بعد أن نزحت إلى ولاية القضارف، استيقظت السيدة كوثر مجذوب (55 عامًا) وهي تشعر بالفتور العام في جسدها، بينما بدأت الحمى تتسلل إليها، جميع الأعراض تشير إلى أنها حمى الضنك التي بدأت تنتشر في ولاية القضارف حسب مصادر طبية. كانت كوثر أكثر حظًا من المرضى الذين يقصدون المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، حيث تعاني ولاية القضارف من نقص حاد في الأدوية، إضافة إلى سوء الخدمات بسبب الضغط العالي على المستشفيات، بحسب شهادات. بحيث أصرت أسرتها على تقديم الرعاية الصحية لها في أحد المراكز الصحية الخاصة رغم تكلفتها العالية، والتي لا يستطيع الكثيرون أن يغطوا نفقاتها في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد جراء الحرب بين الجيش والدعم السريع، والتي تدخل الآن شهرها السادس.
كانت وزارة الصحة الاتحادية قد أصدرت في وقت سابق تقارير رسمية عن تسجيل (205) حالة إصابة بحمى الضنك في ولاية القضارف
وكانت وزارة الصحة الاتحادية قد أصدرت في وقت سابق تقارير رسمية عن تسجيل (205) حالة إصابة بحمى الضنك في ولاية القضارف، بينما أكدت مصادر طبية لمنصات أخبارية أن عدد الإصابات المسجلة أكثر بكثير من العدد المرصود.
حمى الضنك
تقول أريج العطا وهي طبيبة مختصة لـ"الترا سودان"، إن البعوض هو الناقل الأساسي لحمى الضنك، والذي يصنف ضمن الأمراض الفيروسية. وتعتبر الحمى من الأعراض الأولية المصاحبة للمرض، إضافة إلى الصداع الشديد وآلام المفاصل والعضلات، فيما تعاني بعض الحالات من طفح جلدي وحكة شديدة، وقد تؤدي الإصابة بحمى الضنك إلى انخفاض في عدد الصفائح الدموية، الأمر الذي يقود إلى زيادة مخاطر الإصابة بالنزيف وهو من المراحل المتأخرة في المرض.
وتضيف أريج أن الدرجات أو الحالات الخفيفة من حمى الضنك يمكن أن تصنف على أنها مرض ذاتي الشفاء، بينما تتطلب الحالات الأشد عناية طبية فائقة، ويمكن تجنب المرض باستخدام المبيدات المكافحة للبعوض وتجفيف المياه الراكدة والتي تصنف على أنها بيئة مثالية يتوالد فيها البعوض ويتكاثر بشكل مخيف، إضافة إلى الاهتمام بطهي لحوم الماعز وغلي حليبها بشكل جيد كونها تعتبر أحد مسببات المرض. وشددت الطبيبة أريج على ضرورة مراجعة المختصين في حالة الإصابة، وذلك لتقييم الحالة وتقديم التوجيهات والعلاجات المناسبة لها.
ضعف التدخلات الحكومية
في تصريح لوكالة السودان للأنباء، قال مدير إدارة الطوارئ الصحية والوبائيات بوزارة الصحة بالولاية أنور بانقا، إن هناك ضعف واضح في الإجراءات الاحترازية التي تتبعها حكومة الولاية، والتي استهدفت الأحياء المصابة فقط، وأكد على ضرورة تنفيذ حملة شاملة تصل إلى جميع المنازل من أجل القضاء على البعوض الذي يعتبر الناقل الأساسي لحمى الضنك، فيما ناشد المنظمات المحلية والعالمية بضرورة التدخل من أجل الحد من انتشار المرض.
وبحسب مواطنين تحدثوا لـ"الترا سودان"، فإن الفحص الخاص بحمى الضنك بلغ (10) آلاف جنيه في المستشفيات الحكومية، بينما يصل في المستشفيات والمراكز الخاصة إلى (15) ألف جنيه، وذلك بجانب فحص الصفائح والذي يطلب بصورة دورية حتى انتهاء المرض، وتبلغ قيمته ألفي جنيه، ويأتي ذلك في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد بسبب الحرب التي ألقت بظلالها على كل القطاعات بما فيها القطاع الطبي، وأحيانًا يصيب المرض عددًا من أفراد الأسرة الواحدة، الأمر الذي يصعب عليهم تلقي الرعاية الصحية بالشكل المطلوب.
حملات واسعة
قامت شرطة ولاية القضارف بتنفيذ حملات واسعة للحد من انتشار حمى الضنك في الولاية، واستهدفت خلالها الأماكن التي يتوالد فيها البعوض الناقل للمرض في الأحياء، فيما تضمنت الحملة العمل على رفع الوعي العام للمواطنين عن المرض، ويأتي ذلك بجانب أعمال الرش الرذاذي والضبابي داخل المنازل، وذلك في إطار تأكيد دور الشرطة في تعزيز جانب الصحة لمواطن الولاية. والجدير بالذكر أن كثيرًا من المواطنين استحسنوا هذه الحملة.
ويقول المواطن محمد عبدالله لـ"الترا سودان"، إن هذه الحملات تعتبر خطوة جيدة في طريق التخلص من الوباء، وشدد على ضرورة عمل حملات توعوية مصاحبة تستهدف الفئات الأقل تعليمًا في المجتمع، وذلك من أجل تخطي هذا الوباء.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية التي طالت المواطن السوداني في كل الولايات، يصبح صعبًا على مواطن ولاية القضارف تحمل نفقات العلاج من حمى الضنك، والتي وصلت إلى مئات الحالات دون تسجيل أي وفيات بحسب وزارة الصحة الاتحادية.
تستوطن حمى الضنك العديد من الولايات في السودان، وتسببت في كوارث صحية الأعوام الماضية بولاية كسلا المجاورة للقضارف شرقي السودان
وتستوطن حمى الضنك العديد من الولايات في السودان، وتسببت في كوارث صحية الأعوام الماضية بولاية كسلا المجاورة للقضارف شرقي السودان وعدد من الولايات من بينها العاصمة الخرطوم، وتنقل الحمى بعوضة الزاعجة المصرية التي انتشرت في البلاد الفترة الماضية، وهي تتكاثر في المياه الراكدة وتنشط طوالي اليوم، الأمر الذي يصعب الوقاية منها.