07-مارس-2021

مريم الطيب (فيسبوك)

مريم محمد الطيب، أول مخرجة تلفزيون سودانية، مثلت للإذاعة والتلفزيون والمسرح، انتجت أفلامًا سينمائية ضمن منظمة اليونسيف وحقوق الطفل.. في اليوم العالمي للمرأة التقاها "الترا سودان" في حديثٍ حول الغربة وتشكل الروح بعيدًا عن الوطن، وأبرز قضايا المرأة السودانية.

اقرأ/ي أيضًا: رئيس الوزراء يصل الجزيرة لتدشين عمليات حصاد القمح بمحلية الكاملين

مريم الطيب: أفكر في تناول قضية انعتاق المرأة من التنميط ومعالجتها دراميًا

المحررة: في أعمالك الفنية تم الربط بين منظر الشباك في الأعمال التلفزيونية وقضايا المرأة، هل يمكن شرح هذه العلاقة الفنية؟

لفت نظري في الحياة العامة وفي الدراما خاصة والأدب وعند الشعراء والمغنيين الإشارة إلى الشباك "يا معاين من الشباك، يا أحلى زول شفناك" الشباك يعني لي الغياب الفعلي للمرأة من المشهد العام ومشاركتها في الفعل الاجتماعي والسياسي، وهو إطار تم فيه تنميط المرأة بشكل مخل، أفكر في معالجة انعتاق المرأة من هذا التنميط ومعالجته دراميًا، فالمرأة تقوم بدور كبير في إعداد الحياة في المشهد اليومي، على سبيل المثال، كل مناسبات البيت، وعند تفكيك هذا المشهد تجد أن المرأة تراقب كل الأحداث حولها من خلال الشباك. هذه هي العلامة الكبرى التي تقودنا نحو ظاهرة كاملة. ما أريده هو قلع إطار هذا الرمز الذي هو الشباك، والدعوة نحو المشاركة الفعلية، ليس في حدود البيت وإنما بصورة أوسع في قضايا الوطن المتعددة. لقد قامت الشابات بدور فعال في المشاركة الثورية والتغيير، وأرجو أن تمتد هذه المشاركة لا على مستوىً واحد بل في كل المستويات المتعددة.

المحررة: ما هي الصعوبات التي تواجه المرأة في مجال الإخراج التلفزيوني، بين الأمس واليوم؟

العمل في مجال الإخراج التلفزيوني بشكل عام كغيره من الأعمال في مجال الإبداع الأخرى بكل أشكالها، فهو يحتاج إلى الدراسة والإعداد الجيد على المستوى الفردي، ولكن، ليس بصورة مطلقة لأن تأهيل الأفراد هو أيضًا مسؤولية الدولة، وهو الذي يحدد مدى رؤيتها للمستقبل في وضع الاستراتيجيات الواعية والواضحة التي تخدم أهداف التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي يصدرها العقل السياسي.

تبدأ صعوبات العمل عندما تغيب رؤى المستقبل والاستراتيجيات والخطط الواضحة ذات الأهداف، مما يشكل عائقًا لكل العاملين في مجال الإخراج التلفزيوني نساءً ورجال. أما المشاكل التي تواجه النساء في هذا المجال ومن تجربتي فهي سيطرة العقلية الذكورية وهيمنتها المدعومة من السلطة والتي كانت في أوج نشاطها سابقًا، وجرت البلاد إلى ماهي عليه اليوم. وتتجلى هذه الذهنية في تقسيم العمل على أساس النوع وتنميط دور المرأة وحصرها في إخراج برامج "طبق اليوم" وبرامج "الأسرة" وإبعادها عن كل ما يعتقدون أنه حكرًا على الرجل.

واجهت المشاكل باعتباري من أوائل اللآتي مارسن العمل بعد التخرج من المعهد العالي للموسيقى والمسرح، وبعد التحاقي بالعمل في التلفزيون كأول مخرجة تلفزيونية من خريجات المعهد، كنت أعمل ضمن (17) مخرجًا وقضيت في العمل عشرة سنوات، وطيلة هذه المدة كانت محاولات تطويقي وحصري في برامج محددة لم تتوقف وأنا بدوري لم اتوقف من مواجهة ومقاومة هذا التنميط. كنت أحس بمسؤولية كبيرة في أن أكون موجودة وجودًا فاعلًا وإيجابيًا كمخرجة خارج تنميط النوع، ونجحت في ذلك إلى حدٍ كبير، ليظل هذا الباب والدرب مفتوحًا ومطروقًا للنساء.

وللإجابة عن سؤال صعوبات اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات، ما زالت الصعوبات هي نفسها وربما أسوأ نسبةً لفقر الخيال وعدم تأهيل الإدارات التي تعاقبت على التلفزيون ووزارة الثقافة والإعلام طيلة فترة الإنقاذ. فذهاب الإنقاذ كسلطة ليس كافيًا لإحداث أي نوع من أنواع التغيير الذي يتناسب مع قامة ثورة ديسمبر المجيدة، إذ لا تزال أذيال النظام البائد موجودة وتمارس ذلك الهدم الخفي. ليس هناك ماضيًا وحاضرًا في الحديث عن التلفزيون، لكن، سأدلف نحو أداء التلفزيون منذ إعلان قوانين الشريعة في سبتمبر 1983 وظهور محاكم العدالة الناجزة من خلال شاشات التلفزيون والتي بثت الرعب في طول البلاد وعرضها، فقد عاصرنا-بكل التفاصيل- هدمًا خفيًا واستهدافًا للنساء بدأ نشاطه منذ ذلك الوقت. واكتسب قوته وشرعيته بعد انقلاب الحركة الإسلامية في 1989 وهم أنفسهم من أتوا بقوانين سبتمبر 1983 فظهرت سياسة التميكن والتخلص وإحلال العاملين المؤهلين بكوادرهم غير المؤهلة والتي ما زالت تسيطر على مجريات الأمور سرًا وعلانية.

المحررة: كيف تقرأين وجود المرأة السودانية خلال ثلاثين عامًا الماضية؟

كما في آخر إجابتي السابقة، فأن فترة الانهيار وتدهور وضع المرأة بدأ منذ اعلان قوانين 1983 وسيطرة الإخوان على الاعلام بصورة مكثفة، انتهت باستيلائهم على السلطة في 1989 وإكمال ما كانوا يقومون به في الخفاء ونقله إلى العلن، واستمرت الحرب على النساء مستمدة شرعيتها من السلطة المطلقة المحمية بالفتاوي الدينية وبسط المشروع الحضاري الذي هو إهانة للمرأة وتكبيلها بقانون النظام العام وضربها وإهانتها على الملأ وتقسيم البلاد في أقسى درجات براغماتية هذا المشروع. فترة الإنقاذ لم تكن فقط حكمًا عسكريًا بل كان نظامًا كاملًا لإعادة صياغة الإنسان السوداني باجتماعه ودينه وفقًا لتوجه إخواني أطلقوا عليه مسمى المشروع الحضاري. لكن، تم التخطيط له بواسطة الحركة الإسلامية العالمية، لذلك تجدني من أشد الناس حزنًا على تلك الفترة وتلك الذاكرة التي يجب استبدالها سريعًا بوجه يشبه السودانيين والسودانيات بعضهم ببعض وبصورتهم العملاقة، كما نعرف ذلك التاريخ.

المحررة: بعد ثورة ديسمبر المجيدة، ما الدور المأمول في مجال الإخراج التلفزيوني؟

مريم الطيب: تمكنت حكومة الإنقاذ البائدة من البقاء كل هذه المدة بوساطة هذا الصندوق السحري العجيب "التلفزيون"

التلفزيون بكلياته يحتاج لثورة عظيمة لا تقل أهمية عن ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بجبروت الإنقاذ. تمكنت حكومة الإنقاذ البائدة من البقاء كل هذه المدة بوساطة هذا الصندوق السحري العجيب، الذي تم استخدامه وبوعي لغسل الأدمغة في بلد ترتفع فيه نسبة الأمية لأرقام هائلة، لا أحد يستطيع فعل شيء بدون عقل سياسي جبار وسياسات واعية وخطط إصلاح قصيرة وطويلة المدى. تطوير الإخراج لا يتم بمعزل عن تطوير المنظومة الإعلامية والثقافية ورفع الوعي. وهذا لا يتأتى بدون العقل السياسي والقرار السياسي الواعي، لقد أصاب وزراء الفترة الانتقالية شباب الثورة بالإحباط حيث تم إبعادهم عن مراكز صنع القرار وتمثيلهم حتى ولو بشكل رمزي. كانت هناك بعض برامج قمت بتشجيعها ولكن للأسف تم حذفها وانقطاعها عن المشاهد أثناء بدايات الثورة. وهذا محزن جدًا. فمن الواضح أن هناك تمكين ما زال يعمل عمله في إعاقة رسائل الثورة والوعي بها.

فالدور المأمول حسب إفادات سؤالك للإخراج التلفزيوني يحتاج لفريق متكامل للعمل في إنجاز برامج اجتماعية ونقدية وثقافية وسياسية تجعل المواطن يعرف تمامًا الدور الديمقراطي الذي يلعبه في زمن الديمقراطية؛ حتى لا نفاجأ بديمقراطية معوجة منغلقة في الكسب الحزبي على حساب خسارة الوطن. فالديمقراطية هي معرفة الوطن وليس الحزب؛ الحزب له دور معين في عرض برنامجه لفترة محددة في رفعة البلد وليس تدبيرًا أيديولوجيا معينًا يعلو الوطن، هذا لا نريده في الديمقراطيات -وإنشاء الله تدوم- الآتية. أنا مؤمنة تمامًا أن استمرار الديمقراطية على علاته سيبني وسيقوي من الديمقراطية بمزيد من الوعي الديمقراطي.

ما أريد أن أقوله إن المخرج مثل الملحن الموسيقي فطالما الملحن يحتاج لصوت وحنجرة فنان يليق بتلحينه؛ ويحتاج كذلك لشاعر له كلمات يعبر عنها هذا الملحن كذلك الإخراج التلفزيوني يحتاج إلى فريق متكامل ومثقف وسياسات منفتحة على العالم من حولنا لنهاية هذه العزلة المفروضة علينا بسبب ضعف الإنتاج في الشكل والمحتوى.  نأمل في انخراط المثقفين ورفد التلفزيون بالأفكار الخلاقة. أنا مثلًا أريد أن أقول لك تجربتي الخاصة مع البرامج التي كنت أقوم بإعدادها والتي كان يتم ايقافها على وجه السرعة لأنها تخالف التوجه العروبي الإسلاموي وتكريس سلطة المركز مثل "برنامج طبول" و"ستوديو ٨٠" و"الصلات الطيبة" الذي لم يكن من إعدادي بل كنت أخرجه فقط على مدى عامين. من هذه القصة كما قلت لك تحتاج الثورة إلى الشباب لإشراكهم في صياغة البرامج الاجتماعية ذات الوعي السياسي المتقدم نحو الممارسة الديمقراطية، يجب ألا نترك الأمر لمن هم ضد الممارسة الديمقراطية.

المحررة: مريم محمد الطيب والغربة، كيف أثرت على روح الفنان فيك؟

أتاحت لي الغربة رؤية العالم والإنسان والقضايا الإنسانية بشكل أكثر وضوحًا، وأيضًا الحساسية في التعاطي مع اللغة وخطورتها إذ ليس هناك آخر أو كتلة كأن تقول مثلًا الهنود أو العرب، أو أن تصنع منها مادة للضحك كما يحدث للصعيدي في مصر أو التناول الساخر للقبائل في السودان كموضوع للكوميديا التي تبث من خلال الأجهزة الرسمية لتصبح تقليدًا عاديًا لخدمة مشروع تمزيق البلاد. كلامي هذا يؤخذ على مستوى الدراما والقوانين في الوسائل الرسمية والإعلامية. أما على صعيد المجتمع في الواقع المباشر هنالك عنصرية ازدادت حدة تصاعدها مع تولي الرئيس السابق دونالد ترامب لمقاليد البيت الأبيض، لكن في المقابل تلك بلاد تحكمها قوانين صارمة.

اقرأ/ي أيضًا: معرض للتشكيلية أميمة حسب الرسول بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة

المحررة: المرأة في المهجر تواجه صعوبات خاصة فيما يتعلق بقضايا الهوية، وتربية الأبناء وربطهم بالثقافة السودانية، كيف تنظرين للمرأة السودانية بدول المهجر؟

تواجه التربية في عالم اليوم الكثير من التحديات في كل مكان نسبة لتعدد المصادر التي يتلقاها الأطفال في جميع مراحل الحياة، وأكبرها التعاطي مع التكنولوجيا وغزارة المعلومات المتضاربة في كثير من الأحيان. ونسبة لسهولة تبادل المعلومات سواء أن كانت سلبية أو إيجابية.  وكما تعلمين لم تنج كل المجتمعات بما فيها المجتمع الغربي من استقطاب الشباب لكل أشكال التنظيمات الإرهابية العالمية وهذا من أكبر التحديات التي تواجه الإنسانية الآن. الجوانب الإيجابية أيضًا كثيرة منها انتشار التعليم والثقافة والفنون، ودور التربية هنا يكمن في توجيه الدفة إلى الوجهة الصحيحة. المجتمع الأمريكي هو عدة مجتمعات وشعوب أحيانا تعيش منغلقة على نفسها اجتماعيًا لحد كبير ولكنها لا تستطيع تحقيق هذه العزلة بصورة كاملة إذ لابد من الاحتكاك بالمجتمع الأمريكي في العمل والدراسة ومن هنا تبدأ التحديات. الوعي بالاختلاف ووضوح الرؤيا والانفتاح الذهني في معرفة طبيعة المجتمع وتحديد أهدافك كمربي. المجتمع الأمريكي خلاف العنف الذي يراه العالم في شاشات السينما كغيره من المجتمعات التي تعكف على تنشئة أطفالها بصورة سليمة وغرس الأخلاق المبادئ. المرأة في دول المهجر نجحت إلى حد كبير في إثبات وجودها بشكل فاعل في كل المجالات وأيضًا في لعب الدور الوطني والهم اليومي في المشاركة في القضايا الوطنية وحتى في إنجاح الثورة الوطنية العظيمة. وهذا ما شهده العالم وجذب انتباه الناس في كل المجتمعات وأصبحت مثلًا يحتذى.

مريم الطيب: ما تزال المرأة السودانية تعاني من القوانين الجائرة التي تكرس لعدم المساواة وتقلص دورها في الحياة السياسية

المحررة: المرأة السودانية المبدعة، تواجه الأخطار في كل دروب حياتها، كونها الأكثر إدراكًا لدورها ووجودها، هل من رسالة للنساء المبدعات؟

السودان من الدول القليلة جدًا التي لم توقع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" وافتتح إجابتي على هذا السؤال بهذه العبارة والتي تلخص مدى أهمية الدور المنوط بالنساء بشكل عام والمبدعات على وجه الخصوص في السودان وفي كل الدول التي تعاني من القوانين الجائرة التي تكرس لعدم المساواة وتقلص دور المرأة في الحياة السياسية وكافة مناحي الحياة الأخرى. وهذا ما نراه اليوم ماثلًا أمامنا من التقليل من شأن المرأة وإبعادها من المشاركة في صنع القرار وتجاهل دورها في إشعال وقيادة ثورة ديسمبر العظيمة. من هنا تبرز أهمية دور المرأة المبدعة وما للفنون من دور رائد في إحداث التغيير الاجتماعي ونشر الوعي وتغيير وجه الحياة.

اقرأ/ي أيضًا

وزارة التجارة تؤكد منع دخول المركبات إلى البلاد بطرق غير قانونية

"إضاءات سودانية".. معرض ثنائي بغاليري داونتاون