05-يوليو-2021

الشاعر الراحل محمد طه القدال (مواقع التواصل)

توفي فجر اليوم الاثنين الخامس من تموز/يوليو 2021، الشاعر السوداني الكبير محمد طه القدال، بإحدى مستشفيات دولة قطر، بعد صراع مع المرض. القدال لم يكن شاعرًا عاديًا، نجح بالوصول إلى كل قلوب الشعب السوداني، بكلمات لامست القلوب. وفي وفاته نعته الصحف العربية والقنوات العالمية، الشيء الذي يعكس عالميته ومكانته بقلوب ملايين البشر. 

أشعاره كانت تروي حياة المواطن العربي والسوداني اليومية، وتتحدث بصورٍ جمالية عن مجابهة أنظمة الاستبداد والقهر

كتب القدال المولود 12 كانون الاول/ديسمبر 1951 بقرية "حليوة" بولاية الجزيرة، الشعر باللغة العامية "الدارجة"، ومع ذلك كانت كلماته مفهومة لجميع الناطقين بلغات ولهجات السودان المختلفة، كما نجح في نقل اللغة العامية السودانية إلى بلدان المنطقة العربية، لأن أشعاره كانت تروي حياة المواطن العربي والسوداني اليومية، وتتحدث بصورٍ جمالية عن مكافحة أنظمة الاستبداد والقهر.

مسيرة حافلة بالنضال

وللقدال سيرة حياتية سجلها منذ وقتٍ مبكر في صفحات النضال ضد حكومات الاستبداد في السودان وبالأخص النظام البائد. وتعرض للعديد من الاعتقالات إبان فترة حكم النظام المُباد. وظل إلى يومه الأخير يحارب كل أوجه الظلم والاستبداد ويدافع عن المظلومين.

اقرأ/ي أيضًا: "المقاومة والفن".. كيف هزم السودانيون الاستبداد؟

وكتب القدال الشعر في ذلك، وتغنت بكلماته العديد من الفرق والمجموعات السودانية مثال "فرقة عقد الجلاد" والراحل "مصطفى سيد أحمد"، وإبان فترة التسعينات تعرضوا للملاحقة من قوات الأمن السودانية، وكان السبب الكلمة واللحن الجميل.

 ونظرًا لمواقفه السياسية المشهودة، نعاه لفيف من السياسيين السودانيين، متمثلًا بأعلى سلطة في البلاد وهي مجلس السيادة الانتقالي إلى جانب مجلس الوزراء.

في وداع الشاعر الكبير

ويقول الشاعر السوداني أسامة تاج السر، إن للقدال لونًا شعريًا مختلفًا عن الشعراء، وكتب تميزه وخلوده باختلافه عن الآخرين، والتغني بـ"حليوة".

ويستعيد تاج السر ذكرياته مع الراحل بالقول، تلقيت مكالمة هاتفية في العام 2007 يقول فيها الطرف الآخر "معكم ابنكم القدال"، وبعد السلام والتحية قال القدال بأن تقرر إقامة خمس أمسيات كبرى للشعراء برمضان ذاك العام، وأن يكون من ضمن شعراء أمسياته. ومنذ ذلك الحين، يقول أسامة تاج السر، نشأت علاقات المودة، وقال "جمعتنا بعد ذلك الليالي والأمسيات الشعرية".

ومضى بالقول بأن القدال حاول التغلغل إلى جميع مناحي السودان بالمفردة، وكتب بلغة أهل الغرب وكتب "لمة وشاشاي" ولغة أهل الشمال والجزيرة. وأردف: "إن القدال أدخل المفردات العراقية والعربية والخليجية بأشعاره".

صوت السودان خارجيًا

"انكسر خاطرنا

اتبعزق عشم نلقاك

في دروب الرحول هداى"

بهذه الأبيات الشعرية بدأت الكاتبة ومؤسسة مبادرة "الشباك الثقافية" إيماض بدوي، حديثها قائلة إن القدال في حفاظه على المسافة بين ذاته والسلطة، استطاع أن يترجم كل المخططات القامعة لحرية الشعب لشعر مقاومة وطنية، وحد وجدان الريف والحضر بتثوير الكلمة الجسورة في مواجهة الديكتاتور.

وتمضي إيماض بالقول لـ"الترا سودان": "في تمام الحكمة واستنهاض كل مقومات الثقافة السودانية، كان مجيدًا للعديد من اللهجات السودانية، وبذات القدر ظل القدال صوتًا للشعر السوداني خارجيًا، فهو البليغ باللغة الإنجليزية. المتزيئ بالزي السوداني، وهيبة من رضع الوضوح وصلادة الكلمة المصادمة دون زيف". 

اقرأ/ي أيضًا: "سولي".. سوداني بطل رواية جديدة للأمريكي جون غريشام

وتصفه الكاتبة إيماض بدوي بقولها، القدال مدرسة العدالة والمساواة بين جميع فئات الشعب السوداني، جالس العمال والصنايعية والباعة المتجولين بالقرب من مكان عمله، وطايب السودان بأعينهم". 

الشاعر وهيب وجدي:  القدال مشروع إنساني وموقف من قضايا اجتماعية وسياسية

وتضيف بالقول: "كنا نأمل في مؤسسة الشباك الثقافية عودته لاستكمال ما انقطع من حديث بعد خروجه للمعاش".

الراحل الحي في قلوب السودانيين

في سياق متصل، قال الشاعر وهيب وجدي، إن القدال اختار المفردة السودانية لمدرسته، وأدخلها بقالب حديث بنمط سوداني خالص "المسدار والدوبيت" بجميع موازينه الشعرية. 

وأوضح وهيب أن القدال نقل المسدار عما هو موروث في الشعر السوداني. موضحًا أن اختيار "المسدار"  كأداة لنقل محتواه المعرفي والجمالي مثل "مسدار أبوالسرة لليانكي"، ونقل الشعر للقومية السودانية. 

ووصف الشاعر وهيب بكري، القدال بأنه مشروع إنساني وموقف من قضايا اجتماعية وسياسية، موقف من الاستعمار والقبح وتحديد هوية ضيقة للإنسان السوداني. 

اقرأ/ي أيضًا

"الكجور".. الأبعاد الروحية لقبائل النوبة

بدء التقديم لجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي