17-أكتوبر-2023
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكن مع نظيره السعودي

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكن مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان (Getty)

من دون أن تتحسب لما سيؤدي إليه اشتعال الشرق الأوسط من ارتفاع كبير في أسعار النفط حال توسع نطاق الحرب بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ربما تذهب الولايات المتحدة الأمريكية إلى فشل جديد لـ"دبلوماسيتها" التي تراجعت تراجعًا غير ملحوظ خلال السنوات الخمس الأخيرة.

تلقى وزير الخارجية الأمريكي "تقريعًا" من بعض دول الشرق الأوسط بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة

إن أردنا مثالًا لاختبار دبلوماسية الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأعوام الماضية، سنعود إلى السودان، قليلًا إلى الوراء، تحديدًا إلى عشية 24 تشرين الأول/أكتوبر 2021، حين كان المبعوث الأمريكي الخاص إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان ضيفًا على الخرطوم قبيل ساعات قليلة من انقلاب البرهان وحميدتي على الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك، وقبل أن ينهي فليتمان رحلته إلى السودان نفذ العسكريون انقلابهم.

ومع أن فيلتمان استقال من منصبه في العام 2022 بعد أشهر قليلة من هذه الواقعة التي أظهرته نصيرًا للانقلاب لا مبعوثًا لإنقاذ الحكم المدني في السودان، لكن هذه الواقعة أظهرت ضعف الدبلوماسية الأمريكية في السنوات الأخيرة ولا سيما في الشرق الأوسط وأفريقيا.

بالطبع لن يسر ارتفاع النفط الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتمد على الواردات النفطية القادمة من الشرق الأوسط، ومع ذلك فإن الحرب الآخذة في التوسع مع تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي، ستضع إنتاج النفط على المحك، وقد يرتفع سعر البرميل إلى (250) دولارًا أمريكيًا وهو سعر نادر جدًا لم يبلغه من قبل.

https://t.me/ultrasudan

وربما لم تخلُ زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بعض الدول المنتجة للنفط والغاز من مطالبات بالتأني في أسعار الطاقة، بالتزامن مع أزمة الشرق الأوسط التي قد تؤدي إلى ارتفاع في أسعار النفط.

وكان مسؤول في قطاع الطاقة قد حذر من تجاوز سعر برميل النفط (100) دولار أمريكي بسبب الحرب في قطاع غزة منذ أكثر من (10) أيام. ويمكن قراءة الأوضاع الجيوسياسية ضمن رغبة الاقتصاد العالمي المتعطش إلى بداية مرحلة جديدة من النمو.

وفيما يبدو قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن زيارة إسرائيل هذا الأسبوع "مُلحًا" فما الذي يحمله الرجل إلى الشرق الأوسط الذي يقبع على فوهة البركان منذ أكثر من أسبوع؟

تأتي تحركات بايدن لإنقاذ الدبلوماسية الأمريكية المتراجعة، وتراجع الحلول السلمية للقضية الفلسطينية، مع مخاوف أمريكية جدية من انفتاح جبهة جديدة إلى جانب الحرب الروسية في أوكرانيا والتي وضعت واشنطن على "مسار اللانهاية" للصراع هناك.

https://t.me/ultrapalestine

ومع إظهار الولايات المتحدة الأمريكية "دعمًا كبيرًا" لحليفتها في الشرق الأوسط (إسرائيل)، لكنها تخشى أيضًا من توسع نطاق الحرب بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وتفاقم الوضع بدخول "حزب الله" اللبناني إلى ساحة الحرب. وربما ترى واشنطن أنها في مأزق، متنازعةً ما بين الحفاظ على مصالحها الحيوية مع تل أبيب مع رغبة إسرائيلية في "عمليات انتقامية" ربما تسفر عن انتهاكات واسعة في صفوف المدنيين في قطاع غزة تضع واشنطن في "حرج بالغ"، خاصةً إذا نظرنا إلى ردة الفعل من بعض الدول خلال جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط التي انتهت بعد زيارة ست دول خلال أسبوع واحد.

وسارع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إعلان التنسيق مع وزير الدفاع الإسرائيلي لحماية المدنيين في قطاع غزة والإشراف على المساعدات الإنسانية بحجة أنها تذهب إلى "حماس".

قد تكون خسارة بايدن للانتخابات النصفية المقبلة من باب "تراجع الدبلوماسية الأمريكية" خلال السنوات الأخيرة، إذ لم تعد تلك الدولة التي تحافظ على توازن النظام العالمي ولو قليلًا.

https://t.me/ultrapalestine

وعلى ما يبدو فإن هناك أسبابًا لتراجع دبلوماسية واشنطن التي قد تصل إلى حدود التآكل في بعض الأحيان مثل انخراطها في "صراع ناعم" منذ عامين مع الصين التي أظهرت قدرة عالية على "انكفاء التكنولوجيا" الصينية على نفسها وصناعة البدائل، محطمةً التوقعات.

وعلى ما يبدو فإنه لا يمكن التقليل من صعود الصين في السنوات الأخيرة من دون الوقوف عند محطة العقوبات الأمريكية أو "الصراع الناعم" بينهما، ولذلك فإن بعض الدول قد ترى أن البديل قد يكون التوجه شرقًا، خاصةً تلك التي لديها أزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وتأتي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط بالتزامن مع غارات جوية إسرائيلية على قطاع غزة، أسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف فلسطيني، وسط الحصار ومنع الطعام والمياه عن القطاع في حرب لا تتوقف من الجانب الإسرائيلي.

ويبدو، في الوقت نفسه، وكأن طائرة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لم تتوقف منذ بداية "طوفان الأقصى"، إذ تهبط من بلد إلى آخر في الشرق الأوسط، وهو في مهمة تبدو صعبة بمحاولته احتواء الأزمة، مع منح تل أبيب فرصة "الرد المناسب" على "طوفان الأقصى" بـ"إبادة حماس". ومع ذلك يقول دبلوماسيون إنه لم ينجح في مهمته حتى الآن.

حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال جولات بلينكن، انتزاع إدانات من دول الشرق الأوسط ضد "حماس"، لكنها لم تتمكن من ذلك، خاصةً مع صعود تيارات شعبية مؤيدة لعملية "طوفان الأقصى" ردًا على الاستفزازات الإسرائيلية منذ أشهر وعلى انتهاكات واسعة نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتُظهر جولات بلينكن في الشرق الأوسط على أنه تلقى "تقريعًا" من بعض الدول الشرق أوسطية بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة، متجاوزةً "حق الدفاع عن النفس" إلى شن حرب شُبّه بـ"العقاب الجماعي" لمئات الآلاف من المدنيين أدت إلى تشريد أكثر من نصف مليون شخص من منازلهم.

ما بين الرغبة في الحفاظ على أسعار النفط القادم من الشرق الأوسط وضمان مصالحها مع حليفتها إسرائيل وما بين الحاجة إلى "حرب" تلتزم بالقانون الدولي الإنساني، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية منع نفسها من الانزلاق حافية القدمين وسط كتل من الثلوج.