مع استمرار الحرب في شهرها السادس، تلاحق الأوبئة والحميات السودانيين أثناء معارك نزوحهم في الولايات، خاصة شرق البلاد بولاية القضارف وكسلا وحتى في أجزاء من العاصمة الخرطوم التي ما تزال تشهد عمليات عسكرية عنيفة.
عدم كفاءة النظام الصحي وتلاشي الإنفاق الحكومي يعدان من الأسباب الرئيسية لظهور الأوبئة في بعض الولايات
الكوليرا وحمى الضنك والملاريا ثلاثية مرعبة تلاحق السودانيين بالتزامن مع العمليات العسكرية الجارية في ثماني ولايات، حيث أدت إلى نزوح خمسة ملايين مواطن، مع تعقيد الوضع الاقتصادي للغالبية من النازحين.
شرق السودان
على ردهات المستشفى بمدينة القضارف يجلس المرضى ومرافقون في انتظار مناوبة الأطباء. أجسامٌ ترتعش من الحمى وبعضهم حمل على النقالات والبعض استخدم مقعدًا من المنزل لإحضاره إلى الطبيب.
في القرى المجاورة ومخيمات اللاجئين هناك تحذيرات عالية من تفشي الحميات في هذه الولاية مع نهاية فصل الخريف، ويبدو أن النظام الصحي المتهالك قرر أن يكف عن الصمود.
جملة الإنفاق الحكومي على النظام الصحي تكاد لا تذكر منذ سنوات تعود إلى ما قبل العام 2015، فالحميات التي عادت إلى شرق السودان رحلت عنها في العام 2017 مخلفةً موت العشرات في مدينة كسلا في ذلك الوقت.
ينعكس تدهور الخدمة المدنية على النظام الصحي وتنعكس الحرب أيضًا على تراجع الإنفاق الحكومي على النظام الصحي إلى "درجة الصفر" كما يقول العاملون في مجال الصحة والبيئة.
يقول الطبيب مختار حسن إن الوضع الصحي كارثي في بعض مناطق شرق السودان، ومن المهم أن يكون التحرك على مستوى منظمات المجتمع المدني خاصة نقابة الأطباء، لأن التمويل الحكومي لمحاصرة الأوبئة غير متوفر، وحتى وإن توفر، فإن طريقة إدارة النظام الصحي عقيمة جدًا.
يقول حسن لـ"الترا سودان" إن المرضى يستلقون على أرضية المستشفيات من شدة فتك الحميات بأجسادهم الهزيلة التي لم تتلق الرعاية الغذائية المطلوبة نتيجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة واشتدادها بعد الحرب.
طبيبة كانت ترعى أفراد عائلتها الذين نزحوا أثناء الحرب من العاصمة الخرطوم رحلت عن الحياة بسبب حمى الضنك التي فتكت بها؛ بدا والدها الذي تحدث إليه "الترا سودان" متحسرًا ولم يعد قادرًا على الرد.
غرب السودان
ومع كل يوم يمر تزداد وتيرة الحميات والأوبئة، وحتى الملاريا عادت بقوة في مدينة الفاشر وسط تقارير تؤكد وصول عشرات الحالات إلى المستشفيات في ظل وضع أمني هش ومخاوف من عودة القتال مرة أخرى إلى المدينة الواقعة في شمال دارفور، وتجاوزت بصعوبة مواجهات بين الجيش والدعم السريع بناءً على هدنة هشة.
يرى المستشار السابق في منظمة دولية علي الحاج، في حديث لـ"الترا سودان"، إن الأوبئة نتيجة حتمية في البلدان التي تخوض صراعات مسلحة، لأن السلطة القائمة تكون مشغولة بالإنفاق العسكري لا الانفاق على القطاع الصحي.
غياب الحكومة
ويقول الحاج إن إدارة النظام الصحي لا تحتاج إلى طاقم حكومي بقدر حاجتها إلى تفعيل المراكز الصحية والاهتمام بصحة البيئة بإعادة مكاتب الصحة من المحليات إلى وزارة الصحة الولائية، وتمويل حملات الرش والوقاية من الأوبئة قد لا يتجاوز نصف التكلفة الضرورية للقضاء على الأوبئة.
وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد الإصابات بالكوليرا في شرق السودان بـ(162) حالة مؤكدة.
خبير: الأوبئة عادة تستوطن في البلدان التي لا تتخذ تدابير كافية للحد منها والقضاء عليها نهائيًا وفق خطط معروفة لدى منظمة الصحة العالمية
ويلفت الحاج إلى أن الأوبئة عادة تستوطن في البلدان التي لا تتخذ تدابير كافية للحد منها والقضاء عليها نهائيًا وفق خطط معروفة لدى منظمة الصحة العالمية، أبرزها التمويل المالي وكفاءة الإدارة الصحية الحكومية والشفافية والتوظيف السليم للكوادر الصحية وعمليات التدريب.
ويضيف: "جميع هذه المعايير لا تتوفر في السودان حاليًا".