سؤال بسيط وصعب في نفس الوقت، مَنْ يُدير ملف التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في السودان؟ يُديرهُ بالدرجة التي ابتدأ فيه، حتى مرحلة إعلان التطبيع بالكامل. يحدث هذا بالرغم من إبداء مسؤولين بارزين في الحكومة الانتقالية الاعتراض على الخطوات الجارية لتطبيع السودان علاقته مع الاحتلال الإسرائيلي.
كان مصدر عسكري مقرّب من البرهان أفاد أنّ التطبيع واقع لا محالة، وسيمضي فيه البُرهان سواء وافقت الحكومة أم لم توافق
وبالرغم من تصريحات الحكومة المتكررة؛ بأنّ من يحسم أمر الموافقة على التطبيع هو المجلس التشريعي، الذي لم يتم تشكيله بعد. يحدث كل ذلك، أيضًا، والواقع السوداني يُشير إلى أمر واحد حتى الآن، وهو أنّ هناك أجندة كثيرة تمّت مناقشتها والتوصل فيها إلى اتفاقات بين السودان وإسرائيل. وأنّ تطبيع السودان لعلاقاته مع إسرائيل تمّ، ولم يبق سوى تبادل السفراء. وعليه، ومرةً أخرى، من يُدير ملف التطبيع في السودان؟
أقرأ/ي أيضًا: "قحت والعدل" ينفيان وجود مشروع قانون يجرم الاحتجاجات
بين كل فينة وأخرى، تظهرُ واحدة من حلقات التطبيع بين السودان وإسرائيل. الحلقات تتمظهر في زيارات من قيادات إسرائيلية للسودان. وفي تصريحات من الطرفين. وفي كلتا الحالين، فإنّ المعلومات تخرجُ من الجانب السوداني كصدى لخروجها من الجانب الإسرائيلي. حدث هذا في الزيارة التي قابل فيها عبدالفتاح البُرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعنتيبي الأوغندية. وحدث ذلك في آخر زيارة من الجانب الإسرائيلي قبل أيام للخرطوم، وهي الزيارة التي قادها مسؤول المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين، بجانب قيادات إسرائيلية أخرى، والتقوا فيها رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البُرهان، فيما تسريبات تقول بلقاء آخر مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
المعلومات تخرج في الغالب من الجانب الإسرائيلي، وكأنّ القيادات السودانية تخشى من إعلانها، أو تُحاول لملمتها من الخروج للعلن، فيهزمها الجانب الإسرائيلي بالإعلان عنها عبر الإذاعة أو وسائل التواصل الاجتماعي. ربما السبب في ذلك يعود إلى أنّ الجانب الإسرائيلي؛ يتعامل مع هذه الزيارات باعتبارها اختراق وانتصار له، وهو أمر مرجّح.
في لقاء غير رسمي، مع أحد كبار العسكريين المقربين من رئيس مجلس السيادة، عقب لقاء عنتيبي في شباط/فبراير الماضي، أشار إلى أنّ ملف التطبيع الآن بيد رئيس مجلس السيادة، وبعض المدنيين بالمجلس، وموافقة وعلم نافذين قليلين بالحكومة الانتقالية، رفض تسميتهم. وقطع المصدر العسكري المقرّب من البرهان بأنّ التطبيع واقع لا محالة، وسيمضي فيه البُرهان سواء وافقت على ذلك الحكومة الانتقالية، والحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة أم لم يُوافقا. لكن من هم تحديدًا المدنيون بمجلس السيادة الموافقون على التطبيع؟ أو من هم تحديدًا النافذين في الحكومة الانتقالية؟ وهل رئيس الوزراء من بينهم أم لا؟ ليست هناك إجابة، فقد امتنع عنها العسكري المقرّب من البُرهان في ذلك اللقاء غير الرسمي.
وعليه، إنْ صحّ ذلك، أو لم يصح، فإنّ قوافل التطبيع سارية منذ شباط/فبراير من العام الماضي، وحتى الآن. وآخر قافلة للتطبيع، الزيارة المتكتّم عليها لقيادات إسرائيلية نافذة للخرطوم قبل أيام، بقيادة مدير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، وهي التي ظهرت صورها فيها ملامسًا كوعه؛ كوع وزير الدفاع السوداني، اللواء يسن إبراهيم.
وفي ذلك جُملة من الإشارات، لعل أقواها عدم صحّة التصريحات التي ظلّت تدلي بها الحكومة التنفيذية والمجلس السيادي الانتقاليين، من أنّ الموافقة على التطبيع مع إسرائيل، ليس مرتبطًا بموافقة الولايات المتحدة على إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فالملفان على ارتباط وثيق. وتمّ تخيير السودان بأنّ الصفقة فيما يخص إزالة اسمه من القائمة السوداء، تضم معها التطبيع مع إسرائيل. وعليه، فهي صفقة على طريقة: Take it or leave it وهو ما وافقت عليه الحكومة الانتقالية.
للإجابة على السؤال مَنْ الذي يُدير ملف التطبيع في السودان؟ نستجلي الفوائد التي يجنيها رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، ومن خلفه مؤسسته العسكرية؟ فهل هناك مكاسب سياسية من تولّيه صفقة التطبيع مع إسرائيل؟ الإجابة هي نعم. وفي ذلك أستعين بما أفاد به العسكري المقرّب من رئيس مجلس السيادة، أنّ عددًا من الرافضين للتطبيع من قيادات الحرية والتغيير يخشون من أن قيام البُرهان بالتطبيع سيُعلّي من مكاسبه السياسية، ويكسب هو وتكسب مؤسسته العسكرية، بالموافقة على التطبيع الذي يخشاهُ الجميع.
سؤال آخر، هل سيعود التطبيع على المؤسسة العسكرية بفوائد؟ من وجهة نظر العسكريين فالإجابة هي أيضًا نعم. فهم يتطلعون على الأقل إلى التعاون العسكري بينهم وبين إسرائيل. وكذا في التسليح. بالرغم من أنّ إسرائيل ليس متوقّعًا أنْ تُعين القوات المسلحة السودانية لا بالعتاد، ولا بالأموال، ربما سيقوم بذلك بعض وكلاء إسرائيل في المنطقة العربية، خصوصًا الإمارات والسعودية.
هذا بجانب أن الصفقة تنعش آمال قادة الجيش في أضافة امتيازات أخرى على الاستثمارات العسكرية للقوات المسلحة السودانية.
على مستوى الحكومة الانتقالية، فإنّ التحليل يذهب إلى أنّ علمها ومشاركتها في إدارة ملف التطبيع في السودان، فقد أفاد عضو مجلس السيادة محمد الفكي سُليمان، بحسب ما نقلت الشرق الأوسط، حول ما يتردد عن أنّ التطبيع بين السودان وإسرائيل، يقوده المكوّن العسكري في السلطة الانتقالية وحده. وقال: "كل أعضاء مجلس السيادة من المدنيين والعسكريين، ووزارة الخارجية يُشاركون في إدارة ملف التطبيع". وعلى ذلك فإنّ مجلس الوزراء لديه أصابعه المشاركة في إدارة ملف التطبيع، إنْ لم يكن كلها، فعلى الأقل مكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية.
ويذهب التحليل إلى أنّ واحدة من أسباب كثيرة في بقاء وزراء حاليين في قائمة الحكومة الانتقالية المقبلة، هم وزير العدل، ووزير الشؤون الدينية. الأول، نصرالدين عبدالباري، لديه تصريحات عديدة، تُشير إلى أنّ الحكومة الانتقالية لديها التفويض بحسب الوثيقة الدستورية في إقامة علاقات مع إسرائيل. ومؤخرًا في قيادته الحثيثة التي أثمرتْ التوقيع على اتفاقية إبراهام قبل أيام، في سفارة الولايات المتحدة بالخرطوم.
أما الثاني، نصرالدين مفرّح، فتكفي الإشارة إلى خُطواته في مجالات الحريات الدينية، التي أسفرت عن رضاء الولايات المتحدة عن السودان في مجال الحريات الدينية. بجانب تصريحاته السابقة، إلى دعوته اليهود إلى زيارة السودان، كما يجري الحديث عن إجراءات حكومية تقوم بها وزارته لإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل.
من الواضح أن جميع أطراف الحكم في السودان مشاركون في الموافقة على التطبيع مع إسرائيل وإن كانوا يبدون غير ذلك
في السياق الخارجي، فإنّ دولًا عربية وإقليمية، شاركتْ في إدارة ملف التطبيع في السودان. أبرزها الإمارات العربية المتحدة، التي تفعل ذلك، في مساع منها إلى توسيع دائرة المطبّعين في المنطقة العربية والإسلامية.
لكن ما يبدو واضحًا هو أن جميع أطراف الحكم في السودان مشاركون في الموافقة على التطبيع مع إسرائيل وإن كانوا يبدون غير ذلك.
اقرأ/ي أيضًا
مجموعة تقتحم مقر إزالة التمكين في بورتسودان وتهدد أعضاء اللجنة
هيئة الاتهام تكشف وقائع جلسة محاكمة منفذي ومدبري انقلاب الإنقاذ