11-يناير-2020

قوى الحرية والتغيير

لا حريّة دون تضامن (1)

نظّم البولنديون أنفسهم خلف حركة احتجاج اجتماعي سلمية واسعة عرفت باسم "تضامن" في ثمانينات القرن الماضي ضد النظام الشيوعي القمعي الذي أزيح بانقلاب في ١٩٨٩، مفسحًا المجال إلى ظروف حكم انتقالي أشبه بما يحدث اليوم في سودان ما بعد ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة.

تجربة نقابة تضامن البولندية مثلت طيفًا واسعًا من الرؤى والاختلافات السياسية مشابها لتجربة قوى الحرية والتغيير

وقد كانت نقابة تضامن كقوى الحرية والتغيير عبارة عن طيف واسع من الرؤى والاختلافات السياسية التي توحدت من أجل الحرية وهي طيف من المحافظين والاشتراكيين الديموقراطيين والليبراليين، الذين كانوا مدركين تمامًا لضرورة أن يلغي رباط التضامن الجماعي المصالح الشخصية والفوارق الطبقية والانقسامات ويحتفي بالتنوع، لكي تنجح أول انتخابات حرّة في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية في 1991، ويدخل البرلمان أكثر من ممثل (29) حزبًا.

اقرأ/ي أيضًا: البشير ومايو.. خلفيات تأسيس جهاز الأمن السوداني

وقد أدركت وقتها الأحزاب السياسية ضرورة أن توحد نفسها خلف كيانات بعينها لتكون أكثر تأثيرًا، وفي عام 1997 كان هنالك خمسة كيانات فقط في البرلمان البولندي، حيث توحد (44) حزبًا سياسيًا، ومنظمات غير حكومية، وتنظيمات أخرى، في كيان جبهة العمل للتضامن الانتخابي، الذي شكل تحالف يمين الوسط وحزب اتحاد الحرية الليبرالي، وكانت الشراكة بينهما والحوار نموذجًا يدرس لكل الدول التي تسعى لإصلاحات سياسية.

وقد ذكر جيرزي بيك رئيس وزراء بولندا 1997 أحد القيادات لتلك المرحلة، وذو التجربة الواسعة في الحوار بين الأحزاب والكيانات السياسية عبر تجربته كرئيس للاتحاد الأوروبي في حقبة ما، أن الحوار بين الأحزاب السياسية من المهم أن يقوم على مرتكزات أساسية؛ وجود نظام راسخ من القيم، واعتماد منهج تصالحي وتوفيقي، والرغبة في الحفاظ على استمرارية الجهود الرامية لتحسين أوضاع المواطنين، حتى لو تطلبت القيام بمجهودات صعبة، وإن كانت لا تحظى بشعبية بين المواطنين، كما ينبغي أن تضم هذه الركائز مواضيع الحرية والعدالة والمسئولية، واحترام كرامة المواطن في كل الأحوال وإدراج التضامن في كل مجال، كما يظل يعمل نظام القيم المشتركة كمظلة وقاية للجميع.

التحالف السوداني قاد البلاد في ظروف صعبة ووضعها على أعتاب مرحلة جديدة، ولكن الخطر ما يزال محدقًا

لقد نجحت قوى الحرية والتغيير في قيادة البلاد في ظروف صعبة ووضعت البلاد على أعتاب مرحلة جديدة ولكن البلاد لا زالت في خطر محدق كما أن الانتخابات القادمة ليست بالضرورة هي نهاية عذاباتنا إذا لم نعمل بجد تجاه المستقبل.

نحن إذ نبتعد شيئًا فشيئًا عن وحدتنا سعيًا خلف مكاسب آنية، أو طلبًا لمكاسب حزبية ضيقة مستقبلية، ننقض غزلنا ونسلم بلادنا إلى قوى سبق وأطاحت بأمنها واستقرارها. إن أحلك أيام نضالنا لا زالت أمامنا وعلى هذا التحالف أن يستمر دون تخوين أو تشكيك وبآلية حوار شفافة وقادرة على تصحيح المسيرة.

علينا أن نترك خلافاتنا جانبًا ونتعلم طريقة حوار بناءة. نحدد أهدافنا بوضوح. ونسعى لخلق كيان عظيم يضم كل الفاعلين في قوى الثورة ويدير حوارًا حقيقيًا وصحيًا، من أجل الاتفاق على خارطة طريق تساعدنا في الذهاب إلى الانتخابات بقوة ساحقة تعرف وجهتها تمامًا ولا تفرق أحلامنا أيدي سبأ، وحدتنا وحوارنا هما السلاح الوحيد الفاعل في وجه أعداء الثورة وأعداء الحريّة فلا حريّة بدون تضامن.

 

اقرأ/ي أيضًا

فرصة حمدوك التاريخية لقيادة تحول ديمقراطي راسخ

حول تفاهة الشر وجذور العنف