رفضت وزارة الخارجية السودانية قرار تمديد بعثة تقصي الحقائق إلى السودان، واعتبرت الإجراءات التي اتُّخذت في مجلس حقوق الإنسان في جنيف بمثابة انقسام حاد يعكس مدى ضعف القرار.
يرجح دبلوماسيون انتقال السودان إلى مرحلة حرجة في العلاقة مع المجتمع الدولي في ظل التصعيد العسكري وتجديد عمل البعثة الدولية
وأشارت الخارجية السودانية في بيان مساء الأربعاء إلى أن السودان، انطلاقًا من المبادئ المستقرة في ميثاق الأمم المتحدة بشأن احترام سيادة الدول واستقلالها، واتساقًا مع ما ورد في قرار الجمعية العامة بإنشاء مجلس حقوق الإنسان، يجدد رفضه القاطع لقرار مجلس حقوق الإنسان اليوم بخصوص بعثة تقصي الحقائق في السودان، والذي لم يصوت أغلب الأعضاء لصالحه.
وأوضح البيان أن القرار جانبه الصواب في توصيف ما يجري في السودان، وتحامل على القوات المسلحة بشكل مبالغ فيه، لافتًا إلى أن القرار لم يراعِ الأولويات الحقيقية للسودان في هذه المرحلة، التي تتلخص في إنهاء التمرد أولاً، وإيقاف الفظائع المستمرة، وإخلاء مساكن المواطنين والأعيان المدنية بما فيها المستشفيات ودور العبادة، وتيسير إيصال المساعدات الإنسانية بموجب إعلان جدة.
وتابع البيان: "عكست نتيجة التصويت على القرار الانقسام الحاد داخل مجلس حقوق الإنسان حوله، مما يؤكد تمامًا عدالة موقف السودان"، مؤكدًا أن حكومة السودان حريصة على ترقية حقوق الإنسان، والتزام القوات المسلحة والقوات النظامية بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
واعتمدت الأمم المتحدة، الأربعاء الموافق 9 تشرين الأول/أكتوبر 2024، مشروع قرار الاستجابة للأزمة الإنسانية وأزمة حقوق الإنسان الناجمة عن الحرب المستمرة في السودان، وتضمن القرار تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق في السودان لمدة عام آخر.
ويعلق الخبير الدبلوماسي عمر عبد الرحمن على هذه التطورات، التي وصفها بـ"المحتدمة" بين الأطراف العسكرية في السودان وبين المنظمات الدولية، سيما بعد التصعيد العسكري الذي بدأ في عدد من جبهات القتال، ما يعني إلحاحًا دوليًا على المطالبة بحماية المدنيين، وبالتالي السماح لبعثة تقصي الحقائق بالوصول إلى الضحايا وعائلاتهم خلال الفترة المقبلة.
ويرى عبد الرحمن في حديث لـ"الترا سودان" أن البعثة الدولية لم تتمكن من زيارة السودان منذ تكوينها العام الماضي، لكنها خلقت آليات التحقق من المعلومات المتعلقة بالانتهاكات على المدنيين، وذهبت إلى خطوة أبعد مطالبةً بنشر قوات مستقلة لحماية المدنيين.
وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" قد توعد بجمع مليون جندي وصفهم بـ"الغيورين على الوطن" لخوض جولة من المعارك ضد الجيش السوداني، وذلك ردًا على تراجع قواته في منطقة جبل موية بسنار والحلفايا بالخرطوم بحري ومنطقة المقرن وسط السوق العربي الخرطوم.
ويوضح الباحث في مجال حقوق الإنسان أحمد عثمان في حديث لـ"الترا سودان" أن المجتمع الدولي من خلال المنظمات والآليات التي على الأرض سيعمل على تعقيد المشهد في السودان أكثر، من خلال تخليه عن استخدام الأدوات الناجعة والميول نحو الحلول الصادمة التي لا تحقق الاستقرار للبلدان.
ويقول عثمان إن بعثة تقصي الحقائق في البلدان التي جربت هذه العملية لم تقُد أحدًا من المسؤولين إلى العدالة الدولية أو المحلية، والمطلوب في هذا الوقت هو الوصول إلى وقف الحرب، لأن ما يجري حاليًا تمهيد لنشر قوات دولية في السودان، خاصة مع صعود خطاب الحرب من الجانبين.
وأردف: "منذ إعلان الدعم السريع وقف التفاوض قبل بداية العمليات العسكرية للجيش نهاية الشهر الماضي، أخذت الأوضاع في السودان منحىً جديدًا وخطيرًا، وما يحتاجه السودانيون اليوم هو خلق آليات فعالة لإنتاج حلول سياسية منطقية".
جرّب السودان بعثات شبيهة بلجنة التقصي الحالية التابعة للأمم المتحدة، وانتهت إلى نشر قوات دولية في إقليم دارفور منذ العام 2007 وغادرتها في 2020، وخسرت البعثة الأممية ما لا يقل عن (50) جنديًا في عمليات نهب مسلحة في الإقليم.
بالمقابل، تعتقد منظمة حقوقية تابعت جلسات مجلس حقوق الإنسان في جنيف الأربعاء أن نتيجة التصويت تعكس ملامح المرحلة القادمة بانتقال الوضع في السودان إلى بنود "الخيارات الثقيلة" لوقف الحرب، طالما أن المفاوضات ليست من بين أجندة الطرفين.
وتقول بعثة تقصي الحقائق إلى السودان إن الجيش وقوات الدعم السريع فشلا في تقديم الحماية للمدنيين، ما يعني الحاجة إلى نشر قوات مستقلة لتحقيق هذا الأمر، وتركت الكرة في ملعب مجلس الأمن الدولي.
وأدت الحرب في السودان إلى نزوح نحو (13) مليون شخص، ومقتل (20) ألف شخص، وإصابة (33) ألف شخص، ووضع مصير (25) مليون شخص على المحك فيما يتعلق بتوقف التعليم وشح الغذاء، ووصول نحو خمسة ملايين شخص إلى مرحلة قريبة من الجوع، وانتقال (755) ألف شخص إلى مرحلة الجوع.