12-يوليو-2020

جدارية من الثورة (ألترا سودان)

في الكتابة تنهض الشخصيات لتتمرد على واقعها، تقول ما لا يمكن البوح به داخل الجدران وأصفاد المجتمع. قضايا المرأة داخل السرد الروائي الأدبي ليست بعيدة عن قضاياها في الواقع المعاش، حيث السلطة الذكورية تعمل على قبر ذاكرتها في الحب والحياة والآمال، في مواضع مختلفة نجد الأنثى نجحت في الوصول لحلم الحرية والاختيار وتجسدت روائيًا في دور المناضلة والباحثة عن سؤال الهوية.

اقرأ/ي أيضًا: الخيال "كناية" عن المسؤولية في رواية "كافكا على الشاطئ"

نماذج تمظهرات المرأة في السرد السوداني

آمنة الفضل: خرجت شخصية المرأة من الانغلاق المجتمعي إلى الطموح الفضفاض وكسر حاجز الرتابة في المجتمع التقليدي والتعبير الحر

تقول الروائية السودانية آمنة الفضل، إن المرأة السودانية ظلت صاحبة بصمة واضحة في المجتمع بأصعدته المتباينة، وكانت لها مبادرات ومواقف مشرفة في التاريخ الاجتماعي والسياسي والأدبي السوداني والعربي والإفريقي. اختلف تجسيد شخصيات المرأة في الرواية السودانية على مر الأجيال، حيث تناول عددًا من الروائيين السودانيين المرأة في وجهات نظر مختلفة ما بين الاستسلام لمجتمع معقد التركيب يلقي بظلاله عليها كما في رواية "الفراغ العريض" لرائدة الرواية السودانية ملكة الدار محمد والتي تناولت المناخ القمعي الذكوري على الأنثى في سياق وصفها تفاصيل البيت السوداني بكافة زواياه وانهماك المرأة طوال الوقت في الواجبات المنزلية وخدمة الرجل.

هل يمكن أن تقدم الفضل نماذج لتلك الشخصيات المشرقة في السرد الروائي؟ في الإجابة على هذا السؤال تقول الفضل، في أدب الطيب صالح ورواية "عرس الزين" تميزت فيها "نعمة بنت حاج إبراهيم" بقدرتها التامة على حرية الاختيار، هي منذ نعومة أظافرها استطاعت أن تختار وأن تتعلم فكانت الفتاة الوحيدة في مدرسة الكتاب. نموذج آخر يتجسد في شخصية "فاطمة بنت جبر الدار" في رواية "بندر شاه" التي كانت من أقوى الشخصيات النسائية التي أبدعها الطيب صالح، حيث كانت جريئة وحاسمة في قرارات الحياة.

تضيف الفضل، أن شخصية المرأة خرجت من الانغلاق المجتمعي إلى الطموح الفضفاض وكسر حاجز الرتابة في المجتمع التقليدي والتعبير الحر عن مكنوناتها العاطفية والفكرية والسياسية بلا خوف لتصنع خطًا دفاعيًا لشخصيتها ما بين القديم والحديث، بيد أن الظل القديم لا ينفك عن ملاحقتها كما تعكسها لنا تفاصيل رواية "كش ملك" للروائية السودانية زينب بليل.

وتقتبس الفضل من رواية بليل: "ظالم هو الصالح العام الذي يجعلك تهدرين كل هذا الجمال في هوس لا فائدة منه، مثلك كان ينبغي أن تقر في بيت زوجها السعيد وتنجب الأولاد الصالحين وبنات في مثل جمالها".

وتضيف إن الكثيرين كتبوا عن المرأة وعن تأثيرها ومكانتها التاريخية والاجتماعية، كانت الأنثى الملكة والمعلمة والناشطة السياسية والحقوقية، هي رقم لا يمكن تجاوزه مهما أختلف وصفها والتعبير عن دورها الذي تقوم به".

السياق التاريخي لتمثيل المرأة في المشهد الروائي

في ذات المنحى، نبهت الروائية سارة الجاك إلى أن عمر الرواية السودانية ليس بالطويل، الكاتبة ملكة الدار كنموذج نسائي كتبت في أواخر الأربعينات ونشرت في أواخر الخمسينات "الفراغ العريض".

اقرأ/ي أيضًا: الفنون في زمن كورونا

وقسمت الجاك المشهد الروائي إلى مرحلة ما قبل الألفينات وما بعدها. فما هي سمات كل عصر كما تراه؟

تقول الجاك، إن سمة الرواية النسائية كانت تعكس الواقع كما هو متصور في الشارع دون وجود اختلافات كبيرة. حينها كانت الأنثى متفقة ومتماهية مع هذا الواقع، من دور ربة المنزل ذات الاهتمام المحدود بالأولاد والزوج. إلى أن ظهرت نفيسة الشرقاوي وما بعد 1975، وكتبت زينب بليل "الاختيار" وبدأ النقد لصورة المرأة التقليدية. هنا تمردت الأنثى وبدأ الحديث عن حق اختيار الزوج دون تدخل من الأهل. وظهرت بثينة خضر مكي التي تنازعت ما بين صورة المرأة البرجوازية المتعلمة والموظفة وما دون ذلك.

تواصل الجاك سردها، في منتصف الثمانينات طبعت رواية "الجدران القاسية" للكاتبة ملكة الفاضل مؤيدة لدور المرأة الفاعل في المجتمع وكان لها رأي في المشهد السياسي وتجارب الاعتقال، وللكاتبة ذاتها تجارب نضالية مشهودة خلال فترة حكم الديكتاتور نميري للسودان.

ما بعد 2000؟ تقول الجاك، إن الكتابة مزجت ما بين الشرط الإبداعي ورأي الشارع لتخرج الأنثى وترسم مصيرها بيدها.

النبش في كينونة الأنثى

ناقد أدبي: كتابات الطيب صالح ساهمت في قبر المرأة روائيًا في تناولها لثنائية الغرب المسيحي والشرق المسلم بثقافاته الغالبة

ويشير الناقد الأدبي محمد الجيلاني إلى أن صورة المرأة ظلت في السرد السوداني تصنع وفق أيديولوجيات الكتاب ورغباتهم في توظيفها، كان الطيب صالح أول المساهمين في قبر المرأة السودانية مواصلة لتناول ثنائية الغرب المسيحي والشرق المسلم بثقافاته الغالبة وتغييب كنداكة بلاد الشمال والجنوب. إلى أن ظهر كاتب الميارم زهاء الطاهر، وبدأ رحلة البحث عن المرأة وأطلق على أحدى مجموعاته "المتأخرة وين يا حبايب" ثم جاء جيل ينبش على أثر زهاء، تفجر عصر استعادة المرأة مع روايات زينب بليل في "حاملات القرابين" حيث استعادت القيادة وحررت الجسد والإرادة وفككت السلطة إلى عناصرها المجتمعية بأحداث ثورة الكتابة والأنثى.

وحول تمرد المرأة في السياق السردي، يجيب الجيلاني أن التمرد حدث في سياقات مأزومة دون وعي اجتماعي من القاعدة، هناك من نجح في جعل المرأة متمردة عرقيًا في ظل أزمة وشح الإجابات الكلية على مشروع هوية الدولة.

مرحلة ما بعد الثورة

سؤال كبير يطرح عن الشكل المتوقع عن صورة الأنثى روائيًا في مرحلة ما بعد الثورة؟ يقول الجيلاني إن السيناريو المتوقع هو انفتاح الكنداكات على الكتابة المتجذرة سودانيًا وربط التصورات عن الذات النسوية بما وضعته تلك الكتابات وتفجر أعماق الثورة في المجتمع، لتأخذ المرأة لحظتها من تاريخها وتستقل عن كثير من التصورات الغير منجزة للحياة وفق المعطى الجغرافي والثقافي.

أهم ما طرحته الرواية السودانية ودون العودة لأسئلة ما قبل الثورة هو الوعي بالمقدرة على التغيير وتكبير صورة الوطن والإنسان، يقول جيلاني إن هذا الوعي هو ما نعول عليه في صياغة واقع أكثر حلمية، فكل ما يواجه حياة الإنسان بات الآن رهن التغيير.

اقرأ/ي أيضًا

كورونا على طاولة الأدب

لماذا يفترض عثمان عجبين أنّنا لم نُغنِّ بعد؟