18-مارس-2021

منصة المؤتمر (الترا سودان)

أكثر من ثمانين عامًا وقفت خلالها في ملامح الوطنية وشكلت مواقفًا سطرها التاريخ، إذ حاصرت سياسات نظام الإنقاذ العمل النقابي وجيرته لصالح الأجندة الحزبية الضيقة، وتواجه الحركة النقابية اليوم عقبات جمة؛ أولها غياب قانون النقابات، وليس آخرها الانقسامات وسط النقابات، والتجاوزات الحقوقية التي تُلاحق العمال والموظفين في ظل قوانين العمل المعطوبة. وسط هذه التحديات تتضافر جهود الأجسام النقابية اليوم، لتصنع واقعًا نقابيًا جديدًا تعمل فيه القوى النقابية على حماية أعضائها وتحسين شروط الخدمة ودعم عجلة التنمية.

كشفت الندوة التي استمرت ليومين عن الحاجة لحوار بين مختلف المكونات النقابية 

وقد عكس مؤتمر تعزيز دور النقابات الذي نظمه مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، عن رؤى مختلفة قدمها متخصصون في العمل النقابي في واقع ما بعد الثورة. وقد كشفت الندوة التي استمرت ليومين عن الحاجة لحوار بين مختلف المكونات النقابية ولقانون ديمقراطي يستعيد للحركة النقابية وحدتها بعيدًا عما حاق بها خلال العهد البائد.

نشأة متفردة 

يرى الكاتب والخبير النقابي د. صديق الزيلعي، أن الحركة النقابية السودانية تفردت، عن معظم الحركات النقابية في العالمين العربي والأفريقي، أنها "أسست من قبل العمال أنفسهم، بعيدًا عن وصاية السلطات الحاكمة او الاحزاب السياسية".

اقرأ/ي أيضًا: متوقعةً إعلانًا مرتقبًا للتطبيع.. 14 حزبًا ومنظمة يحذرون من الخطوة

ويتابع الزيلعي، خلال مشاركته بالمؤتمر "هذه الحقيقة الهامة، أدت لتشكيل هويتها وأسلوب عملها، فنشأت منذ البداية حركة ديمقراطية ومستقلة ومصادمة. تلك السمات حددت مسيرتها، ولكنها في نفس الوقت جلبت لها عداء الحكومات، والطامحين في السيطرة عليها".

صديق الزيلعي: الحركة النقابية تميزت بمواقفها السياسية الداعمة للنضال الوطني

ويُشير صديق، إلى أن "الحركة النقابية تميزت بمواقفها السياسية الداعمة للنضال الوطني، ويُضيف "لقد اتخذ المؤتمر الأول لاتحاد العمال، الذي انعقد في 15/12/1952 قراره الداعي للنضال من أجل الجلاء دون قيد أو شرط وحق الشعب في تقرير مصيره".

وحول تمسُك الحركة النقابية بالمشاركة في القضايا الوطنية، يُشير د. الزيلعي، إلى أن "النشاط السياسي الذي خاضته الحركة النقابية لم يكن نشاطًا حزبيًا، بل كان له طابع الشمول مستندًا على طبيعة وتكوين النقابات باعتبارها تنظيمًا ديمقراطيًا جماهيريًا، وجبهة تضم كافة العاملين".

عثرات الماضي

 في ورقة تحت عنوان " تاريخ، حاضر، ومستقبل الحركة النقابية السودانية"، يقول عضو سكرتارية تجمع المهنيين فيصل بشير: "تم تشويه كامل لتجربة الحركة النقابية خلال عهد الإنقاذ، وفقدت حريتها واستقلاليتها وديمقراطيتها وأصبحت بوقًا للسلطة". ويضيف بشير "مارسوا كل الأساليب الفاسدة حتى بين المنظمات النقابية الاقليمية والدولية".

وأردف فيصل "بادرت الإنقاذ ومنذ يومها الأول بعدائها للحركة النقابية إذ قامت بحل كل التنظيمات النقابية ضمن إجراءات قمعية في مراسيمها الدستورية الأولى ولكن حينما فاجأتها الحركة النقابية بمذكرتها الشهيرة في أغسطس 1989 والتي طالبت الجيش بالعودة لثكناته واستعادة الديمقراطية". 

ويتابع بشير، "شرعت الإنقاذ في اعتقال وفصل وتشريد وتعذيب القادة النقابين فامتلأت بهم بيوت الأشباح وزنازين الاعتقال وخضعوا لتعذيب وحشي وقاسي. وطال الفصل والتشريد أغلب الكوادر النقابية على مستوى قيادات الهيئات النقابية وبعض الفرعيات". مما اضطر اعدادًا كبيرة منهم، حسب وصفه، للهجرة القسرية بحثًا عن العيش الكريم.

اقرأ/ي ايضًا: جامعة أفريقيا العالمية.. خلافات اللجنة وعودة التمكين

أما حول السياسات الاقتصادية للعهد البائد وأثرها على النقابات، يُشير بروفيسور عطا البطحاني، إلى ان تجربة الانقاذ مع الحركة النقابية رافقتها نمط تنمية قائم على استخراج واستنزاف الموارد الطبيعية وإهمال القوى البشرية، ما وصفه ب "التنمية الريعية، الطفيلية والرأسمالية التابعة لمراكز إقليمية".

محجوب محمد صالح: الجمعية العمومية للنقابة هي سيدة قرارها ولا صوت في النقابة يعلو عليه

وأضاف البطحاني، أثناء مشاركته بالمؤتمر، "تم توظيف جهاز الدولة لخدمة مصالح الشبكات المحلية والاقليمية والدولية في نهب موارد البلاد".

تحديات وفرص

وفي ورقة تحت عنوان "نحو تعزيز دور النقابات في الانتقال الديمقراطي" يرى الأستاذ محجوب محمد صالح "أنه من المؤسف تعسر صدور القانون بسبب خلافات ثانوية، ويجب ألا نسمح لهذا التأخير أن يعيق إعادة بناء الحركة النقابية".

ويُضيف محجوب "الجمعية العمومية للنقابة هي سيدة قرارها ولا صوت في النقابة يعلو عليها، وهذا يعني أن أي نقابة أكملت استعداداتها لبدء نشاطها يمكن أن تعقد جمعيتها العمومية فورًا دون انتظار صدور القانون الجديد، ومتى ما أجازت الجمعية العمومية النظام الأساسي الذي يحكم تأسيس النقابة، بات النظام الأساسي هو مصدر الشرعية ويمكن لاحقًا توفيق أوضاعه مع القانون الجديد إن اقتضت الضرورة". 

ويتابع صالح "ها هي نقابة جامعة الخرطوم تكمل إجراءات تأسيسها وتعقد جمعيتها العمومية وتنتخب لجنتها وتمارس نشاطها مستمدة شرعيتها من اجتماعها العام مستبقة القانون الذي تأخر كثيرًا وقد قدمت لنا مثالًا يمكن أن يحتذى".

في السياق، أكدت وزيرة العمل تيسير النوراني أن وزارتها دفعت بقانون النقابات الجديد لوزارة العدل للصياغة القانونية وسيُدفع به لمجلسي الوزراء والسيادة لمناقشته وإجازته في صورته النهائية بنهاية آذار/مارس الجاري.

اقرأ/ي ايضًا: حوار| مريم الطيب: التلفزيون بأكمله يحتاج لثورة لا تقل أهمية عن ثورة ديسمبر

وبحسب وكالة السودان للأنباء، قالت تيسير النوراني لدى مخاطبتها المؤتمر الذي يقيمه مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية حول تعزيز دور النقابات في الانتقال الديمقراطي، إن وزارتها حرصت أن يكون هناك إجماع حول القانون الجديد من المجموعات النقابية والمراكز المختلفة. وأكدت الوزيرة أن النقابات هي عصب الانتقال الديمقراطي ولها دور مهم في تعزيز الممارسة الديمقراطية.

عطا البطحاني: الدور الوطني للنقابات في استعادة اِستقلالها وبناء مؤسساتها دعمًا للانتقال السياسي

وحول تحديات المرحلة الانتقالية الراهنة، يقول بروفيسور عطا البطحاني "أن الدور الوطني للنقابات في استعادة اِستقلالها وبناء مؤسساتها دعمًا للانتقال السياسي، يكاد ينافس دورها الاقتصادي في حماية ورعاية حقوق ومصلحة عضويتها".

ولفت عطا، في ورقة تحت عنوان "دور النقابات في التنمية بعد ثورة ديسمبر: اِشكاليات البناء الوطني والسلام العادل والتنمية المستقلة" إلى أن ثورة ديسمبر قادت إلى استعادة النقابات المهنية مراكز هامة في العمل العام، ومراكز الرأي والتنوير وتجمع المثقفين لحيويتها في العمل السياسي والوطني، إضافة إلى إسهامها في تحريك وتنشيط خلايا المجتمع الحية.

ويُضيف البطحاني "أن المرحلة الحالية تفرض على الحركة النقابية مسؤوليات غير مسبوقة في ظل أوضاع داخلية وخارجية تحمل تهديدًا لوحدة البلاد وتماسك الدولة".

أما د. عبد الرحيم بلال في ورقته بعنوان "النقابات وتحديات التنمية"، شدد على ضرورة تعزيز دور النقابات في تحقيق الديمقراطية والتنمية. وأضاف "على النقابات ان تلعب دورًا أساسيًا في عملية الإصلاح الكلي بالمشاركة في التخطيط وتنفيذ خطط وبرامج الإصلاح الكلي".

النقابة للجميع.. ولكل حزبه

وحول تاريخية خلاف النقابات والسياسة يرى د. صديق الزيلعي، في مشاركته بالمؤتمر "أن الممارسة أثبتت أننا لا نستطيع عزل النقابات عن القضايا السياسية القومية، وتجارب أكتوبر والانتفاضة، وثورة ديسمبر رسخت ذلك الموقف". ويُضيف الزيلعي "التحدي هو أن تمارس النقابات العمل السياسي القومي وتبتعد عن التبعية لحزب واحد. 

أما الكاتب والمحلل السياسي محجوب محمد صالح، يرى" أن الخلافات الداخلية المحدودة يجب ألا تتطور إلى صراعات ومواجهات تهدد وحدة عضوية النقابة. ويضيف صالح، أن الشعار المتداول بين النقابيين "لكل حزبه والنقابة للجميع" يُلخص بصورة متكاملة مبدأ "الوحدة في التنوع" في إطار العمل النقابي. 

اقرأ/ي ايضًا: الرسائل السياسية في بروتوكولات الزيارات الرسمية بين السودان ومصر وإثيوبيا

ودعا محجوب، خلال مشاركته بالمؤتمر، "إلى "توحيد صفوف الحركة النقابية وبناء قدرات قيادية لكوادر تُعبر عن مطالب العاملين وتحافظ على وحدتهم ولا تسمح بالانقسامات الجانبية والتشرذم". 

حذر بروفيسور عطا البطحاني من ما أسماه "الانتهازية النقابية" 

ويتابع صالح "في نفس الوقت، لا تهمل النقابات ضرورة توسيع الأفق الثقافي للعمال عبر تبني مشاريع ثقافية وقيام منابر للثقافة العمالية بشتى ضروبها". ويضيف "هذه الأدوار المتكاملة تجعل للنقابة وضعًا مركزيًا بالنسبة للعامل يرى فيها شيئا أساسيًا في حياته فيمنحها ولاءه وزمنه وجهده، كما تحمل الحركة النقابية مسئوليات وطنية".

من جهته، لفت بروفيسور عطا البطحاني، في ختام حديثه، إلى خطورة انصراف النقابات للعمل السياسي وخضوعها لعوامل الصراع الحزبي، على حساب خفوت دورها في العمل المهني والخدمة الاجتماعية.

ويُضيف عطا "بين هذا وذاك تنشط عادة الانتهازية المدربة والمحترفة الانتهازية السياسية، ما يسمى في إشارة الى التجربة المصرية “الانتهازية النقابية" وكلاهما يشكل اليوم عبئا ضاغطا على عقول النقابيين".

اقرأ/ي ايضًا

مسؤول: التعاون العسكري مع واشنطن وروسيا يقتصر على بناء محطة تزويد السفن

"هيومن رايتس ووتش": على الحكومة الانتقالية في السودان ردع قوات الدعم السريع