على ضرورة أن تقود أي عملية سياسية لإيقاف الحرب الدائرة الآن إرادة وطنية حقيقية، وشددت التنسيقيات على أن الاجتماع بالأطراف المتحاربة، وتقديم المبادرات، والاتفاق على المبادئ، وتوقيع المسودات، يجب أن تلي التأسيس، وأنه ينبغي أن تكون هناك مشاركة حقيقية بدلًا من تصوير المؤتمر كحشد سياسي.

وأشارت التنسيقيات إلى أن الطريقة التي اتبعت في الحشد تشبه أساليب النظام السابق، وأن موقف تقدم من الدعم السريع ملتبس وغير واضح بالنسبة لهم، وهذا ما يعيق أي انفتاح من طرف القوى الثورية تجاه ما تطرحه تقدم، حسب تعبيرهم.

وفي هذا السياق يقول فضيل عمر، عضو لجنة مقاومة جنوب الحزام، إن النقد الموجه للممثل غير الشرعي للجان وتجريده من بساط اللجان في محله خطوة ممتازة جدًا. ويضيف فضيل عمر أن المتحدث يجب أن يمثل تنسيقية محددة بدقة، وإلا فإنه ليس له الحق في اختطاف صوت اللجان بشكل فردي. وشدد على أهمية أن يكون لدى المتحدث تفويضًا من جميع اللجان، وإذا رفضت تنسيقية أو مركزية واحدة، يجب عليه ذكر اسمها من باب الاحترام للمؤسسة.

كما أعربت تنسيقيات لجان المقاومة في الخرطوم عن أملها في تحقيق السلام والاستقرار في السودان، داعيةً إلى وقف العنف وبناء مستقبل أفضل للبلاد.

مستقبل اللجان والبلاد

يمكننا تأكيد أهمية دور لجان المقاومة في السودان، إذ تشكل جزءًا حيويًا من المجتمع المدني، وتضطلع بدور بارز في تعزيز السلام والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، تتمتع لجان المقاومة بفرص كبيرة للتأثير الإيجابي في مستقبل البلاد. ولتحقيق هذه الأهداف المنشودة، يجب عليها تعزيز التعاون والتنسيق مع الشركاء المحليين والدوليين، وتعزيز قدراتها التنظيمية والتشغيلية، وضمان استمرارية عملها من خلال تأمين مصادر تمويل مستدامة.

بوصفها مجموعات قاعدية منظمة تستند على الشباب، ربما على المجتمع المحلي والدولي زيادة الحشد والاصطفاف خلف جهود لجان المقاومة،  وتقديم الدعم اللازم لها

وبوصفها مجموعات قاعدية منظمة تستند على الشباب، ربما على المجتمع المحلي والدولي زيادة الحشد والاصطفاف خلف جهود لجان المقاومة،  وتقديم الدعم اللازم لها، لتحقيق أهدافها، والمساهمة في بناء مستقبل مزدهر وديمقراطي للسودان، يلبي تطلعات شعبه في الحرية والسلام والعدالة، الشعار الذي لطالما صدحت به اللجان التي قادت الحراك الشبابي في السودان منذ أعوام.