19-يوليو-2022
قوة عسكرية

الأمن مقابل الصمت عن مطالب الثورة.. معادلة السلطة الانقلابية

شهدت البلاد سلسلة من أحداث الاقتتال القبلي بعد انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي في عدد من المناطق بولاية جنوب دارفور ومناطق بغرب دارفور وولاية كسلا. وكان العامل المشترك في جميع الأحداث الدامية التي كان آخرها أحداث النيل الأزرق، هو في تأخر السُلطات الأمنية في حسم الاقتتال وفرض هيبة الدولة، ما زاد الحديث في أوساط السياسيين والمراقبين عن رغبة سُلطة الانقلاب في مقايضة الديمقراطية وحكم القانون بالأمن والاستقرار، واصفين الاقتتال القبلي بـ"الأزمة المفتعلة".

متحدث تجمع المهنيين: القوات الأمنية دائمًا ما تكون متورطة في المشاكل القبلية بهدف قلب الأوراق والحصول على مخرج من المأزق الأمني الذي تواجهه

تجمع المهنيين يؤكد اتجاه المقايضة

أشار المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي، أشار إلى أن الحديث المتداول حول مقايضة الأمن والاستقرار بالديمقراطية والحرية "صحيح تمامًا".

وقال الوليد إن القوات الأمنية دائمًا ما تكون متورطة في "زرع الفتن والمشاكل القبلية" بهدف قلب الأوراق والحصول على مخرج من المأزق الأمني الذي تواجهه. وتابع الوليد في تصريح لـ"الترا سودان": "هدف الانقلابيين هو منع الأجسام الثورية من التوحد كما فعلوا بولاية البحر الأحمر"، مستدركًا: "ولكنها لعبة مكشوفة".

ويضيف الوليد أنهم يراهنون على وعي الشارع وتماسك قوى الثورة وتمكنهم من "دحر مخططات الانقلابيين" سواء في النيل الأزرق أو في أيّ مكان آخر.

أزمة مُخطط لها

وفي السياق نفسه، وصف القيادي بالحرية والتغيير(المجلس المركزي) محمد الفكي انتقال الصراع الإثني من مدينة إلى أخرى بالأمر "المُخطط له بدقة"، نافيًا أن يكون "عفويًا". وتابع الفكي في تغريدة له على "تويتر": "التلاعب باستقرار الناس وحياتهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية سيقود إلى حريق شامل في البلاد ولن يبقي وراءه أي ميادين صالحة للتنافس السياسي المدني".

ومضى الفكي "أكدت ثورة ديسمبر عبر حراكها السلمي لسنوات أن أهدافها واضحة، وهي مدنية الدولة والانتقال للحكم الديمقراطي، وفي سبيل ذلك قدمت مئات الشهداء، السلمية هي منجاة هذه البلاد والحل السياسي الشامل وإنهاء الانقلاب وعودة العسكر لثكناتهم، ولا غيرها من الخيارات".

ووصف ما يجري من أحداث عنف بـ"التدمير الممنهج لسلمية الثورة ونقلها إلى مربع العنف" حتى يتسنى فرض حالة الطوارئ والتعامل بعنف مع المحتجين الذي لن يسفر عن استقرار - على حد تعبيره.

https://t.me/ultrasudan

وفي سياق متصل، يرى القيادي بالمؤتمر السوداني وبالحرية والتغيير خالد عمر يوسف، يرى أن السُلطة تستخدم احتمالية انهيار الدولة كـ"فزاعة" لمقايضة الحرية والديمقراطية والاستقرار، وصفًا ما يدور في البلاد باللعبة الخطيرة، وقائلًا إن البلاد بها جميع "أعراض الهشاشة" و تتجاذبها "مواريث ثقيلة من الصراعات الداخلية" على الصعيدين السياسي والاجتماعي فضلًا عن وجود "أيادي خارجية لها أجندة ستعجل بتمزيق السودان". وتابع خالد في تغريدة على "تويتر": الواجب الآن هو أن تتوحد قوى التغيير المدني لوقف نزيف الدم الغالي في بلادنا عاجلًا وهزيمة الانقلاب كليًا".

وشهد النيل الأزرق اقتتالًا قبليًا داميًا، بدأ بمحلية "قيسان" واتسع حتى طال مدينتي الدمازين والروصيرص، ما أسفر عن نحو (80) قتيلًا وأكثر من (120) جريح. وامتدت الأحداث إلى ولاية كسلا شرقي البلاد حيث سقط ثلاثة شهداء في احتجاجات رافضة لأحداث النيل الأزرق وجرح ما يقارب الـ(10) أشخاص.

الشيوعي يُشير لتورط حركة عقار

 قال الحزب الشيوعي السوداني أن الوضع المتفجر ولاية النيل الأزرق يأتي نتيجة لمحاولات قيادات الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار للاستحواذ على السلطة.

وأكد الشيوعي أن ما يحدث في النيل الأزرق يصب في ضرب السلام بالمنطقة عبر تأجيج النعرات القبلية وسيادة خطاب الكراهية وتحويل التنافس على الأرض والموارد والسلطة إلى اقتتال شرس بين الفصائل المختلفة المنتمية لأطراف قبلية متعددة. وتابع الشيوعي في بيان له: "إن ما يجري في منطقة جنوب النيل الأزرق هو إعلان واضح بفشل محاصصات سلام جوبا واستمرار للمواجهات الدموية التي تجري في دارفور ومناطق أخرى في البلاد".

وأضاف الشيوعي أن سيطرة "الطغمة العسكرية" وبالتعاون مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا المنخرطة في تنفيذ التسوية السياسية "المطبوخة دوليًا وإقليميًا" تؤدي إلى تأجيج نيران الفتنة القبلية، مشيرًا إلى أن ما يحدث يدعو إلى ضرورة الإسراع في الاتفاق على برنامج عمل يستند إلى جمع المبادرات التي طرحتها "القوى الجذرية" وبناء المركز الموحد لقوى الثورة.

جهات سياسية تتحمل المسؤولية

ومن جانبه يرى القيادي بالحرية والتغيير(الميثاق الوطني) ونائب الأمين العام للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية حذيفة عبدالله - يرى أن مسألة الانفلات الأمني وتصاعد الاقتتال القبلي "ليست مدبرة"، نافيًا تورط السُلطات الأمنية في الأحداث.

وتابع عبدالله: "ما تواجهه البلاد من انفلات أمني هو نتاج عن البنية السياسية والاجتماعية الهشة". ولفت في تصريح لـ"الترا سودان" إلى لجوء جهات سياسية لاستخدام "خطاب الكراهية"، واصفًا هذه الجهات بأنها "فاقدة للبوصلة السياسية".

وأضاف عبدالله: "عمدت هذه الجهات إلى "تبني خطاب الكراهية في سبيل لتعطيل اتفاقية جوبا للسلام وجر البلاد للفوضى وإعاقة التحول الديمقراطي"، مؤكدًا أهمية اللجوء إلى الحوار من أجل تجاوز الأزمة الحالية بالبلاد وصياغة عقد اجتماعي جديد "للمحافظة على إرث التسامح والتعايش بين مكونات الشعب السوداني" – على حد تعبيره.

فصيلي الحركة الشعبية شمال يصفيان حساباتهما

ويشير المحلل السياسي محمد التجاني إلى تأثر الأحداث بالنيل الأزرق بانقسام الحركة الشعبية بين حركتي عبد العزيز الحلو ومالك عقار وصراعهما. ويضيف التجاني أن البيانات المحلية تشير إلى أن الأحداث ناجمة عن صراع بين الإدارات الأهلية في الولاية، وهو "صراع قديم متعلق بالموارد ومجموعة الإدارات الأهلية بالفونج التي منعت منح الهوسا إدارة أهلية".

وقال التجاني في تصريحه لـ"الترا سودان": "تأثر الصراع بانقسام الحركة الشعبية شمال لحركتي عبد العزيز الحلو ومالك عقار وبحسب البيان المحلي هذا الانقسام أثر في الصراع ونقله بين جناحي الحركة الشعبية إلى المستوى المحلي بالنيل الأزرق وتمت تصفية الحسابات بهذه الطريقة".

وأشار التجاني إلى أن السلطات دائمًا ما تكون بعيدة ولا تحسم التفلتات بسرعة كما تم عُدة مرات في كسلا والقضارف بين البني عامر والنوبة والبني عامر والهدندوة؛ حيث لم ينزل الجيش بسرعة لفرض الأمن أو حالة الطوارئ وهو متوقع من الجيش وجزء من تعقيدات الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد – طبقًا للتجاني.

ونشأت الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال في العام 2011 بعد انفصال جنوب السودان، وعصفت بها خلافات محتدمة في العام 2017 أدت إلى انقسامها لفصيلين أحدهما بقيادة مالك عقار تحت اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة مالك عقار، والأخرى بقيادة عبد العزيز الحلو تحت اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو.