في أقل من شهرين، رحل عن دنيانا كلٌ من الدكتور عز الدين هلالي، والدكتورة مريم عثمان، والدكتورة حواء المنصوري، والبروفيسور عثمان جمال الدين. وأربعتهم أساتذةٌ في كلية الموسيقى والدراما. ولكل واحدٍ منهم نصيبه، وإسهامه في حركة الفنون في السودان، وفي الكلية على وجه الخصوص. وبالطبع ترك رحيل كل واحدٍ منهم مكانًا شاسعًا فارغًا، يصعب ملئه.
عُرف عن هلالي، مساهماته النقدية المتصلة على صفحات الصحف السودانية، وصاحب مشروعٍ نقدي كبير، لم يُقرأ بشكل جيد نسبةً لغيابه لما يقترب من (30) عامًا
رحيل هؤلاء الأربعة، وبهذه السرعة، أشبه بتساقط الأشجار الكبيرة، حيث رحلوا بالترتيب، أولاً الشاعر وأستاذ المسرح عز الدين هلالي، في 8 حزيران/يونيو. ثم، أستاذة البيانو الدكتورة مريم عثمان، في 27 حزيران/يونيو ذات الشهر، ثم أستاذة البيانو والدكتورة حواء المنصوري، في 27 تموز/يوليو، وأخيرًا، وبعدها بيومين بروفيسور عثمان جمال الدين، في 29 تموز/يوليو.
اقرأ/ي أيضًا: صورة المرأة في الرواية السودانية.. التمرد وانكشاف الكينونة الأنثوية
الأثر الكبير لفقد لأشجار كلية الموسيقى والدراما التي تساقطتْ في الشهرين الماضيين، عبّر عنه الدكتور كامل الرحيمة، أستاذ المسرح بالكلية لـ"ألترا سودان"، حيث لخّصه في حرمان أجيال كثيرة في الكلية، ومن يأتي بعدهم من خبرات هؤلاء الراحلين، ورصيدهم الأكاديمي والجمالي الذي أنتجوهُ طوال حياتهم الفنية والأكاديمية. وهو فقدان بحسب كامل، لن يُعوّض في القريب.
كامل، الذي يعتقد بأنّه تربى أكاديميًا وجماليًا، بخبرات هؤلاء الأساتذة الراحلين، قبل أنْ يُزاملهم بالتدريس في الكلية. ويُضيف بأنّ: "ذكراهم ستظل في وجودهم الأزلي في ذاكرة طلابهم، وفي إنتاجهم الأكاديمي، والجمالي".
الدكتور عز الدين هلالي، صاحب تجربة ممتدة بين أضراب فنية مختلفة. فبالإضافة إلى تخصصه في المسرح، وأستاذًا له، فهو صاحب براعة في النقد، والتنظير للمسرح السوداني، والتأليف المسرحي. وهو شاعر غنائي، تغنى بكلماته عددًا من المغنيين السودانيين، أبرزهم عثمان مصطفى، محمود عبد العزيز، التاج مكي، يوسف الموصلي وغيرهم.
كما عُرف عن هلالي، مساهماته النقدية المتصلة على صفحات الصحف السودانية، وصاحب مشروعٍ نقدي كبير، لم يُقرأ بشكل جيد نسبةً لغيابه لما يقترب من (30) عامًا، بحسب إفادة الدكتور كامل الرحيمة، أستاذ المسرح بكلية الموسيقى والدراما. ويُضيف بأنّ خبرات هلالي الأكاديمية في المسرح، تبدّتْ في الأجيال التي تخرّجتْ على يديه، وفي إصداراته العديدة في المسرح وغير المسرح. وكذلك في عمله في المسرح بدولة الإمارات العربية المتحدة، التي لمستْ فيه نبوغًا وألمعية، أوفدته فيما بعد إلى موريتانيا، للإسهام في المسرح المدرسي الذي تخصص فيه.
أما الدكتورة مريم عثمان، أستاذة آلة البيانو، وعضو فرقتي السمندل وكورال الموسيقى والدراما. والتحقتْ بمركز قصر الشباب والأطفال في البدء، قبل التحاقها بكلية الموسيقى والمسرح. وهي امتداد لأساتذة الموسيقى بالكلية، الذين لم ينكفئوا إلى الأكاديميا، بل تواصلت خبراتهم للمشاركة في العزف خلف عددٍ من المغنيين المعروفين. وكان حظ مريم، أن تعزف خلف مغنيين كُثر، ومنهم الفنان عبد الكريم الكابلي، الذي كان موضوعًا لرسالتها لدرجة الدكتوراة. وأيضًا مرافقةً لفرقتي السمندل الموسيقية، وكورال كلية الموسيقى والدراما.
حواء المنصوري، بجانب خبراتها الأكاديمية في الموسيقى، باعتبارها متخصصة في آلة البيانو، فهي أبنه أستاذ الموسيقى آدم المنصوري، وهو من أوائل السودانيين الذين تخصصوا في قيادة الأوركسترا، بجانب تخصصه في آلة الكلارنيت وامتدت خبراته الموسيقية من السودان إلى دولة قطر، حيث عمل بداية التسعينات مسؤولًا عن التربية الموسيقية الكشفية، بجانب مشاركته في العديد من المهرجانات الموسيقية بقطر.
اقرأ/ي أيضًا: الرويني ودنقل وغيبوبة الموسيقى.. الشيء ونقيضه في لحظة واحدة
كما تُعتبر حواء المنصوري، إحدى المؤسسات لفرقة عقد الجلاد الغنائية، في النصف الثاني من الثمانينات، وتخرّج على يديها العديد من الموسيقيين. ومن سيرة حواء المنصوري أيضًا أنها زوجة عوض الله بشير، المغني بفرقة عقد الجلاد، وأحد مؤسسيها أيضًا.
وأخيرًا، فإنّ محطات عديدة، للراحل البروفيسور عثمان جمال الدين، لكن أبرزها، أنّه أول من نال الدرجة الأكاديمية المرموقة "أستاذ كرسي"، من جميع من مرّ بالتدريس بكلية الموسيقى والدراما. وعُرف أكاديميًا غزير الإنتاج في المسرح والدراسات السودانية، وهو من ساهم في وضع منهج الدراسات السودانية بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا. وأيضًا من الخُبراء الثقافيين في مناسبات العواصم الثقافية في السودان، وفي الوطن العربي، باعتباره الأمين العام، حين تمّ اختيار بالتزامن مع اختيار الخرطوم عاصمةً للثقافة العربية في العام 2005.
ينعي راشد بخيت، الناقد، والمتخرّج في كلية الموسيقى والدراما، الأستاذتين حواء المنصوري، ومريم عثمان، فيقول: "حواء المنصوري، أسهمتْ في تأسيس المجتمع المدني، بإسهامها في تأسيس عقد الجلاد. أطول تجربة جماعية في الفن الغنائي السوداني، مما أهلها لصنع ذائقة أجيال عديدةٍ، رغم وحدة أيلولة العمل الجماعي السوداني إلى مصائر تراجيدية دائمًا".
إنّ روحيهما –حواء ومريم- تنسربان في ميلودي ثورة الكيبورد والأورغ والنورمال جيتار المعاصرة بشكلٍ مباشرة، وتكمن الثورة في محاولتهما فتح روح الموسيقى السودانية على الفرح الصاخب وموسيقى الروح المشاكسة.
ويأخذ الإشارة من راشد، في الحديث عن مريم عثمان، الناقد مصعب الصاوي، فيقول عن أستاذة الموسيقى مريم عثمان: "لم تكتفِ بالوظيفة والتدريس، بل فضلت أن يستمر شغفها بالموسيقى والعزف، وآخر تجاربها كورال الموسيقى والدراما. حيث وضعتْ في تجربة الكورال علمها وموهبتها وخبراتها، بل علاقاتها بالوسط الفني، فكان طفلها الذي حلمت به ورعته وحنت عليه حنو المرضعات على الفطيم".
الطيب صديق: من مشاهدتي لحواء المنصوري في الكلية، أنّها مربية أكثر من كونها أستاذة بيانو
ويتلقط القفاز، الطيب صدّيق، ليتحدث عن حواء المنصوري، عازفة وأستاذة آلة البيانو بكلية الموسيقى والدراما، فيقول: "من مشاهدتي لحواء المنصوري في الكلية، أنّها مربية أكثر من كونها أستاذة بيانو. كانت تهتم بالتفاصيل الإنسانية وتُوجه طلابها التوجيه الصحيح، وتواجههم بملاحظاتها عليهم".
أما الشاعر والمسرحي عز الدين هلالي، فيتحدث عنه الإذاعي ميرغني جبريل، فيقول بأنّه تميّز بعمق الرؤية، وسلاسة العبارة، والبلاغة، سواء في قصائده بالعامية أو الفصيحة. ويُضيف ميرغني: "عز الدين هلالي، هو المناضل من أجل سودانيته، وعز وطنه، منذ أنْ تكوّن وعين فلم يهدأ أو يتعب بل واصل مسيرته لإيصال كلمته إلى كل إنسان يكتب للحب والجمال والإنسانية والأرض".
اقرأ/ي أيضًا