في كانون الأول/ديسمبر؛ قبل خمسٍ وعشرين سنة، رحل المغني رمضان زايد، الصوت الطروب، بعد مسيرةٍ غنائية أنتج خلالها عددًا ليس بالكثير من الأغنيات، لكنّ أثرها ما يزالُ باقيًا يتردد إلى الآن. كما نثر باقات من الطرب طوال حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ظلّ فيهما بذات أٌقمصته الإفريقية المزركشة بألوانها الزاهية، وابتسامته الواسعة، وكذا حركته الضاجّة بالحيوية على مسارح الغناء. يفعل رمضان زايد كل ذلك، وهو يُردد عبارته الأثيرة التي ارتبطتْ به، وارتبط بها: خليك مع الزمن.
ينتسبُ رمضان زايد إلى فئة المغنين السودانيين الممتلئين بالحيوية والمسرحة للغناء وأحواله بلغة المتصوفة
ينتسبُ رمضان زايد إلى فئة المغنيين السودانيين الممتلئين بالحيوية والمسرحة للغناء وأحواله بلغة المتصوفة، ينضاف في ذلك إلى قائمة تضمُ: خضر بشير، سيد خليفة، وإبراهيم عوض، وغيرهم. وهم صنفٌ من المغنيين السودانيين، استطاع بمهاراته تخليص الغناء السوداني من الجُمود والثبات الذي لازم شخصية المغني لعقودٍ طويلة، وما يزال يُعاني منها إلى الآن إلى نحوٍ بعيدٍ.
اقرأ/ي أيضًا: في وداع "الوسيم القلبي رادو"
تقول السيرة الذاتية للمغني رمضان زايد، أنّه وُلد لأم من قبيلة الشلك بجنوب السودان، وأب من جنوب كردفان، وتحديدًا من منطقة العباسية تقلي. لكن نشأته توزعتْ بين مدن سودانية أخرى، مثل مدني، حي الموردة الأم درماني وغيرهما. فيما شهد حي الديوم بالخرطوم، وصنوه: الديوم بحري، بداية وقمة شُهرته الغنائية. حيث لم تعرف السبعينات والثمانينات إلا مغنين قلة لهم الصيت الوافر، كان رمضان زايد منهم. وكانت الحفلات التي يُحييها زايد قبلةً لطالبي الغناء الراقي، والطرب المتدفق من على المسارح، والرقص والحيوية المتدفقة.
لكن واحدة من أبرز اللفتات المهمة في مسيرة رمضان زايد الغنائية؛ كان اللقاء الذي جمعه بالمغني الكبير عبدالعزيز محمد داؤود. كان رمضان زايد قبلها يُردد عددًا من أغنيات الحقيبة، وأغنيات التاج مصطفى، بجانب أغنية أبوداؤود: غُصن الرياض المايد. وهذه تحديدًا استمع إليها أبوداؤود صدفةً، وهو يُغنيها في واحدةٍ من حفلاته بالديوم بحري، فما كان من أبوداؤود إلا أنْ ذهب إليه وهو في الحفل، ليُهديها إياه. فيما ذكر مقربون من الرجلين أنّ أبوداؤود لم يقرب هذه الأغنية من ليلته تلك. وبالتالي صارت واحدة من أغنياته.
باعتبار أنّ الإذاعة السودانية، منذ تأسيسها وحتى وقتٍ باكرٍ في حقبة التسعينات، كانت واحدة من البوابات الأساسية لدخول وتعميد أصوات المغنيين الجُدد، والمساهمة في انتشار تجربتهم، أو الإسهام في أنْ يتقبلهم الناس، لينتشروا في السودان فيما بعد؛ فقد تقدّم رمضان زايد للإذاعة السودانية أواخر الخمسينات من القرن الماضي، وتمّت إجازة صوته مغنيًا، إلا أنّه قبع بعيدًا عن دائرة الضوء منذ ذلك الوقت، ولم يخرج صوته إلا في حقبة الستينات.
ويُحسبُ لإضراب الفنانين أواسط الستينات، أنّه كانت فرصةً سانحةً لإظهار أصواتٍ، منهم رمضان زايد، ما كان لهم أنْ يظهروا بفعل أسماء وأصوات لمغنين آخرين تسيّدوا وملأوا أسماع السودانيين منذ ما قبل الاستقلال. ولفائدة القول، فإنّ الإضراب أسهم في ظهور آخرين مثل رمضان زايد، منهم: رمضان حسن، إبراهيم إدريس ودالمقرن، وعبدالحميد يُوسف.
ينتمي المغني رمضان زايد، إلى الجيل الثاني من المغنين السودانيين، وهو الجيل الذي جاء إلى الإذاعة السودانية بعد أجيال: إبراهيم الكاشف، عبد العزيز محمد داؤود، وإبراهيم عوض. ويُزامله في هذه المجايلة كلٌ من: أحمد الجابري، صلاح مصطفى، عبد الكريم الكابلي، ومحمد وردي. فيما تميّز رمضان زايد عن كل رفقاء تجربته الغنائية، بأغنياته الخفيفة على إيقاع "التُم تُم"، التي تجري بين الناس بعفوية وتلقائية. وعليه، فقد شهدتْ حفلاته العامة أو الخاصة التي يُشارك فيها تدافعًا كبيرًا، وتفاعلًا مع أغنياته، أو الأغنيات التي يُؤديها للآخرين. وهي أغنيات في غالبها على إيقاع التُم تُم الذي اشتهر به.
اقرأ/ي أيضًا: نسخة ثالثة من "عشان بلدنا" تزامنًا مع ذكرى الثورة
رمضان زايد، من المغنيين الذين ليس لهم تسجيلات كثيرة في مكتبة تلفزيون السودان، لكن من القليل من تسجيلاته؛ حلقة تلفزيونية قدّمها د. عوض دكّام، حيث تتبدّى فيها صورة المغني رمضان زايد بقميصه الإفريقي، ومسرحيته الطاغية، وحركته الدائبة، التي تحيل جسمه كله لبركة من العرق، حتى لتتخيّل معاناة الكاميرا، وهي تُلاحق انفعالاته الطربية.
بالرغم من أنّ الأغنيات التي أنتجها رمضان زايد لم تكن بقدر سيرته وشُهرته من حيث عددها، إلا أنّها كانت كافية لأنْ تُعرّف الناس به
بالرغم من أنّ الأغنيات التي أنتجها رمضان زايد لم تكن بقدر سيرته وشُهرته من حيث عددها، إلا أنّها كانت كافية لأنْ تُعرّف الناس بتجربته وصيته، وقدرته الغنائية، وتطريبه العالي. تغنى رمضان زايد لعددٍ من الشعراء أبرزهم: إسماعيل خورشيد، مبارك المغربي، جعفر فضل المولى، عوض جبريل، بشير مُحسن، خليفة الصادق. فيما مثّلتْ أغنياته: ليتني زهرُ، عينيّ يا سبب الأذى، الأيام سجية، بنات بحري، أكثر أغنيات رمضان زايد انتشارًا.
اقرأ/ي أيضًا