مع استمرار "المساجلات السياسية" في السودان بشأن الفترة الانتقالية فإن الاقتصاد قد يكون على أعتاب "وضع حرج" في العام 2023 إذا لم يتمكن المدنيون والعسكريون في غضون شهر واحد من التوصل إلى اتفاق يتيح تشكيل حكومة جديدة لإعادة الوضع المعيشي من "تدهور جديد".
"أغلق أذنيك وافعل ما تريد".. طريقة متبعة لدى صانعي القرار الاقتصادي في السودان للهروب من سخط المواطنين
ورغم استقرار سعر الصرف عند (580) جنيهًا للبيع و(583) جنيهًا لشراء دولار أمريكي واحد، لكن الكساد يؤثر بشدة على الأعمال التجارية، بينما لاحظ متعاملون جمركيون انخفاض الاستيراد بسبب الكساد الذي يترافق مع "الغلاء".
أبان مأمون وهو مستورد أكسسوارات وعطور ومواد تجميل من متجره شرقي العاصمة السودانية الخرطوم في حديث لـ"الترا سودان" أن الوضع في الأسواق "يغني عن السؤال". "بالكاد ندبر تكلفة التشغيل أحيانًا نبيع السلع اضطراريًا لتدارك النفقات الضرورية" – أضاف مأمون.
يقول مأمون: "إذا حضرت إلى هذا المحل الشهر المقبل أو بعده أو قبل شهرين ستجد الأسعار مستقرة، لكن المشكلة أن القوة الشرائية شبه متوقفة.. وأحيانًا لا أحد يشتري".
وحتى يتمكن السودان من إنعاش الأسواق فهو بحاجة إلى "خطط فعالة" بدءًا من ضخ مليارات الدولارات في البنك المركزي لتغطية نفقات الاستيراد وكبح سعر الصرف حتى لا يتطاول إذا زاد الطلب على الدولار الأمريكي. إلى جانب ذلك فإن معدلات البطالة مقارنةً مع مستوى دخل العمال تعد "مشكلة ضئيلة" في نظر المحللين الاقتصاديين.
قال عثمان أحمد الخبير الاقتصادي لـ"الترا سودان": "في السابق كان يمكن تعليق الأزمة الاقتصادية ضمن الأسباب المتعلقة بالأزمة الاقتصادية، لكن في الوقت الحالي العمال أصبحوا ضمن بنود البطالة لأن الأجور الشهرية لا تصمد أمام تكلفة المعيشة والخدمات".
وفي الآونة الأخيرة ولكسر "غول الكساد" ظهرت أسواق شعبية متجولة في العاصمة السودانية تحدد يومًا من كل أسبوع في إحدى ضواحي العاصمة لبيع السلع والخضروات والفواكه وحتى الألبان والأجبان واللحوم المبردة والطازجة بأسعار أقل من الأسواق.
تساعد هذه الأسواق آلاف العوائل على شراء "مواد التموين" أسبوعيًا بأسعار زهيدة مقارنةً مع الأسواق الراتبة.
وفي نظر كمال الفاضل وهو وكيل أعمال تجارية في الخرطوم، فإن الأسواق المتجولة لا تغطي جميع المشاكل المتعلقة بالأسعار لأن الاستقرار الاقتصادي يجب أن يكون "هيكليًا".
يرى الفاضل أن "صانع القرار السياسي" لا يشعر بمعاناة المواطنين ولا توجد جماعات ضغط قادرة على إجباره لتبني سياسات اقتصادية مرنة. إلى جانب ذلك فإن المسؤولين الحكوميين في الشهور الأخيرة يستخدمون "سياسة أغلق أذنيك وافعل ما تريد"؛ أي عدم الاكتراث بالانتقادات. "ونحن بحاجة إلى مسؤول يخاف من الانتقادات" - يؤكد الفاضل.
ومع اقتراب العام الجديد لم تفصح وزارة المالية عن ملامح موازنة العام المقبل على الصعيد الاقتصادي في ظل توقف الإعانات الاقتصادية الدولية لهذا البلد الذي يعيش "حكمًا عسكريًا" منذ عام وشهرين.
ويواجه وزير المالية جبريل إبراهيم انتقادات شديدة منذ عام على خلفية زيادات غير مسبوقة في أسعار الكهرباء والأدوية والوقود وزيادة الضرائب على السلع المستوردة.
قال الخبير الاقتصادي عثمان أحمد إن "الموازنة الجديدة لم تظهر مؤشراتها حتى الآن، وهناك مخاوف كبيرة من لجوء الحكومة إلى تبني حزم جديدة من الضرائب توضع على كاهل المواطن". "سيكون هذا جنونًا" - أفصح الخبير الاقتصادي.
وحاول "الترا سودان" الحصول على تعليق فوري من مكتب الإعلام بوزارة المالية، لكن الاستفسارات لم تجد استجابة.
وأجاز مجلس الوزراء المكلف موازنة العام 2022 خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي على غير العادة؛ إذ أن الموازنة عادةً تجاز قبل حلول العام الجديد بأيام.
وحال عدم تشكيل هياكل السلطة الانتقالية لا يمكن للمجتمع الدولي أن يعيد ضخ مساعداته الاقتصادية - بحسب ما يصرح دبلوماسيون غربيون.
وكان وكيل وزارة المالية عبدالله إبراهيم قد قال في تصريح صحفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي إن اعتماد موازنة العام المقبل سيكون على "الإيرادات الذاتية" ما يتطلب تحريك الموارد من الضرائب والجمارك والرسوم الإدارية وعوائد الذهب والنفط.
فيما أعلن وزير المالية جبريل إبراهيم في اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء في العاشر من كانون الثاني/يناير الماضي أن الموازنة "واقعية" من دون أن يوضح أرقامها.
عادةً لا تتجاوز موازنة السودان كل عام من ست إلى سبع مليارات دولار
ويقول الخبير الاقتصادي عثمان أحمد إن الغموض الذي صاحب موازنة العام 2022 ربما يستمر هذا العام؛ أي قد تعتمد وزارة المالية على تبني "الموازنات القصيرة". وأضاف: "ربما تضع موازنة لثلاثة أشهر أو تعتمد على الظروف والتقلبات".
وعادةً لا تتجاوز موازنة السودان كل عام من ست إلى سبع مليارات دولار -أي ما يعادل (490) مليار جنيه سوداني- بينما يسجل العجز في الميزان التجاري نحو ثلاثة مليارات دولار.