14-أكتوبر-2021

خسر السودان حوالي (65) مليون دولار من إغلاق موانئ بورتسودان (Wikimedia)

تشير التقديرات الصادرة من غرفة المستوردين، أن السودان خسر (65) مليون دولار من إغلاق موانئ بورتسودان منذ نهاية أيلول/سبتمبر الشهر الماضي بواسطة تنسيقية نظارات البجا التي تطالب بإلغاء مسار الشرق في اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في تشرين الأول/أكتوبر 2020.

ويدخل إغلاق الموانئ والطرق في بورتسودان يومه العشرون في أول إغلاق يمتد لفترة أطول منذ سنوات طويلة وتتزامن الإغلاقات مع بداية انتعاش الموانئ عقب صيانتها نهاية العام بتكلفة (61) مليون يورو، واستجلاب محركات أرضية وصيانة الرافعات الجسرية وانتظام ست رافعات جسرية في الخدمة.

تستورد البلاد (12) مليون حاوية سنويًا عبر موانئ بورتسودان 

وتستورد البلاد عبر موانئ بورتسودان حوالي (12) مليون حاوية سنويًا، فيما تُصدِّر نحو مليوني حاوية سنويًا أيضًا، هذه الإحصائيات حصلت عليها "الترا سودان" من مركز دراسات البحوث بوزارة البنى التحتية.

وتبلغ الإيرادات السنوية التي تحققها موانئ بورتسودان للخزينة العامة من الجمارك والرسوم المتعددة حوالي نصف مليار يورو، وقد  ترتفع خلال العامين القادمين إلى (1.5) مليار دولار.

اقرأ/ي أيضًا: الدولة السودانية وماراثون الدستور

وتستحوذ موانئ بورتسودان وبنيتها التحتية على (10)% من ساحل البحر الأحمر البالغ طوله (800) كيلومتر شرقي السودان، وهي سواحل محط أنظار الشركات العابرة للقارات إذ أنها تود إنفاق مليارات الدولارات للاستثمار فيها.

وفي نهاية العام الماضي كان وزير البنية التحتية والنقل المكلف هاشم بن عوف قد حذر من أن الاضطرابات الشعبية في بورتسودان قد تؤدي إلى رفع شركات الملاحة تأمينها جراء توقف الموانئ.

بن عوف كان قد أصدر هذه التصريحات على خلفية رفض عمال الموانئ خبيرًا عينته الحكومة الانتقالية لتطوير الموانئ، وشككوا أن استجلاب الخبير يعني خصخصة الموانئ شرق السودان.

ونأت الحكومة الانتقالية بنفسها عن خصخصة موانئ بورتسودان خشية توسع رقعة الاضطرابات في بورتسودان، واكتفت بصيانة الرافعات الجسرية حيث دخلت ستة رافعات "كرينات" إلى الخدمة في وقت وجيز.

ولم يكشف أي طرف اقتصادي إقليمي يود الاستحواذ على موانئ بورتسودان عرضه بشكل علني، لكن ثمة اضطرابات سياسية في البلاد تكشف بوضوح أن هناك مساع لتمدد إقليمي إلى موانئ السودان مستغلة أزمته الاقتصادية الطاحنة والأزمة السياسية بين الترويكا، ولا يستبعد مراقبون من أن تكون الأزمة مفتعلة لتوفير غطاء لخصخصة الموانئ.

أبرز المخاوف التي تثيرها محاولات إقليمية للاستحواذ على موانئ بورتسودان، إذ أن هناك تجارب ماثلة في الإقليم في إدارة الموانئ بصورة فاشلة وإضعافها على حساب موانئ أخرى في الإقليم قد تكون الأكثر نشاطًا إلى جانب استغلال ضعف الدولة السودانية وتمرير شروط جديدة تقوض الانتقال نحو الدولة المدنية.

كما أن قيمة صفقة أيلولة موانئ بورتسودان إلى شركات عابرة للقارات قد تجنيها البلاد من تشغيل الموانئ في عامين فقط إذا ما استقرت الأوضاع السياسية والاقتصادية للحكومة الانتقالية التي تواجه أكبر أزمة معقدة منذ تشكيلها في أيلول/سبتمبر 2019 وإعادة تشكيلها بشكل طفيف مجددًا في شباط/فبراير 2021.

وتُلقي قوى مدنية قلقة على التحول الديمقراطي باللائمة على الطبقة السياسية في السودان التي لا تفكر بطريقة إستراتيجية حيال القضايا الوطنية وتعقيدات الانتقال والاقتصاد السياسي.

ورغم التصريحات المتكررة التي يُدلي بها السياسيون المشاركون في السلطة الانتقالية أو خارجها بإعلانهم التضامن مع قضية شرق السودان، بالتالي إنهاء أزمة الموانئ من باب الإنصاف المعنوي لقادة الاحتجاجات؛ إلا أن هذه التصريحات تخلو من أي خطة حكومية أو سياسية أو تنموية حول قضية شرق السودان وكيفية التعامل معها حاليًا ومستقبلًا.

ويتصاعد القلق أيضًا من أن بورتسودان التي عُرفت بالاحتجاجات التي تقودها القوى المدنية الجماهيرية باتت اليوم يسيطر عليه "الخطاب الإثني" الذي صعد مستغلًا الفراغ السياسي وانزواء القوى المدنية نحو المركز والسلطة وصناعة القرار.

كما أن اتجاه الحكومة الانتقالية إلى الموانئ المصرية وتحديدًا ميناء العين السخنة على ساحل البحر الأحمر لسد الاحتياجات في السلع الأساسية جراء توقف موانئ بورتسودان على الرغم من كونه حل اضطراري إلا أنه يعكس بوضوح عمق الأزمة بين ترويكا الانتقال في السودان، وعدم وجود انفراج قريب لأزمة الشرق المرتبطة بأزمة الشركاء العسكريين والمدنيين والحركات المسلحة.

اقرأ/ي أيضًا: مواكب سبتمبر والعزم على تحقيق شعارات الثورة

وربما تراهن بعض الأطراف التي تبحث عن حل أزمة الشرق إلى أن الضرر الذي قد يلحق عمال الموانئ البالغ عددهم نحو (13) ألف شخص إلى جانب مئات المخلصين والعمال والموظفين قد يدفعهم إلى إظهار حالة من السخط على إغلاق الموانئ، لكن هذا الرهان يعد ضعيفًا وهو رهان يظهر العجز الحكومي في التعامل مع أزمة الشرق بإهمالها اتفاقية السلام وتركها في يد المكون العسكري الذي قلب الطاولة عليها وتهربت من استحقاقها.

ستنتهي أزمة الشرق إذا ما أقدم حمدوك على حل الحكومة الانتقالية

كما أن الحكومة الانتقالية تعلم التوترات التي قد تنجم حال قررت التراجع عن مسار الشرق بصعود الاضطرابات أيضًا في شرق السودان من مؤيدي المسار، لذلك قررت الحكومة استهلاك الوقت في ملف الشرق والانتقال الى الموانئ المصرية لنقل السلع عبر شمال السودان من معبر أرقين الحدودي.

ستنتهي أزمة الشرق إذا ما أقدم حمدوك على حل الحكومة الانتقالية وتشكيل أخرى جديدة استجابة لرغبة المكون العسكري ومجموعات سياسية مناوئة للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وهذا هو الخيار الأقرب لكن هل يمكن اللحاق وإيقاف التكلفة الفادحة التي ستدفعها موانئ بورتسودان والسودانيون من خلفها؟

اقرأ/ي أيضًا

ما الذي يمكن أن نتعلمه من أفغانستان؟

السودان وتسليم المطلوبين للجنائية.. ما الجديد؟