انطلقت في السودان فعاليات حملة الـ(16) يومًا للقضاء على العنف ضد المرأة. في العام 1999 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 10 كانون الأول/ديسمبر أيامًا لتسليط الضوء على قضايا النساء والعنف الذي يتعرضن له حول العالم.
هذا العام جاء الاحتفال في السودان مختلفًا عن الأعوام السابقة، احتفال بطعم الثورة والحكومة المدنية. الأجواء التي صاحبت فعالية العنف ضد النساء كان الغرض منها- بحسب منظمي البرنامج- العودة إلى أجواء اعتصام القيادة العامة. تحرك موكب مهيب من النساء والرجال والشباب من صينية "بري" وهم يرددون الشعارات المناهضة لكل أشكال التمييز ضد النوع إلى أرض المسرح الكبير في معرض الخرطوم، هناك انقسم الجميع لمجموعات تناقش كل واحدة منها قضيةً حيوية تمس حياة المرأة في السودان، تمامًا مثل حلقات النقاش والتوعية في ميدان الاعتصام. تزين الجميع بعلم السودان ورددوا شعارات الثورة. أيضًا، امتلأت الساحة باللون البرتقالي الذي يحمل دلالة نبذ العنف.
الحملة كانت تحت شعار "جيل المساواة.. ضد الاغتصاب" تضامنًا مع ضحايا هذا الفعل في مناطق السودان المختلفة
عنوان الفعالية هذا العام كان تحت شعار "جيل المساواة.. ضد الاغتصاب" نظرًا لحوادث الاغتصاب التي تعرضت لها مجموعة من الفتيات عند حادثة فض الاعتصام. والحوادث المتكررة التي تتعرض لها النساء في مناطق النزاع وخاصة إقليم دارفور.
اقرأ/ي أيضًا: الصحفيات والإعلاميات في السودان.. أوضاع متردية وجهود لتحقيق بيئة آمنة
هكذا تحدثت الأجيال الجديدة عن العنف
فادية صالح فتاة لم تتجاوز (22) عامًا من عمرها، تهتف في مقدمة الموكب وبجوارها والدتها، مثل بقية جيلها لهن قضاياهن وأحلامهن المختلفة عن الجيل القديم. ربما لم تشهد فادية حوادث القهر في عهد النظام القديم ضد النساء لكنها تحمل هموم جيل يسعى للمساواة بين الجنسين وتواجههم تحديات من نوع جديد، تسردها قائلة: "نعاني كفتيات داخل جامعة الخرطوم من قضية تسجيل الجمعيات النسوية والثقافة التي تهتم بنشر الوعي بين الطالبات وتعريفهن بحقوقهن. في جمعيتنا "نسوة" كان التسجيل هو العقبة الأولى والكبرى واستغرقت العملية زمنًا طويلًا. بعد اكتمال عملية التسجيل فوجئنا بمدير جامعة الخرطوم الأسبق من ضمن متابعي نشاط الجمعية على مواقع التواصل الاجتماعي، كان يعترض على الفعاليات الثقافية التي تقام ويعطل عرض الأفلام بتوصية منه لعمادة شؤون الطلاب بالجامعة. من التحديات كذلك تصنيف الفتيات النشاطات في هذه الكيانات بأنهن ينتمين لتنظيمات اليسار المتطرف أو أنهن متحررات وخارجات عن تقاليد المجتمع، نعمل على تصحيح هذه النظرة بين الطلاب لكن الطريق لا يزال طويلًا وشاقاً".
شنت فادية هجومًا على الشرطة الجامعية ووصفتها بالمهدد لسلامة وأمن الطالبات. وتعرضها لهن بالتحرش اللفظي. طالبت فادية بحل الشرطة الجامعية واستبدالها بوحدة حرس يتكون أفراده من عناصر مدنية.
تسود بين فادية ووالدتها علاقة ود واضحة وتشاركها الأخيرة الأنشطة العامة. مع ذلك لفادية حديث حول العلاقة بين الأجيال وتمظهر العنف فيها، قالت لـ"الترا سودان": "للجيل القديم موروثات تربوا عليها وصور ذهنية نمطية للفتاة ترسخت خلال (30) عامًا من حكم الإنقاذ، المشكلة تحدث عندما تحاول الأمهات إسقاط هذا الإرث المثقل بالعادات التي عفا عليها الزمن على فتيات اليوم. على سبيل المثال "قانون النظام العام" ليس ورقة بيد الدولة بل تحول لمفاهيم سكنت عقول أجيال ويصعب التخلص منها. يجب علينا أن نعبر سويًا مع الأجيال القديمة هذه الحواجز بأقل الخسائر الممكنة".
معاناة قطاع عريض من النساء
أشارت عضو "تجمع المرأة المستقلة" سلوى محمد عبدالله لقطاع عريض من النساء اللواتي لا ينتمين لجهة تحمي حقوقهن، ذكرت أنهن يعانين من أشكال مختلفة من العنف والاضطهاد دون أن تعلم الجهات الرسمية أو منظمات المجتمع المدني بأمرهن. وأكدت سعيها مع مجموعة كبيرة من الشباب للتواصل مع هذا القطاع وابتكار آليات ترصد العنف الموجه ضد النساء المستقلات وخاصة فئة المغتصبات اللواتي يعانين في صمت، وقالت أن علاجهن النفسي والجسدي يمكن أن يمضي في سرية تامة في حال تواصلوا مع الجهات المعنية.
من جهة أخرى، قال رئيس "منظمة عيون الخيرية" عمر الحاج أن النساء الكفيفات يعانين عند طلب الحصول على خدمات من اتحاد المكفوفين ولاية الخرطوم، لأن المكاتب مصممة بشكل مغلق وهن كفيفات وذكر تعرض عدد منهن لحوادث تحرش جسدي من العاملين في الاتحاد. وقال إنهن يتعرضن لتشوية الأعضاء التناسلية "ختان الإناث" مثل بقية الفتيات.
قضية الاغتصاب
أكدت عضو حركة "ملتزمات" نهلة يوسف وقوع حالات اغتصاب عند فض اعتصام القيادة العامة وحدوث حالات انتحار بين المغتصبات، وأردفت: "لا توجد حاليًا إحصاءات لحالات الاغتصاب في السودان لأن الحكومة السابقة لم تعترف بوقوعها خاصة في إقليم دارفور الذي تعرضت فيه نساء من قرى كاملة لهذه الجريمة مثل حادثة "قرية تابت" التي تم اغتصاب جميع نسائها من قبل قوات مسلحة ورفضت الحكومة السابقة فتح تحقيق حول القضية. المتهمين بقضايا الاغتصاب عادةً ما يتبعون لجهات رسمية أمنية أو شرطية ويتمتعون بحصانة لذلك لم نشهد حادثة محاكمة واحدة حول تلك الوقائع". طالبت نهلة يوسف بدمج القوات غير النظامية داخل الجيش أو تسريحها ورفع الحصانة عن كل من توجه له تهمة الاغتصاب والمساعدة فيه تمهيدًا لمحاكمات عادلة.
اقرأ/ي أيضًا: أول واقعة فساد حكومي تحاصر الحكومة.. ومطالب بالمحاسبة والإقالة
بيئة صديقة للفتيات
طالبت عضو المجموعات النسوية والسياسية "منسم" أحلام ناصر باعتناق المساواة لتبدأ النساء في المشاركة بوضع السياسات العامة وإشراك الجيل الجديد من الفتيات في العلوم والتكنولوجيا والثورة الرقمية. أضافت: "هذا العام نسلط الضوء على أشكال العنف ضد المرأة ونضغط على الحكومة للإصلاح القانوني والتشريعي الذي يحمي حقوق النساء".
عددت أحلام ناصر أشكال العنف الذي يمارس داخل المنازل بالعنف اللفظي من الأمهات وكبار العائلة والختان العنف القبلي. وتابعت "نرفض اختزال الفتاة في أعمال المنزل الروتينية ومنعها من ارتداء السروال وركوب الدراجة. الأم والأب يتم استدعاؤهم للمدارس عند حدوث مشكلة، عليهم المشاركة في متابعة النشاط الثقافي والاجتماعي للفتيات ومنع ضربهن وتعنيفهن داخل المدارس وخلق بيئة صديقة لهن".
عضو الاتحاد النسائي: الوثيقة الدستورية مثلت النساء بـ(40%) في الحكومة. ونطالب بالإسراع بتكوين المجلس التشريعي لتعديل القوانين المقيدة لحرية المرأة
قوانين ضد حقوق المرأة
قالت عضو "الاتحاد النسائي السوداني" المحامية سمية إسحاق لـ"الترا سودان": "خلال حملة الـ(16) يومًا نريد الحفاظ على المكتسبات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية بإعطائها النساء نسبة (40%) للمشاركة في كل السلطات. فقدت الكثير من النساء فلذات أكبادهن في الثورة ونطالب بالقصاص العادل لأمهات الشهداء وتقديم قتلة أبنائهن للعدالة".
تابعت سمية حديثها بالقول: "قانون النظام العام وقانون الأحوال الشخصية من القوانين المهينة للمرأة السودانية التي حققت انتصارًا منذ عام 1965 بإلغاء قانون بيت الطاعة، لكن عاد مرة أخرى مع الحكومة القديمة. نحتاج لعملية توعية مستمرة للنساء في الأحياء بأهمية إلغاء هذه المواد من القانون".
وطلبت سمية من الحكومة الإسراع في تشكيل المجلس التشريعي لإجازة وتعديل القوانين لتنهض النساء بدورهن المأمول في كل المجالات.
اقرأ/ي أيضًا