لا يمكن ملاحقة أسعار السلع الغذائية في السودان، بما في ذلك مناطق تشهد قتالًا ضاريًا بين الجيش والدعم السريع، لا سيما العاصمة الخرطوم ومدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان.
يقول ناشط في غرف الطوارئ إن خدمة ستارلينك قد تنقذ عشرات المطابخ الجماعية في العاصمة الخرطوم من أجل تقديم وجبتي الإفطار والعشاء
منذ بداية القتال بين الجيش والدعم السريع وسعر الصرف يرتفع بشكل متوالي في السوق الموازي، خاصة في الولايات خارج دائرة الصراع، مثل البحر الأحمر والقضارف وكسلا وسنار والنيل الأزرق ونهر النيل وجنوب كردفان وغرب كردفان والشمالية.
اعتمدت الأسواق المحلية في السودان عقب اندلاع الحرب على السلع المستوردة، وضاعف ذلك خروج مشاريع زراعية من دائرة الإنتاج، عقب اجتياح الدعم أجزاء من ولاية الجزيرة منذ 19 كانون الأول/ديسمبر 2023.
في متجر البيع بالتجزئة، والذي يديره عثمان في مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر، العاصمة الإدارية للحكومة القائمة في السودان، لا يمكن معرفة أسعار السلع قبل حلول العاشرة صباحًا، وهو التوقيت الفعلي لمعرفة سعر الصرف للجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، ولا يمكن بيع السلع دون معرفة هذه المعلومة، ويعود ذلك إلى أن أغلب هذه السلع مستورد، بما فيها المياه المعبأة التي لم يعتد السودان على استيرادها قبل الحرب، لوجود عشرات المصانع في العاصمة قبل خروجها عن الخدمة منذ منتصف نيسان/أبريل 2023.
يقول عثمان لـ"الترا سودان"، إن أسعار السلع الاستهلاكية تضاعفت بنسبة 150% عما كانت عليه في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، نتيجة لتسارع وتيرة سعر الصرف في السوق الموازي، متوقعًا استمرار السلع في الصعود.
ويوضح عثمان أن عائلة واحدة بحاجة إلى إنفاق (1200) دولار شهريًا لشراء الضروريات فقط، مثل البقوليات والسكر والمواد التموينية، وإذا قررت الاستغناء عن بعض السلع فهي قد تضطر إلى ذلك بسبب ارتفاع السعر ومقابلة متطلبات أخرى مثل السكن والنقل.
وبلغت نسبة التضخم في كانون الثاني/يناير لهذا العام 197%، متجاوزة التضخم في كانون الأول/ديسمبر من العام السابق بنسبة 35%، وذلك نسبة لارتفاع سعر الصرف في السوق الموازي.
ومع اقتراب شهر رمضان، يخيم الإحباط على المجتمعات التي تعيش في السودان، سواء كانت في المناطق التي تشهد القتال أو خارج دائرة الحرب، وذلك وفقًا لما يقول الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر، والذي يتوقع تراجع خطط السودانيين إلى الاكتفاء بالضروريات الملحة في هذا الشهر، أو عدم التمكن في بعض الأحيان من تدبير السلع الضرورية لشح المال، خاصة مع انقطاع شبكات الاتصال منذ السادس من شباط/فبراير الجاري.
ورغم شبح الحرب الذي يلقي بظلاله على السودانيين، لا يزال هناك من يتمسك بالأمل ويعمل على إحياء هذا الشعور بداخله من خلال إعداد "الآبري"، وهو مشروب محلي يتكون من الذرة والتوابل والبلح، وعندما تتم عملية استخلاصه في المنزل يطلق عليه "الحلومر" لأن مذاقه يخلط بين الاثنين معًا.
سلمى سيدة تقطن وسط مدينة كسلا شرقي البلاد، أعدت "الآبري" في المنزل مع جمع من نساء الحي، وتمكنت من مساعدة ثلاث سيدات، وقدمت لكل واحدة منهن صندوقًا من "الآبري"، لأنهن اضطررن للنزوح إلى كسلا من الخرطوم قبل أشهر.
تقول سلمى لـ"الترا سودان": "ربما أحيانًا نشعر بالإحباط من الآثار التي أفرزتها الحرب، لكن الحياة مستمرة وعلينا أن لا نتوقف عن الحلم، وعن تقاليدنا التي درجنا عليها منذ سنوات طويلة".
وأنفقت سلمى قرابة (300) ألف جنيهًا، أي ما يعادل (250) دولارًا أمريكيًا لتجهيز "الآبري"، بالنسبة لهذه السيدة فإن هذا التكلفة عالية، لكن كان ينبغي أن تنفق هذا المبلغ حتى تتمكن من حل مشكلة المشروبات في شهر رمضان.
بينما تبلغ تكلفة طحين الدخن والذرة نحو (70) ألف جنيهًا، لعبوات قد تكفي خلال شهر رمضان، دون إضافة تكلفة التوابل والخضروات وزيت الطعام إلى قائمة طلبات الشهر الكريم.
أما بالنسبة للمجتمعات التي تقيم في المناطق الساخنة، مثل الخرطوم وإقليم دارفور وبعض أجزاء كردفان الواقعة تحت الاشتباكات العسكرية بين الجيش والدعم السريع، فإن الوضع المعيشي ينحدر إلى الأسوأ حسب نشطاء يعملون في لجان الطوارئ.
ناشط مجتمعي: أسعار الغذاء ارتفعت بشكل ملحوظ خلال هذا العام، وينذر ذلك بكارثة إنسانية، والأولوية الآن لإطعام مئات الآلاف من العالقين في العاصمة الخرطوم
قال زاهر الذي يعمل على تنسيق حملات التبرعات لبعض الأحياء شرق العاصمة الخرطوم لـ"الترا سودان"، إن أسعار الغذاء ارتفعت بشكل ملحوظ خلال هذا العام، وينذر ذلك بكارثة إنسانية، مؤكدًا أن الأولوية الآن لإطعام مئات الآلاف من العالقين في العاصمة الخرطوم، ومع توقف المحافظ الإلكترونية نواجه مشكلة في إرسال المال إلى الأعضاء العاملين في غرف الطوارئ.
وأضاف: "إذا جرى تعميم خدمة ستارلينك في المطابخ الجماعية، يمكن تنظيم الإفطارات في شهر رمضان إلى جانب وجبة العشاء، ويمكن معالجة وضع الأطفال والمرضى الذين لا يمكنهم الصوم ، والسودانيون في حربهم ومعاناتهم لن يترددوا في الاحتفال بقدوم رمضان كل على طريقته وحسب إمكانياته".