24-يناير-2021

تعبيرية (Medium)

نصت موازنة 2021، على الالتزام الحكومي بسريان الهيكل الراتبي للعام 2020، دون اتجاه للزيادة. كيف يرى أصحاب المصلحة الموازنة الجديدة؟ سؤال طرح على شريحة الأطباء كنموذج لبقية قطاعات الدولة المختلفة. فيما يرى محللون اقتصاديون، أن الثورة قامت من أجل الفقراء وتقليل الإنفاق على الدولة وأجهزتها. فهل تحققت أحلام وتطلعات الثورة في موازنة 2021؟ أسئلة مختلفة، يجيب عليها التقرير التالي:

ما بعد زيادة الأجور

يؤكد اختصاصي الجراحة العامة وجراحة الكبد، علاء نقد، أن الراتب الحكومي ما عاد كافيًا مقارنة مع ارتفاع السلع الاستهلاكية، مشيرًا إلى أن أي زيادة في الأجور لتتماشى مع الراهن لن تكون حلًا كما حدث في 2020، وتابع إن موازنة 2021 كان يجب أن تستصحب ما كان يفكر به وزير المالية الأسبق، الذي عمل على زيادة الأجور دون أن يتسنى له الوقت الكافي لتطبيق بقية السياسات. 

أثارت موازنة العام 2021 التي تمت إجازتها مؤخرًا الكثير من الجدل في ظل رفض من بعض قوى الثورة ومخاوف عند آخرين

وحول ماهية هذه السياسات الغائبة، يقول علاء، هي تتضمن سن قوانين وتشريعات لضبط عمل السوق، مثل ضبط قضايا الاحتكار والتسعيرة وتوعية المواطن بقيمة السلع الأساسية، ويجيز هذا القانون للمواطن تقديم شكاوى ضد التجار محتكري السلع، أو في حال مخالفتهم للتسعيرة الموحدة، تليها آلية ضبط السوق، ثم سياسة رفع الدعم أخيرًا. مشيرًا إلى أن الآليات الثلاث إذا تزامنت مع رفع سقف الأجور، فإن الواقع الاقتصادي كان ليختلف تمامًا.

اقرأ/ي أيضًا: مفاوضات "سد النهضة".. إلى أين؟

ويرى علاء نقد، أن موازنة 2021 ليكتب لها النجاح عليها بدعم ترشيد الاستهلاك، بدايةً من السكر والشاي إلى آخر السلع، بالتزامن مع الإصلاح الضريبي والجمركي، لوجود نسبة كبيرة من الضرائب غير المحصلة، مؤكدًا على أهمية زيادة الإنتاج ومدخلاته.

أين موقع الطبيب السوداني -كموظف حكومي- من رفاقه في منطقة الخليج والشرق الأقصى؟

"بعيد جدًا"، بهذه العبارة وصف علاء الفارق من ناحية الأجور بين الطبيب السوداني وزملائه في البلدان القريبة، ومضى قائلًا لـ"الترا سودان": "في المملكة العربية السعودية، يتقاضى اختصاصي في مكانٍ ناءٍ ما يقارب (19,000) ألف ريال، أي ما يعادل (4,000) ألف دولار، أما أصحاب التخصصات الدقيقة فيتقاضون ما يقارب (40,000) ألف ريال على حسب نوع التخصص وفي أي بلد تم. 

في السودان، يقول علاء، إن راتب الاختصاصي من الدرجة الأولى (35,000) ألف جنيه، أي ما يعادل (150) دولارًا، وهو معدل الرواتب بشكل عام في مختلف المجالات.

أين يذهب الإنفاق في موازنة 2021

من جانبه قال المحلل الاقتصادي والمحاضر بعدد من الجامعات السودانية، معتصم الأمين، إن أحد أسباب التضخم الحالي هو الزيادة في معدلات الأجور، وسياسة التحرير التي نتج عنها رفع الدعم عن المحروقات، وطباعة النقد في 2020.

وبدأت هذه السياسة مع وزير المالية السابق "إبراهيم البدوي"، حيث ضاعف الهيكل الراتبي بنسبة (569)%، وكانت هذه الزيادة غير مدروسة، وتم طباعة العملة بكميات كبيرة بلغت ما يقارب (200) مليار جنيه، الشيء الذي أدى مباشرة لزيادة أسعار السلع الاستهلاكية -الحديث لمعتصم- ويكمن الحل في الشروع بعملية إنتاج حقيقي.

اقرأ/ي أيضًا: اللجنة الاقتصادية بـ"قحت": الحكومة راكمت الأزمات على المواطنين

وبحسب ميزانية 2021، سيبقى الهيكل الراتبي كما هو عليه، فهل تكفي الرواتب الحالية الموظف لتسيير مستلزمات الحياة؟ سؤال يجيب عليه معتصم بالقول، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإن التضخم ارتفع بنسبة (300)% في المناطق الحضرية، وهذا يؤدي إلى نتيجة أن الأجور لم تعد تكفي المواطن أو الموظف لتسيير شؤون الحياة. الآن، يقول معتصم، حصلت زيادة في معدلات التضخم لأن النسبة الأخيرة المرصودة كانت في كانون الأول/ديسمبر 2020، والموازنة الجديدة بشكلها الحالي تؤشر إلى زيادة معدل التضخم في العام الجاري، على الرغم من حديث وزيرة المالية عن أنها ستخفض مستوى التضخم بنسبة (95)%. 

محلل اقتصادي: ما يحدث هو سياسات البنك الدولي الرامي إلى هيكلة الاقتصاد السوداني بما يتماشى مع السياسات الاقتصادية العالمية

وفيما يتعلق بعدم القدرة الشرائية للمواطن، يؤكد معتصم، إنها نتاج سياسات انتهجتها الحكومة الحالية، وتعقد موقفها الاقتصادي، وما يحدث هو سياسات البنك الدولي الرامي إلى هيكلة الاقتصاد السوداني بما يتماشى مع السياسات الاقتصادية العالمية، ويسمى عالميًا "التكيف الهيكلي"، واتبع هذا النهج في دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا وعانت الدول من اضطرابات، لا نزال نشهدها.

ويؤكد معتصم أن هذه السياسات لا تتبع لبرنامج الثورة أو قوى الحرية والتغيير، وفي ذلك تعتمد الحكومة أسلوب المراوغة مع الشعب السوداني. 

ومضى المحلل الاقتصادي معتصم الأمين قائلًا، من الأخطاء الاقتصادية التي حدثت مؤخرًا، ولا بد من ذكرها، هي سياسة تحرير الوقود، الذي هو جزء من عملية الإنتاج، اليوم، يدفع المواطن البسيط ضريبة هذه السياسة بدفع ما لا يقل عن (500) جنيه يوميًا للمواصلات -على سبيل المثال- مع ارتفاع موازي للسلع الأساسية، ومن المفارقة، أن إيرادات المواد البترولية (300) مليار جنيه سوداني في مازنة 2021، وقالت الحكومة سابقًا، إن جزءًا منها يذهب لدعم الفقراء، لكن، موازنة 2021 تكذب ذلك بحيث أن القطاع التنموي "التعليم، الصحة، الزراعة" يوجه له (72) مليار فقط، فيما زادت مخصصات مجلس السيادة بنسبة (126)% عن مخصصات موازنة 2020، وكانت نسبة الزيادة (782)% لمجلس الوزراء كزيادة في الإنفاق من العام السابق، على سبيل المثال لا الحصر.

وقال، إن جملة إيرادات موازنة 2021 بلغت (938,225) مليار جنية، وتشير المؤشرات الأولية لموازنة 2021 إنها تسير بذات نسق 2020 وتركز على الإنفاق الاستهلاكي على الجهاز الحكومي، وتقلل من الصرف على القطاع الإنتاجي، ولا تضع أي اهتمام لقضايا المواطن البسيط، مما ينذر بمزيد من التضخم. 

الهيكل الراتبي القديم.. مقابل زيادات السوق

في سياقٍ متصل، يقول عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير، عادل خلف الله، إن رأى قوى الحرية والتغيير يمضي في اتجاه أن الزيادة الحقيقية في الأجور تكمن في توسيع الدولة لتقديم ورعاية الخدمات الأساسية "الصحة والتعليم والبنى التحتية"، ودعم السلع الأساسية بالتركيز على الأسعار.

اقرأ/ي أيضًا: خلافات بين منسقة "سلعتي" وحكومة القضارف توقف البرنامج بالولاية

ويرى خلف الله، أن هذا هو الاتجاه الصحيح في ظل تدهور القوى الشرائية، وشدد على أن زيادة الأجور كان يجب أن تكون شاملة بنسبة (100)% لتقارب الحقيقة، ولا تطبق دفعة واحدة إنما (50)% خلال شهر، و(10)% لمدة خمسة أشهر، لتجنب الزيادة في الطلب وزيادة الأسعار، وتكون الزيادة تناقصية؛ بمعنى أن المستفيد منها هم مداخيل الخدمة المدنية، وصولًا إلى الدرجة الأولى. 

قيادي بـ"قحت": أشار رئيس مجلس الوزراء، عبدالله حمدوك، إلى الزيادة التاريخية في الأجور، فيما لم تكن للأجور مصادر حقيقية لتمويلها

فيما يرى خلف الله، أن ما حدث بالفعل كان عكس ذلك، وتابع حديثه قائلًا: "لاحقًا، أشار رئيس مجلس الوزراء، عبدالله حمدوك، إلى الزيادة التاريخية في الأجور، فيما لم تكن للأجور مصادر حقيقية لتمويلها، مما دفع الحكومة لإجراء تعديلات في موازنة 2020، لأن الأجور صارت عبئًا عليها، بالتزامن مع هبوط الإيرادات إبان الموجة الأولى لجائحة كورونا بنسبة (48)%". 

وأوضح عضو اللجنة الاقتصادية، أن أجور الأطباء وجميع القطاعات في موازنة 2021 هي الالتزام الحكومي بسريان الهيكل الراتبي للعام 2020، مع تشكيل لجنة لمراجعة الفروقات.

وأشار خلف الله إلى أن تعويضات العاملين "أجور، معاشات" في موازنة 2021، في القطاع السيادي بشقيه المدني والعسكري، تستحوذ على (68)% من الإيرادات العامة، و(70)% من التعويضات، وهو موضع الخلاف في موازنة 2021.

اقرأ/ي أيضًا

الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء يجيز موازنة 2021   

وزير الزراعة يعلن عن خطة استثمارية جديدة للقطاع