قالت مواكب دعم الحكم المدني كل ما أرادات قوله وأرسلت رسائلها في كل اتجاه بعدما ميز الثوار مواقفهم "بميزان الموية"، وكان بصرهم حديد، لم يربكهم الصراع السياسي الدائر بين المكونين المدني والعسكري للسقوط في مصيدة "مع وضد"، في سقوفاته المتدنية التي لا صلة لها بجوهر أهداف وشعارات الثورة، والتي أرادت بعض القوى السياسية جر الناس إليها، تقوية مواقفها في صراع واقتتال بعيدًا عن ضفة الثورة وشعاراتها؛ صراع السلطة.
هذه المواكب لن تخوض معركة أحد، ولن تساوم في قيم الحرية والسلام والعدالة، ولن تتنازل عن مطالب الثورة
دعمت المواكب، الحكم المدني في مواجهة مخططات الانقلابات.. عسكرية كانت أم "خاتف لونين"، ولم تدعم الحكومة الانتقالية التي أصمت آذانها عن كل هتافاتهم ومطالباتهم على مدى عامين.
اقرأ/ي أيضًا: "الديسمبريون".. طريق ثالث لإعادة الأمل في الثورة السودانية
ساندت شعارات وأهداف الثورة ولم تساند أحزاب الحاضنة، التي مضت في حكمها عكس اتجاه الجماهير وتماهت مع تغييب شعاراتها وأهدافها، وأرسلت رسائلها واضحة للطامعين في وراثتها سياسيًا من المتسابقين نحو كراسي الحكم.
أعلت المواكب القيمة العظمى للوطن، وخطت طريقها ومسارها، وحددت بوضوح معيارها للحكم الذي تريد، وربطته ودعمها بالثورة، فهي لن تخوض معركة أحد، ولن تساوم في قيم الحرية والسلام والعدالة، ولن تتنازل عن مطالب الثورة.
ذكاء وعبقرية الشعب السوداني وثواره هي ما يستعصى على فهم أصحاب العقل الانقلابي من العسكر ومشايعيهم من مطاردي السلطة من ناحية، والأحزاب التي عزلت نفسها حينما اعتبرت الحكم غنيمة، والتحالف السياسي مدخلًا للسيطرة والهيمنة والمحاصصات، وأدارت ظهرها للشارع طوال عامين من الانتقال، بل حاولت مرارًا إثناء الجماهير من التعبير عن آرائها ومطالبها التي ما تراجعت عنها، ولزمت الصمت حينما تم قمع وضرب المواكب والمليونيات، وهي ترى من تقدموا للصفوف واحتلوا المواقع يتنصلون منها ويمضون عكس اتجاهها، حتى وصلنا لمرحلة يتبجح فيها أنصار الإنقاذ وسدنتها علنًا، ويحتلون المنابر الإعلامية يسخرون من الثورة ويكيدون لها ولقواها دون حسيب أو رقيب، ويتندرون على شهدائها، ويكفي فقط للتدليل على ذلك ما عايشناه طوال يوم أمس في رحلة قطار عطبرة الملحمي للخرطوم وما تعرض له لنعرف أي طريق سلكت هذه المنظومة لعامين.
هذه المواكب هي الطريق الثالث الذي ستسلكه وتمضي فيه جماهير الشعب، لـ"استعدال" هذا العوج الماثل و"القادم"، وتصحيح المسار الذي لا رجعة عنه إلا بالنصر الكامل على من يطمحون ويسعون لوأد الثورة والسطو عليها، وهي رسالة تقول بوضوح إننا لسنا بين فكي الرحى، ولا تنعدم خياراتنا لحد المفاضلة بين أهون الشرين وأخف الضررين، وأن المطلوب التزام وتحقيق كامل لأهداف الثورة ومطالبها بغير تزييف أو تدليس.
لقد خرجت المواكب وستواصل الخروج ضد اختطاف الانتقال، وضد الانقلابات العسكرية والمدنية و"خاتف لونين"، وضد المتسلقين الذين أضاعوا شعارات وأهداف الثورة، وضد المرجفين الذين يروجون بؤسهم وضعفهم بالحديث المكرور عن المصالحة، بينما يتجول القتلة والمفسدين طلقاء، وضد الانتهازيين ولصوص الثورات الذين سدوا الآفاق واحتلوا المنابر وتقدموا الصفوف.
هذه المواكب هي رفض لتغول وهيمنة العسكر على مسار الانتقال والحكم الانتقالي، وللمدنيين الذين سمحوا لهم بذلك تنازلًا وضعفًا وتواطؤ، ولكل ما يجري حاليًا من ضعف وانعدام للحس الثوري وانعدام للكفاءة والخبرة في إدارة العمل التنفيذي والسياسي، وضد ما يجري من استهتار واستهانة بشعارات الثورة وضعف مزر في التعامل مع سدنة العهد البائد.
هذه الثورة يحرسها وعي الشعب والثوار، والجموع التي خرجت تدافع عن ثورتها من جميع مختطفيها عسكرا وأحزاب، وهي تعلم الفجر الصادق من الضليل الكذوب، تدرك أن هذا الصراع الراهن في جوهره هو مقدمات للانقضاض الشامل وتقويض أي مكتسب للثورة.
ستمضي المواكب في طريقها لاسترداد الوطن والنهوض المتوالي ضد الردة والتآمر ولانتزاع البلاد التي بذلت الدماء رخيصة في سبيلها
ولكنها تدرك أيضًا أن القوى التي اختطفت المشهد لعامين كاملين أضرت بالثورة وأهدافها ضررًا فادحًا وقدمت نموذجًا سيئًا بالتنصل عن الشعارات والمبادئ والتعهدات، وبددت رصيدها في الصراع والتناحر والكيد لبعضها البعض والتربص، وستمضي في طريقها لاسترداد الوطن والنهوض المتوالي ضد الردة والتآمر ولانتزاع البلاد التي بذلت الدماء رخيصة في سبيلها.
اقرأ/ي أيضًا