20-سبتمبر-2020

شكلت الأعلام الإثيوبية والأخوة بين الشعبين حضورًا قويًا في اعتصام القيادة واحتفالات الثورة (وسائل التواصل)

ظهرتْ في الفترة الأخيرة، عدد من التسجيلات على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة؛ وخاصة على يوتيوب؛ لمغنين ومغنيات إثيوبيين، يؤدون أغنيات سودانية. حيث يتم تناقل هذه الأعمال باحتفاء كبير، من جانب سودانيين عديدين. مع التعليق على جماليات هذه الأدائيات للأغنيات السودانية بأصوات مغنيين إثيوبيين. فهل يبدو غناؤنا جميلًا عند الإثيوبيين؟

أدت أسماء كبيرة في الغناء الإثيوبي أغان سودانية منهم تيدي آفرو وتلهون قسسا

بالعودة إلى تاريخ علاقات الإثيوبيين بالغناء السوداني، فإنّ العلاقة تعود إلى عقودٍ عديدةٍ سابقة. وتمر العلاقة بسيرةٍ طويلة لأسماء في مقام: ألمايو، محمود أحمد، تيدي آفرو، وبالطبع: تلهون قسسا، أحد أبرز المغنين الإثيوبيين، والذي برع في تأدية أغنيات سودانية عديدة أبرزها: عزّة في هواك، بل وتغنى بها بلغات إثيوبية.

اقرأ/ي أيضًا: سنوية ابن البادية

الأمر لم يتوقّف عند الجيل القديم من المغنين الإثيوبيين، بل ما يزال مستمرًا، حتى الجيل الحالي منهم، في حالات: أبنتْ قِرْما، هايمانوت قِرْما، أباي لاكوي، تيدي آفرو، فيسل شيميليس. والأخير تغنى بأغنية "لهيب الشوق"، للفنان الراحل محمود عبد العزيز، وحوّلها إلى أغنيةٍ مصوّرة لاقت احتفاءً سودانيًا في الفترة الأخيرة.

وبمناسبة أغنية "لهيب الشوق" للفنان محمود عبد العزيز، فهناك تواصل واهتمام واسع وكبير من جانب الإثيوبيين بما يتم إنتاجه من غناء سوداني. وليس مستغربًا أن تكون بشوارع أديس أبابا وأحيائها العتيقة، وتلتقط أذناك أغنياتٍ لفنانين شباب في قامة: منتصر هلالية، وحسين الصادق، محمود عبد العزيز، أو ندى القلعة.

الحديث عن تعامل واتصال الإثيوبيين بالغناء السوداني يعود إلى أسباب عديدة، منها التشابهات في المقامات اللحنية، وما يُعرف بالإيقاع والسلالم الموسيقية، وكذا الآلات الموسيقية. لكن أبرز هذه الأسباب هي الرحلات الفنية الرسمية منها وغير الرسمية، التي كانت تُنطمها الحكومة السودانية، أو يُنظمها المغنون السودانيون منفردين، إلى دول مثل الصومال، إريتريا، وإثيوبيا. ويتذكر المتابعون لهذا الاتصال رحلات رسمية كانت تُنظمها حكومة عبود "1958-1964"، لفرقٍ موسيقيةٍ سودانيةٍ إلى إثيوبيا، ومن إثيوبيا إلى السودان.

بل إنّ الأمر استمرّ ما بعد ذلك، وخاصة في حكومة جعفر نميري "1969-1985". وتواصل عبر الرحلات الفنية الفردية. وتظهر هنا أسماء عديدة، مثل: عثمان حسين، سيد خليفة، عبد العزيز المبارك، خوجلي عثمان، وبالطبع محمد وردي الذي تحظى سيرته وأغنياته باحتفاء الإثيوبيين للدرجة التي يُنازعك فيها شك أنّ محمد وردي مغنٍ إثيوبي، وليس سوداني.

يُجيب علاء الدين منصور، المهتم بالغناء السوداني، على سؤال عوامل هل يبدو الغناء السوداني جميلًا لدى الإثيوبيين؟ فيقول بأنّ "عوامله كثيرة، لكن أهمها نوعية الأوركسترا، وتوظيف بعض الآلات الموسيقية عند الإثيوبيين، خلافًا للموسيقيين السودانيين. ويبدو ذلك بشكل أظهر في آلات مثل الساكس صولو، الأورغ باعتباره مصاحبًا لها، أو بعض آلاتهم الموسيقية الشعبية والتقليدية الإثيوبية، مثل الماسينكو، التي تُشابه آلات سودانية مثل آلة: أم كيكي. كل هذه الآلات تُشكّل هارموني يُساهم في إنتاج أغنيات سودانية بطعمٍ إثيوبي مختلف".

يذهب مختصون آخرون في الإشارة إلى مميزات الأداءات الإثيوبية للأعمال الغنائية السودانية، منها الصوت البشري للمغنيين الإثيوبيين، الذي أثرت فيه بيئة الهضبة، والارتفاعات العالية التي تُؤثر في أجهزة تنفس شعوب تلك المجتمعات.  وفي هذا يتجاوز علاءالدين يونس، الإشارة ليس إلى المغنين الإثيوبيين فحسب، وإنما إلى المغنين السودانيين في شرق السودان أمثال: محمد البدري، وعادل مسلّم وغيرهم.

من جانبه، يؤكد محمد حامد جمعة، المهتم بالثقافة والمجتمع الإثيوبي، على أنّ غناء السودانيين جميل جدًا عند الإثيوبيين. بل إنّه تحوّل لواحدةٍ من سمات الثقافة الإثيوبية، لأنّهم -برأيه- لا يتعاملون مع الغناء السوداني باعتباره غناءً أجنبيًا غريبًا، بل ينتمي إليهم وجدانيًا؛ وينتمون إليه.

يُرجع جمعة الأمر، في إفادته لـ"الترا سودان"، إلى عُدة مستويات، منها تميّز أصوات المغنين والمغنيات الإثيوبيين، بجانب الحرية في الأداء والتعبير عنه بلا تحفظات مجتمعية ونفسية لها علاقة بالتربية. وفي البال أن الغناء والرقص عند غالب السودانيين؛ فعلٌ لا يقوم به من يحظى بتقدير واحترام مجتمعي. وربما يصل الأمر حدّ الوصمة. في المقابل فإن الأداء الإثيوبي استعراضي أكثر، وفيه انطلاقة جسدية عالية. وهذا يتبدى عند أغنيات سودانية حوّلها مغنون ومغنيات إثيوبيين إلى فيديو كليب، ويتبدى كذلك، في نُطقهم لكلمات الأغنيات السودانية.

يعود علاءالدين يونس، للإشارة إلى طريقة نُطق المغنين والمغنيات الإثيوبيين للحُروف، وإلى بعض معاناة في نُطق بعض الحروف مثل القاف. وبرأيه فإنّ معاناتهم في نُطق بعض هذه الحروف، ينعكس طلاوةً وجمالًا في الأداء.

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ وجغرافيا عماد عبدالله

المصوّر التلفزيوني، والمخرج الطيب صدّيق، والذي له سابق تجربة في تسجيل أغنيات لمغنيين إثيوبيين، يُفسّر السؤال: لماذا يبدو غناؤنا جميلًا عند الإثيوبيين؟ ويُحيل هذا الجمال إلى اعتناء المغنين الإثيوبيين بأجسادهم في الأداء، ويتفق مع ما أشار إليه محمد حامد جمعة في قدرة الإثيوبيين في التعبير بأجسادهم بكامل الحرية. لكن الطيب في إفادته لـ"الترا سودان"، يُضيف بأنّ أرواح الإثيوبيين حُرة، وليس لديهم تحفظات الجسد عند السودانيين.

المغنون الإثيوبيون لا يكونون مهمومين بأجسادهم، بقدر همّهم بمتعتهم الخاصة، والتعبير عن روح الأغنية والموسيقى

ويضرب الطيب مثالين: الأول عند الإثيوبي أبنت قِرما، الذي أنتج أغنية "القطار دوّر حديدو"، على طريقة الأغنية المصوّرة، والتي ظهرت فيها تقنيات تصوير مختلفة، بجانب الإنطلاق في الأداء. أما الثاني، عند المغني الإثيوبي: محمود أحمد الذي شارك فرقة كورال كلية الموسيقى والمسرح في إنتاج الأغنية المصوّرة "أنا إفريقي، أنا سوداني". ويُشير الطيب إلى أنّ المغني محمود كان طلقًا في الأداء، شأنه شأن المغنيين الإثيوبيين، إذ لا يكونون مهمومين بأجسادهم، بقدر همّهم بمتعتهم الخاصة، والتعبير عن روح الأغنية والموسيقى.

وبعد، هل يصلح أنْ ينطرح السؤال مرةً أخرى: هل يبدو غناؤنا جميلًا عند الإثيوبيين؟

اقرأ/ي أيضًا

السر دوليب.. ورحل آخر المتفائلين

خليل إسماعيل.. مطرب الفنانين